لا تمدح نفسك

حسين الصدر

 

 

-1-

في كتب الأدب والتاريخ نصوصٌ مهمة لإثراء الرصيد الشخصي في ميادين عديدة :

في الميدان الاجتماعي ،

وفي الميدان الأخلاقي ،

وفي الميدان الإنساني ،

فضلاً عن سائر الميادين الأخرى .

-2-

ومن هذه النصوص المتميزة قصةُ أسماء بن خارجة مع عبد الملك بن مروان

جاء في التاريخ :

انّ أسماء بن خارجة دخل على عبد الملك بن مروان فقال لَهُ :

« بلغني عنك خصال شريفة فَأَخْبِرْني بهن .

فقال له في جمله ما قال :

« انّ استماعهن مِنْ غيري أحسن مِنْ استماعهن مني «

وهنا تكمن البراعة في اتخاذ الموقف الصائب، ذلك انّ مدح الانسان لنفسه ليس بأمر راجح، بل هو موضع نقدٍ ومواخذة،

 دع الاخرين يتحدثون عنك وابتعد عن كل ما يًشم منه رائحة الذاتية والغرور .

الاّ ان عبد الملك لم يَدَعْهُ حتى أقسم عليه قائلاً :

( أُقسمُ عليك الاّ أخبرتني بهن )

قال أسماء :

« ما سألني أحد قط حاجةً الاّ قضيتُها كائنةً ما كانت ،

ولا أكل رجلٌ من طعامي ولا شرب من شرابي الاّ رأيتُ له الفضل عليّ

ولا أقبل عليّ بحديثه الاّ أقبلت عليه بسمعي وبصري حتى يكون المولي عني ،

ولا مددتُ رجلي أَمامَ جليسي فيرى أنّ ذلك استطالة مني عليه «

راجع المنتظم لابن الجوزي

ج6 ص 235 – 236

وهكذا يتجلى لنا :

انّ قضاء حوائج الناس من أروع الاعمال وبكل الموازين والمعايير السماوية والارضية .

وانَّ الضيف أَوْلاكَ فَضْلَهُ حين لبّى دعوتك او قصدك ابتداءً ،وليس العكس.

وانّ من الادب والخلق الكريم الاقبال على مَنْ يُحّدثُكَ بالسمع والبصر دون ان تقطع حديثه حتى يتمه .

وان تحترم جليسك غاية الاحترام وتمتنع من مدّ رجلك أَمامُهُ خشية أنْ يُفَسِرَ ذلك بلونٍ مِنْ الوان التكبر او الاستعلاء .

والسؤال الأن :

هل يصعب عليك ان تلتزم بما التزم به أسماء بن خارجة ؟

انك بالتأكيد لقادرٌ على ذلك، فلا تُضيعنَّ الفرصة، وليكن يومك خيراً من امسك ( فمن استوى يوماه فهو مغبون ) – كما جاء في القول المأثور - .

-3 –

ولا أدري لماذا مال معظم السلطويين في العراق الجديد الى حرمان انفسهم من قضاء حاجات إخوانهم ؟

ولماذا أغلقوا أبوابهَم عنهم ؟

ثم لماذا نراهم يكثرون الحديث عن أَنْفُسِهم ، غير أنَّ هذا الحديث لا يجد مَنْ يُصدّقُه ويقتنع به ..!!

وهنا تكمن الكارثة .