الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عندما إلتقيت جمال عبد الناصر 

بواسطة azzaman

أذن وعين

عندما إلتقيت جمال عبد الناصر 

عبد اللطيف السعدون

عرفت جمال عبدالناصر في عمر مبكر فقد كان اسمه يتردد في مجلس أبي حين يلتقي ببعض أصدقائه الا أنني اكتشفت فيما بعد أن أبي لم يكن ميالا له عكس أخي الكبير الذي كان عبدالناصر مثله الأعلى، وقد أخذت منه اعجابه به وحبه له، وانطبعت عندي صورة عبدالناصر فارسا يمتشق سيفه ليحارب أعداءه وينتصر عليهم، وعندما كبرت أتسعت دائرة الوعي لدي وأدركتني السياسة مبكرا وبدأت أقترب أكثر من الحركات السياسية التي كانت نشطة آنذاك، وأصبح لي فيها معارف وأصدقاء لكن تلك الصورة الرومانسية لعبد الناصر لم تغادر مخيلتي، وأخذ يبدو لي كما لو كان «المخلص» الذي بشرتنا به الديانات، وفي حينها كنت عثرت على صورة فوتوغرافية له في أيام شبابه لا أتذكر كيف وصلت الى يدي لكنني كنت أحرص عليها دائما وأضعها في حرز حريز، وظلت تلك الصورة في عهدتي زمنا طويلا لكنني سرعان ما نسيتها بعد أن حكمت علي الأقدار أن أتنقل بين الأمصار والعواصم طالبا أو دبلوماسيا أو منفيا باختياري لكن الصدف وحدها أعادت لي تلك الصورة مع مجموعة صور كنت أودعتها لدى صديق في حينه، وذكرتني أن جيلنا كان يمني نفسه بأن يظهر عبدالناصر من غيبته يوما ما ليقيم دولة العدل وينتصر للمقهورين ويقاضي من ظلم، وعلى يديه سيتحقق الانبعاث العربي وتتجدد النهضة القومية,

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فقد تداعت أمام ناظري مشاهد حبي لعبد الناصر واعجابي به وكأنها تحدث اليوم، فعندما تعرضت للاعتقال عام 1959على خلفية نشاطي الطلابي الذي اعتبرته السلطة آنذاك معاديا عثر أفراد الشرطة الذين قاموا بتفتيش منزلي على صورة عبد الناصر الأثيرة عندي تلك لكنهم لم يفطنوا الى هوية صاحبها، وألقوا بها على الأرض!

وطن عربي

ومرة أخرى أوقعني تأييدي لعبد الناصر في مشكلة، كان ذلك في أيلول عام 1961 عندما حدث الانفصال بين سوريا ومصر وكنت في حينه أنا والزميل ابراهيم الزبيدي نقدم برنامجا من راديو بغداد باسم «الوطن العربي الكبير»، وصادف موعده الاسبوعي في يوم الانفصال فاخترنا موالا للمغني السوري ايليا بيضا يتغنى فيه بالوحدة العربية، وذلك تعبيرا عن موقفنا في شجب الانفصال الذي كانت تؤيده حكومة عبد الكريم قاسم، عندها قامت الدنيا من حولنا ولم تقعد، وأحلنا للتحقيق لكن الأمر انتهى بسلام.

ومرة ثالثة سبب لي عبد الناصر مشكلة، كان ذلك عند زيارته للسودان في 28 أيار 1970 فقد كنت آنذاك أعمل ملحقا صحفيا في سفارة العراق بالخرطوم، وتحقق حلمي باللقاء به ومصافحته في مطار الخرطوم ضمن الكادر الدبلوماسي، وقد كانت زيارته تلك للسودان زيارة تاريخية بالفعل قوبل فيها  باستقبال اسطوري لم تشهد الخرطوم له مثيلا حيث اصطف عشرات الآلاف على امتداد الطريق الذي سلكه من المطار الى القصر الرئاسي، وكانت الهتافات بحياته تشق عنان السماء، وقد وصفت كل هذا في تقرير أرسلته الى مراجعي في وزارة الاعلام، حسب ما كان سائدا آنذاك،، وأكدت فيه أن عبد الناصر يتمتع في السودان بشعبية كبيرة لا تقاس بشعبية منافسيه البعثيين، الى هنا والأمر كان طبيعيا جدا الا أنني عرفت فيما بعد أن القائم بالأعمال كتب تقريرا الى وزارة الخارجية قلل فيه من أهمية الزيارة وحتى من شعبية عبد الناصر اذ زعم أن الاستقبال كان فاترا، وأن الكثير من السودانيين عبروا عن امتعاضهم من الزيارة، كما زعم أن «حركة الاشتراكيين العرب» الواجهة التي كان يعمل من خلالها البعثيون في السودان قد سيطرت على الشارع السوداني.. الى آخر تلك المزاعم التي لفتت نظر وزارة الخارجية والتي وجدت فيه تناقضا مع ما كنت ثبتته في تقريري، وهكذا أخضعت للمساءلة الرسمية لكنني استطعت أن أخرج هذه المرة أيضا بسلام بعد أن قدمت ما عندي من أدلة عن صحة وموثوقية ما كتبته.

وكشفت لي تلك الواقعة كيف يضلل بعض الموظفين رؤساءهم بهدف كسب رضاهم ولو على حســــاب الحقيقة، كما أدركت في السنوات والعقود اللاحقة كيف يمكن أن تؤثر مثل هذه التصرفات في دفع المسؤول الأعلى الى تبني سياســـــات ومواقف خاطــئة قد تضر بالبلد في آخر المطاف.

وعلى أية حال فقد انتهى عصر البطولة الفردية، وأصبح التغيــير في مجتمعاتنا مرتبطا بقدرة الجموع العريضــة المقهورة والقادرة على تشكيل عالم عربي جديد وان طال الزمن،

 

 


مشاهدات 35
الكاتب عبد اللطيف السعدون
أضيف 2024/07/06 - 12:07 AM
آخر تحديث 2024/07/06 - 3:08 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 65 الشهر 2104 الكلي 9364176
الوقت الآن
السبت 2024/7/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير