فاتح عبد السلام
أمام مساحات الجدب والجفاف والتجهيل وترويج الخرافات في سوق التجارة السياسية، التي تحيط بالمجتمعات العربية، وقد أسهمت ارتدادات سلبية من ثورة التكنولوجيا المعكوسة سلبا في تكريس ذلك الواقع المؤلم، باتت المبادرات الصغيرة ذات أثر لافت، نطمح ان يكبر ليكون علامة ودلالة لاهتداء الباحثين عن طريق صحيح. قبل أيام وجدت انّ مكتبة شهيرة في العاصمة الأردنية، عمان، تعتمد طريقة جديدة تحبب بها القراءة لروادها وللذين يفكرون في ارتيادها من خلال مبادرة اطلقت عليها « انسب لكم”، اذ تقوم شخصيات مهمة في المجتمع والحياة العامة او الاكاديمية بترشيح عدد من الكتب في مجالات ثقافية وإنسانية وعلمية وقصصية وفكرية وشعرية لكي تكون بيد القراء من خلال قراءتها داخل المكتبة او استعارتها بعد وضعها في خزانة شفافة امام الزوار. والاختيارات تكون استنادا الى تجارب طويلة لتلك الشخصيات في عالم الكتب والقراءة، ومن ثم تكون ترشيحاتهم دليلية وذات فائدة للقراء على نحو عام، كما تنبه المبادرة الى كتب لافتة كان لها تأثير في أفكار اكثر من جيل، وربّما انحسر الاهتمام بها بعد ارتفاع الموجة الساحقة للتكنولوجيا البصرية والاتصالاتية على حساب القراءة الرصينة الى جانب عوامل كثيرة.
من المؤكد انّ المبادرة صغيرة وغير معممة على جميع المكتبات العامة، وأنها تحتاج الى دعم الجامعات ذات المكتبات المركزية الكبيرة مع حملة تثقيف من الأساتذة لحث الطبقة المستعدة للقراءة وهم الطلبة على تنميتها. والمبادرة غير ملزمة لأحد، وانها تقدم شخصيات متنوعة للقيام بعملية ترشيح الكتب الجديرة بالقراءة من وجهة نظرها.
لكن هذه المبادرات يمكن التأسيس عليها، لتتطور، وتتحول الى مجال للنقاش والتداول العام والمتابعة الاعلامية من القنوات التلفازية والصحف أيضا.
واذكر هنا ان تلفزيون العراق في ثمانينات القرن الماضي كان يقدم برنامجا يستضيف من خلاله جمهورا متنوعا في مكان مفتوح غالبا، ليناقشوا كتاباً يحضر مؤلفه ضيفاً ويرد على الأسئلة، وغالبا ما تكون الكتب ومؤلفوها من العيار الثقيل في أوساطهم العلمية او الفكرية او الثقافية. وكان ذات مرة من بين الضيوف الدكتور والناقد اللامع، الراحل على جواد الطاهر الذي ناقش مع الجمهور كتابه الذي بات مرجعاً في الدراسات العليا بالجامعات العراقية، والمعنون» منهج البحث الادبي».
في العراق لن تنجح المبادرة تحت السقف الخفيض المعروف، وستتحول الى مصادرة للرأي الآخر ومجالا لتسويق الكتب الساذجة التي تغزو الشارع وعقول الساذجين أيضاً، إلا في حالة تسخير جهود جبارة ، غير متوافرة في افق هذا الجيل كما نرى .
رئيس التحرير-الطبعة الدولية
fatihabdulsalam@hotmail.com