فاتح عبد السلام
كان الخبر غريبا للغافلين عمّا يجري في دهاليز عقليات سلطوية مقفلة، حين أعلنت كوريا الجنوبية انها صدرت الى العراق مليون ومائتي ألف قنبلة مسيلة للدموع، بوصفه ثاني أكبر مستورد لهذا النوع من القنابل منها في العالم. يبدو اننا في انتظار ان تعلن دول أخرى عن استيرادات عراقية جديدة من صناعاتها القمعية كالعصي الكهربائية الصاعقة والرصاص المطاطي وسوى ذلك من الأسلحة الفتاكة ضد الأجساد الواهنة للعراقيين الذين لم يعودوا يمتلكون شيئاً سوى أصواتهم يرفعونها من اجل فرص عيش وعمل لائقة بالبشر لم تعد متوافرة على تراب بلاد الرافدين المزدحم بامتيازات الوزراء والنواب والمسؤولين والمكاتب الاقتصادية.
هؤلاء العراقيون من خريجي الكليات الطبية لم يخرجوا الى الشارع ليوقفوا تيارات الفساد المكتسحة من دون رادع إلا بالألفاظ والديباجات، ولم يخرجوا من اجل اعتقال كبار الفاسدين الذين تحميهم القوانين والتعليمات المقننة لصالحهم، ولم يخرج أولئك الفقراء بحثاً عن امتيازات في الحصول على قطعة أرض سكنية كحق عادي لكل مواطن ينتمي لأرض يعيش عليها وتسمى في الأوراق الرسمية وطنه.
انهم خرجوا متوهمين انّ لهم حقوقا في الديمقراطية المزعومة التي تبيح لهم الاعتراض على المسار الخاطئ والمطالبة بالحقوق الاساسية لهم لكي يشرعوا في الخطوة الأولى للعمل في بلادهم.
هؤلاء الخريجون الذين فتكت بهم هراوات القمع وسفحت دماء العديد منهم في الشارع، هم “الحسينيون” حقا من حيث المعنى والتأسي والاقدام والروح، “الحسينيون” الذين يتشبهون بأخلاق جدهم الحسين عليه السلام في انه خرج للإصلاح، والإصلاح شعبة من شعب المطالبة باستعادة الحقوق وحتى الموت في سبيلها.
لا حق دستورياً، أو قانونياً، أو أخلاقياً، أو عرفياً، أو أمنياً، لأي يد تمسك بسلطة جزئية او كلية ان تقمع هؤلاء الجوعى والمقهورين والمدمرين في طموحاتهم وأرواحهم بعد ان وصلوا الى سن اليأس الاجتماعي والسياسي والنفسي في وضع عقيم من كل جوانبه حولهم.
السلطات لم تحتمل هتافا ضد فاسدين، والسلطات لم تحتمل أصواتاً من اجل نيل لقمة العيش، فأية ديمقراطية يتبجحون بها، واية حياة كريمة يعدون بها العراقيين، وأي مصير ينتظر هذا الجيل الذي لم يتخرج بعد في المعاهد والكليات؟
رئيس التحرير-الطبعة الدولية