الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الروائي عبد الستار ناصر أول من عرّفني على (الزمان)

بواسطة azzaman

الروائي عبد الستار ناصر أول من عرّفني على (الزمان)

زيد الحلي

 

يبقى يوم الاثنين 12 أيار من عام 1997 عالقا في ذهني ، ولم يبارح ذاكرتي ابدا ، وكانه يوم امس .. ففي ظهيرته زارني الصديق الروائي عبد الستار ناصر الى مكتبي القديم  الملاصق لسينما اطلس في شارع السعدون ببغداد  ، وفي اثناء زيارته كان عندي ضيف من احدى المحافظات ، وقد لاحظتُ  ان الصديق عبد الستار، بعد ان رحبت به ، يريد ان يتكلم بشيء خاص ، وشعرتُ بذلك من خلال ملامحه وتعبيرات وجهه ، فاستعجلت الحديث مع ضيفي ، وبينت له انني على ارتباط  بموعد للخروج مع ( الاستاذ عبد الستار ناصر ) .. وقد تفهم الضيف الموقف ، فخرج ، بتوديع يليق به ..

وبعد  توديع الضيف ، وغلق باب المكتب ، وجهت سؤالا بصوت ضاحك  الى عبد الستار ، اثناء تقديم واجب الضيافة .. ( خير... اشوفك قلق ) فقال بصوته الناعم ، المحبب ( تعال اجلس .. فعندي هدية لك ) ..

جريدة (الزمان)

جلستُ الى جانبه ، وبعد لحظة ، مدّ يده الى كيس نايلون اسود ، اخرج منه نسخة من جريدة .. قائلا : هذا عدد من جريدة الاستاذ سعد البزاز ، اسمها « الزمان « تصدر في لندن .. اظن كان العدد الرابع او الخامس ، وقد فرحتُ جدا بهذه الهدية ، وحين بدأت بالتصفح ، قال عبد الستار ، لا تستعجل .. ابق الجريدة عندك .. اقرأها بهدوء .. وسأمر عليك غدا ، لاستلامها ، وايصالها الى صديق آخر ... ولا تنسى الحذر .. فالاحتفاظ بالجريدة ، خطر، وقد يؤدي بك الى الهلاك .. قرأت الجريدة من ألفها الى يائها .. كانت جديدة في طرحها واسلوبها ، غنية بالأفكار، مترعة الجمال ، انيقة الشكل ..جريدة بصوت أبيض في منتصف الليل ، خارج لغة النحاس ورنينه ، لم تتكئ على غير ساعدها ولا تشرب إلاّ من ماء نبعها ..وهي جريدة مؤسسها استاذ في المهنية الاعلامية ، فالكلمة عنده، بعبقرية بنائها وعظمة محتواها قادرة على التعبير عن الحالة الانسانية خارج حدود الزمان والمكان لكونها اصيلة وحديثة في ذات الوقت ..

هكذا كان  اول عهدي في « الزمان « الجريدة ، لكن المعرفة المتجذرة في الوجدان مع مؤسسها الاستاذ سعد البزاز ، كانت تسبقها بسنوات ... معرفة ظللتها الاخوة والزمالة والنبل ، وما تزال والحمد لله ..

وتوالت السنين ، ومعها دارت الشهور ، ساحبة ألق الايام ، لتواصل « الزمان» مسيرتها في تحد ملحوظ ، لكل الظروف ، ساعية الى تهديم أبنية الظلام والدسيسة ، وأقامت على أنقاضها ما يغوي الموج والسهل والأغاني من دخول حدائقها الملآى بكل صنوف الابداع الصحفي ..

وانا الان اكتب بحق « الزمان» ومؤسسها الاستاذ سعد البزاز،  وهي تسبح في نهر اصدار آلاف  الاعداد ، اقول ، من خلال متابعتي للإنسان والاعلامي الكبير «ابو الطيب» وجدته وضع اشارات منع مرور، للطائفية والاثنية والنوازع والاهداف الشخصية التي تتعارض مع مصلحة المجتمع، وتأكيده ضروري الاصغاء للرأي المختلف، وأخذه، ليس على محمل التجريح، بل على محمل النقد المسلح بمنطق علمي، والابداع عنده عمل تواصلي يفرض وجود طرف آخر للتلقي ..وهذه حالة تفرد بها في جو الاعلام.. وقد رفض البزاز ان يكون الاعلام جسدا بلا روح، ولم يشتته الصمت ويبعثره الخوف، رغم السنوات المُرة التي ارغمت كثيرين على المغادرة الى كهوف الأمان او الجلوس بين حيطان الحراسة، فبقت نظريته الاعلامية ترضع من شمس الطبيعة، حليب الشجاعة والارادة، مؤمنة بالقدر وبمشيئة الله، واعلن رهانه على محبة المتابعين، وفاز بالرهان.. فالإعلام عموما، هو الذي يبقينا حراساً للحلم والثوابت والحقوق التاريخية، وهو الذي يميزنا عن باقي المخلوقات، وهو الذاكرة والفعل، والمحرك.

وفي زيارتي الاخيرة لمبنى « الزمان»  شهدت ملامح البهاء على محيا الزملاء العاملين في الجريدة ، وهم يحملون مداد اقلامهم لرفد جريدتهم بمواد صحفية جديدة ، ومتابعات وتقارير مهمة ، لعدد جديد ،  فهم فرحون بزهو عطائهم ، وان حبهم للجريدة يتعاظم مع الأيام، وشوقهم اليها يفوق الخيال، ويتجاوز حنين العشاق، حباً وولهاً وتعلقاً ، وهذا لم يأت من فراغ ، بل من الثقة بجدوى ما يقدمونه من جهد يحظى باهتمام القراء.

حظ وافر

واجد نفسي ، على حظ وافر ، وانا اتابع عطاء الجريدة اليومي  في بغداد ، كوني احد كتابها ، وتربطني علاقة زمالة واخوة مع رئيس تحرير الجريدة « طبعة بغداد « الدكتور احمد عبد المجيد .. لمستُ قوة التحدي عنده من اجل استمرار الاصدار، فالعثرات الطارئة التي شهدتها الصحافة العراقية في السنوات العجاف ، ولاسيما بين 2005 وبين 2010 ،  لم توقف مسيرتها بل كسبتها قوة وصلابة ، فـ(الزمان) بشموخها لم تقف أمام الصغائر، وهى لا تبحث عمن يمسح دموعها لأنها لم تبكى أبدا، ولا تسأل عمن يضمد جراحها لأنها أقوى من اي جرح .

مبارك لنا ، وللقراء هذا العمر المديد للزمان .


مشاهدات 366
الكاتب زيد الحلي
أضيف 2024/10/01 - 2:25 AM
آخر تحديث 2024/12/18 - 9:17 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 295 الشهر 9009 الكلي 10065104
الوقت الآن
السبت 2024/12/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير