العابرون..حكايات لا تعود
العرب والعالم الجديد
صباح اللامي
الكتاب: العابرون “حكايات لا تعود”..العرب والعالم الجديد.
المؤلف: د. نعمان الهيمص
تمهيد: د. طه جزاع
الطبعة الأولى: 2022
الناشر: مكتبة دجلة للطباعة والنشر والتوزيع
وأنا بعدُ في لحظةِ الشروع بقراءة كتاب “العابرون”، لمؤلفه د. نعمان الهيمص، أدركتُ أنّ ديباجة التمهيد التي كتبها د. طه جزاع، منحتني مفاتيح فصول الكتاب، وعرّفتني بنماذج مهمة من أسراره. لكنني لا أزعم أنّ هذا التمهيد حرمني من متعة قراءة الكتاب واكتشاف ما فيه من دفائن المعلومات الآسرة التي تفرّد المؤلف في التنقيب عنها، ودراستها والتحقق منها وعرضها لقرائه، بل حرّضني تمهيد الدكتور طه على أمرين أولاً الإقدام الفوري على تقديم قراءة سريعة، لنشرها، وثانياً ترك الباب مفتوحاً لمزيدٍ من النظرِ في عنوانات الكتاب “المغرية” حقاً لتقصي أثرِ كل حكايةٍ من حكاياته. يقول الصديق العزيز، الدكتور طه جزاع، المعروف بتآليفه في أدب الرحلات: “هؤلاء العابرون، كتبوا بالجرأة وروح المغامرة والتحدّي والإقدام، والشجاعة والعناد أروع القصص، وأعجب الحكايات”. ويرى أن المؤلف التقط “جواهر تلك المغامرات عبر التاريخ من دون أن يغفل دوافعها وأسبابها وأهدافها ونتائجها الانسانية والتاريخية والاقتصادية والعسكرية والاستعمارية، ليعرضها عبر فصول أربعة افتتحها بحقائق وفرضيات حول أسبقية العرب في الوصول إلى العالم الجديد قبل كريستوفر كولمبس بمئات السنين”. ويتحدث المؤلف –القول للدكتور طه جزاع- عن حكاياتٍ “ترتبط بشخصيات مغامرة، بيزارو ناقل الثقافة الأندلسية، والأزموري المغربي ابن الشمس الأسير، والموصلي الرحالة والكاهن والطبيب، وحادي الإبل البدوي الحاج علي الذي مازال تمثاله أحد شواخص ولاية أريزونا، والشويري الغريب في الغرب، والريحاني فيلسوف بلدة الفريكه في جبل لبنان، والداعية الإسلامي السوداني في أميركا ماجد ساتي”. ويخصص المؤلف فصلاً للحديث عن رحلات معاكسة لمغامرين هاجروا إلى الشرق مثل “ليديارد، أوّل رحالة إلى الشرق، وجورج أنجلش، محمد أفندي، قائد مدفعية الباشا اسماعيل في مصر، وروبرتس كاتب رحلة الطاووس، فضلاً عن رحلات لوجر، وبيري، وسيبروك، وما رافق هذه الرحلات من مغامرات في الإسكندرية وفي جزيرة العرب”. وفي الفصل الثالث تبدأ رحلات العابرين، تأخذ منحى آخر، منحى المصالح والتبشير والهجرة والنشاط التجاري والسياسي والتعليم والطب وافتتاح المكتبات وبيع الكتب”، طبقاً لما ورد في التمهيد. وينظر الدكتور طه بإعجاب إلى “خاتمة فصول الكتاب”، واصفاً إياها بأنها “أكثرها متعةً وتشويقاً، الفصل الرابع (حكايات لا تعود) الذي نقرأ فيه حكايات القراصنة، قصة ماركو الجاسوس الجزائري في بنسلفانيا، وقصة القبطان غير المحظوظ بيبنريدج، ورايلي، وحكاية العبيد في الصحراء الكبرى، وبن سعيد الذي ولد حراً وبيع عبداً، ومغامرات عبدالله وليامسون بين الغرب والشرق، وجون فان أيس الذي كانت بدايته ونهايته في البصرة، والرواف التميمي صاحب الرحلة العجيبة من دجلة إلى هوليوود، وبول سالوبيك الذي سار على خطى المهاجرين، ونقرأ أيضاً حكاية طرزان بين الواقع والخيال، وطرزان غابات مانيسا التركية الجندي العراقي أحمد بداوي المحارب في الحرب العالمية الأولى مع الجيش العثماني”.
وتقرأ في الكتاب أيضاً معلومات لم تعرف بها من قبل “عن عبور تايتنك، ومأساتها البحرية، وضحاياها، والناجين منها، وبينهم عرب”، وعن الرحلة نفسها ثمة تفاصيل غاية في الأهمية عن “ضياع النسخة الأصلية لرباعيات الخيام التي كانت على متنها في طريقها الى العالم الجديد، وأعداد العرب في تلك الرحلة، فضلاً عن حكاية (الأورطة) تلك الكتيبة العسكرية التي قدِمتْ من أحراش (بحر الغزال) في السودان إلى أقصى الشمال في المكسيك نتيجة اتفاق سياسي بين والي مصر وامبراطور فرنسا”. وإذ يجد القارئ في (قائمة المصادر والمراجع) العربية والأجنبية التي اعتمدها المؤلف في تقصّي تفاصيل أو مظانّ كل حكاية رواها من حكايات العابرين، دعوني أقدم لكم بعض ما قاله المؤلف “د. الهيمص” في مقدمته لكتابه: يقول عن لحظة وصوله: “شممتُ عبق العابرين الأوَل، وسمعتُ صدى موسيقاهم في كمنجات الغرب الأوسط، وفي قيثارات الأرياف”. إنها برأيه وهو العراقي الذي قدم بغداد ألف ليلة وليلة إلى الولايات المتحدة: “كرحلات السندباد البحري السبع”، والتي “روتها شهرزاد على مسامع الملك شهريار”. ويعطي المؤلف أهميةً لبحثه بصدد الكشف عن “علاقات العرب بالعالم الجديد، متى بدأت وكيف نشأت، وما هي الدلائل والقرائن على تواصل العرب مع الأرض الواقعة خلف بحر الظلمات، وهي التسمية التي يطلقها العرب قديماً على المحيط الأطلسي، فيما يُطلق على ما بعده الأرض المجهولة”.
ويشير المؤلف في خاتمة تقديمه لكتابه إلى “نشاطات آثارية مكتشفة تؤكد الدور العربي البارز وتواصله مع بلاد الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي، ونشاط الرحالة العرب والأمريكان ورحلاتهم وأهدافهم ومعاناتهم وتجاربهم في مراحل وصفحات تاريخية من عمر الزمن، ورحلات ونشاطات تبشير ديني، ونشاط تجاري، والهجرة العربية، والقصص العربية في العالم الجديد، يضاف إليها مغامرات الهاربين من العالم الجديد الى الشرق، بعد أنْ فضل الكثير منهم الاستقرار في الشرق، وتحديداً مدينة البصرة في جنوب العراق التي تقع شمال الخلج العربي”.
قراءتي السريعة لكتاب الزميل الصديق العزيز “د. نعمان الهيمص”، تغريني بقراءاتٍ متأنّية، وليس بقراءة واحدة، ففي ثنايا هذا الكتاب الذي أضنى مؤلفَه بالبحث، وتقصي حقائق الحكايات، وبالتثبت منها، كدراسة ترقى الى البحث الأكاديمي الذي لم يبخل صاحبه ببذل جهود حثيثة للإطلاع على مئات المراجع والمصادر العربية والأجنبية التي استعان بها ليقدم لنا هذه “الوليمة الدسمة” من مادّة مرغوبة القراءة. ويمكن القول: يندر أنْ يغامر مؤلفٌ في “التورّط” بمثل هذا النوع من الدراسات، لاسيما أنه لم يكن قد أمضى زمناً طويلاً في العيش بأرضِ ما وراءَ الأوقيانوس أو “بحر الظلمات”، المحيط الأطلسي، ثاني محيطات العالم، بعد المحيط الهادي، والذي يغطي 20 بالمائة من مساحة الكرة الأرضية. فللصديق العزيز “د. نعمان الهيمص” ذي المؤلفات التسعة، التهنئة بهذا الإصدار ، الممتع، الذي يسجّل إضافة حقيقية للمكتبة العربية. والشكر موصول للدكتور طه جزاع الذي قرأ، فأوجز، وأفاد وأجاد، بأن أظهر في تمهيده البليغ للكتاب، مواطن الجذب فيه، مؤكداً استحقاق قراءته.