الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الصيانة‭ ‬والترقيع

بواسطة azzaman

الصيانة‭ ‬والترقيع

عدنان أبوزيد

 

في‭ ‬عالمٍ‭ ‬تتشابك‭ ‬فيه‭ ‬خيوط‭ ‬الزمن‭ ‬والفضاء،‭ ‬حيث‭ ‬تُفَصِّلُ‭ ‬الشعوبُ‭ ‬معانيها‭ ‬وتبتكر‭ ‬حلولها‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحديات،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬الأمم‭ ‬أو‭ ‬تراجعها‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬حظٍ‭ ‬أو‭ ‬مصادفة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬نتاجُ‭ ‬فهمٍ‭ ‬عميقٍ‭ ‬لكيفية‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الحياة‭.‬

كيف‭ ‬تأخذ‭ ‬الأمم‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة‭ ‬وتستثمر‭ ‬المعرفة‭ ‬والمهارات‭ ‬والأخلاقيات‭ ‬التي‭ ‬تفرزها‭ ‬بيئاتها،‭ ‬وكيف‭ ‬تعجز‭ ‬أخرى‭ ‬عن‭ ‬المضي‭ ‬قدمًا،‭ ‬تغرق‭ ‬في‭ ‬سُباتٍ‭ ‬عميق‭.‬

تسعى‭ ‬الشعوب‭ ‬إلى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬أزماتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سُبُلٍ‭ ‬مختلفة،‭ ‬ومن‭ ‬الأمثلة‭ ‬التي‭ ‬تجسد‭ ‬هذه‭ ‬الفروقات‭ ‬نجد‭ ‬كيفية‭ ‬صيانة‭ ‬السقف‭ ‬في‭ ‬البيوت‭. ‬ففي‭ ‬عالمٍ‭ ‬غني‭ ‬بالتنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬والتجارب،‭ ‬تُعرض‭ ‬لنا‭ ‬صور‭ ‬متعددة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬مشكلات‭ ‬السقف،‭ ‬كما‭ ‬يلي‭:‬

في‭ ‬أمةٍ‭ ‬تُقدِّر‭ ‬الصيانة‭ ‬وتحرص‭ ‬على‭ ‬التجديد،‭ ‬يُعقد‭ ‬جدول‭ ‬دوري‭ ‬لمراجعة‭ ‬السقف‭ ‬وتجديده‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬نهايته‭. ‬تلك‭ ‬الأمة‭ ‬تَفْهَمُ‭ ‬أن‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬الصيانة‭ ‬المستمرة‭ ‬يقيها‭ ‬من‭ ‬العواقب‭ ‬الوخيمة‭.‬

أما‭ ‬الشعوب‭ ‬المنتبهة،‭ ‬فتقوم‭ ‬بفحص‭ ‬السقف‭ ‬بانتظام،‭ ‬وتستشعر‭ ‬عند‭ ‬اقتراب‭ ‬نهاية‭ ‬عمره،‭ ‬فتقوم‭ ‬باستبداله‭ ‬بشكلٍ‭ ‬مسبق‭. ‬هؤلاء‭ ‬يسعون‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأداء‭ ‬الجيد‭ ‬لمرافقهم‭ ‬ويقدرون‭ ‬قيمة‭ ‬التحوط‭ ‬والاستباق‭.‬

في‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬توجد‭ ‬شعوب‭ ‬ترقّع‭ ‬السقف‭ ‬بوسائل‭ ‬مؤقتة،‭ ‬لكن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تُغيِّر‭ ‬السقف‭ ‬بشكلٍ‭ ‬كامل‭. ‬هؤلاء‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬أملٍ‭ ‬زائف،‭ ‬يعالجون‭ ‬الأعراض‭ ‬دون‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬جذور‭ ‬المشكلة‭.‬

أما‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬تستسلم‭ ‬لأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬فتنتظر‭ ‬حتى‭ ‬يُسمع‭ ‬خرير‭ ‬الماء‭ ‬وهو‭ ‬يتسرب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السقف،‭ ‬عندها‭ ‬فقط‭ ‬يبدأون‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الاستبدال‭. ‬هؤلاء‭ ‬يتصرفون‭ ‬بعد‭ ‬فوات‭ ‬الأوان،‭ ‬مستسلمين‭ ‬لما‭ ‬قد‭ ‬حصل‭.‬

وفي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬هناك‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬تواصل‭ “‬الرتق‭” ‬و‭”‬الترقيع‭” ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬متجاهلة‭ ‬أن‭ ‬السقف‭ ‬سينهار‭ ‬في‭ ‬يومٍ‭ ‬ما‭. ‬هؤلاء‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الإهمال‭ ‬الدائم،‭ ‬ينتظرون‭ ‬الكارثة‭ ‬التي‭ ‬ستكون‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬اليد‭.‬

العراق‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬يقيمون‭ ‬في‭ ‬عالمٍ‭ ‬مملوءٍ‭ ‬بالسقف‭ ‬المُرقَّع‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭ ‬المتخيَّل،‭ ‬تتعانق‭ ‬الطقوس‭ ‬والتقاليد‭ ‬كأنها‭ ‬أقمشةٍ‭ ‬ملونة‭ ‬تُسدل‭ ‬على‭ ‬سقوف‭ ‬قديمة،‭ ‬تتناثر‭ ‬منها‭ ‬رقعٌ‭ ‬ملونةٌ‭ ‬من‭ ‬ماضٍ‭ ‬أليم‭. ‬هؤلاء‭ ‬القوم‭ ‬يرتقون‭ ‬جراحاتهم‭ ‬بتقنياتٍ‭ ‬بدائية،‭ ‬يشبكون‭ ‬خيوط‭ ‬الأمل‭ ‬مع‭ ‬نسيج‭ ‬الإهمال،‭ ‬بينما‭ ‬تسيل‭ ‬العبرات‭ ‬من‭ ‬الأسقف‭ ‬التي‭ ‬تئن‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الزمن‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬البيئة،‭ ‬يُحتَفَى‭ ‬بالترقيع‭ ‬كفنٍ‭ ‬نبيلٍ،‭ ‬حيث‭ ‬تأمل‭ ‬الشعوب‭ ‬بألوانه‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬البعيد،‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬لحظةٍ‭ ‬سحريةٍ‭ ‬تتجاوز‭ ‬صرخات‭ ‬النداء،‭ ‬لتسعى‭ ‬نحو‭ ‬سقفٍ‭ ‬جديدٍ‭ ‬يعيد‭ ‬إليهم‭ ‬عبق‭ ‬الأمل‭ ‬المفقود‭.‬

‭ ‬العبرة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الفصول‭ ‬المتعددة‭ ‬تتجلى‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬المداواة‭ ‬الصحيحة‭ ‬ترتبط‭ ‬ارتباطًا‭ ‬وثيقًا‭ ‬بطبيعة‭ ‬المجتمعات‭.‬

لن‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ “‬السقف‭ ‬المُرقَّع‭” ‬ما‭ ‬لم‭ ‬نقُم‭ ‬بتحديث‭ ‬أدواتنا‭ ‬الثقافية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬لنثري‭ ‬قدرتنا‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬المناسب‭ ‬مع‭ ‬الأزمات،‭ ‬ونبني‭ ‬أسسًا‭ ‬متينةً‭ ‬تُمكّننا‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬المستقبل‭ ‬بثقةٍ‭ ‬وإبداع‭.‬


مشاهدات 64
الكاتب عدنان أبوزيد
أضيف 2024/08/30 - 10:57 PM
آخر تحديث 2024/09/01 - 10:32 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 191 الشهر 191 الكلي 9988813
الوقت الآن
الأحد 2024/9/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير