الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قوانين السلة الواحدة...  وتعطيل الدستور  

بواسطة azzaman

قوانين السلة الواحدة...  وتعطيل الدستور  

احمد طلال عبد الحميد البدري

 

يقصد بتعطيل الدستور ان تتغاضى السلطة المسؤولة عن تطبيق احكامه عن تطبيق هذه الاحكام عمداً سواء كانت تشريعية او تنفيذية ام قضائية ، فتعطيل احكام الدستور ممكن ان يحدث بسلوك ايجابي من جانب المشرع باصدار تشريع مخالف للدستور ، كما قد يحدث بسلوك سلبي عندما يتعمد تجاهل نصوصه ، فالتجاهل معناه الامتناع عن تطبيق نصوص الدستور وهو يشكل مخالفه صريحة للدستور ، وهذا التجاهل قد نراه في صورة تشريع يخرق احد نصوص الدستور الموضوعية ، وقد يكون محل التجاهل احد النصوص الشكلية التي تنظم اجراءات او مراحل التشريع ،  حيث شهد مجلس النواب العراقي بتاريخ   21/1/2025 التصويت على ثلاثة قوانين مهمة بحكم مساسها بشريحة كبيرة من ابناء الشعب العراقي والعائلة العراقية دفعه واحدة او ما اطلق عليها جزافاً ( سلة واحدة ) ، وهذه القوانين هي قانون تعديل قانون العفو العام ، وقانون تعديل قانون الاحوال الشخصية ، وقانون اخر يتعلق باعادة العقارات ، حيث جرى التصويت النهائي على هذه القوانين مرة واحدة وبتصويت واحد او (التصويت بالمجمل) كما ورد على لسان رئيس مجلس النواب في جلسة سادتها الفوضى حيث تم اعلان الموافقه في ثوان معدودات ، مع الاشارة  الى خلفية هذه القوانين التي كانت محل خلاف وجدل بين الكتل السياسية وحتى الراي العام بين مؤيد ومعارض وبين شد وجذب ، ومن دون الخوض في الجانب الصياغي لهذه التشريعات ،سنحاول التركيز في مقالنا هذا على مخالفات مجلس النواب للنصوص الدستورية ونصوص النظام الداخلي لمجلس النواب عند التصويت على هذه القوانين دفعة واحدة  وكما ياتي :

1.         نصت المادة (1) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 على ان نظام الحكم في العراق جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي ، ومن المعلوم ان النظام البرلماني يقوم على اساس وجود نواب منتخبين بالاقتراع العام المباشر يمثلون ارادة الناخبين ، وان هؤلاء النواب فوضوا الاختصاص التشريعي من الشعب ، وان العملية التشريعية عملية معقدة تحتاج للتاني ودراسة مشاريع القوانين ، وان جوهر النظام البرلماني هو المناقشات والمداولات البرلمانية ، ولما كان اصل هذه القوانين مقترحات من النواب وليست مشاريع قوانين حكومية بالتالي فأن مجلس النواب تخلص من الضفط الحكومي الذي يدفعه للاستعجال على حساب مبدأ المناقشة البرلمانية ، كما ان هذه القوانين خلت من اي صفه فنية تخلق تحدي للتوفيق بين تقنية مشاريع القوانين واختيار الوقت الكافي لمناقشتها بصورة مستفيضه، وبالتالي فأن التصويت على هذه القوانين بهذه الطريقة خرق لمبادىء النظام النيابي (التمثيلي) لان النواب لم يتسنى لهم مناقشة هذه القوانين باستفاضة وحرية وتم التصويت عليها مجتمعه خلافاً لقواعد التصويت لذا فان هذه العملية اشبة بالاستسلام البرلماني لارادة سياسية تدفع لتمرير هذه القوانين دفعة واحدة ، اكثر من كونها تعبيراً عن ارادة الناخبين على حد تعبير الفقيه الفرنسي (جورج بيردو) .

2.         ان طريقه التصويت مخالفة لاحكام المواد  (134- 137) من النظام الداخلي لمجلس النواب  (1) لسنة 2022 التي تتطلب مناقشة كل مادة منفردة بعد تلاوة كل منها ويؤخذ الراي على كل مادة على حده وثبيت الاقتراحات بالتعديلات مع امكانية اعادة مناقشة المادة التي طرأ عليها مقترح التعديل ولايجوز التصويت على القانون الا بعد مضي اربعه ايام على الاقل من انتهاء المداولة وقراءة مشروع القانون قراءة اولى وتقديم اللجنة المختصة التقرير الخاص بمشروع القانون بعد يومين على الاقل من القراءاة الاولى وبعد استلام المقترحات التحريرية ثم اجراء المناقشة عليه ، ووفقاً لهذه النصوص فأن عملية التشريع تمر بعدة مراحل تتمثل بقبول المشروع او المقترح ومن ثم مناقشة كل مواده بصورة منفردة على حدة بعدة قراءاه كل نص بصورة منفردة ، ومن ثم تثبيت المقترحات بالتعديل مع امكانية اعادة مناقشة النصوص التي طرأ عليها التعديل ثم يقرأ المشروع كاملا قراءه اولى ثم تقدم اللجنة المختصة التقرير الخاص بالمشروع بعد استلام المقترحات التحريرية واجراء المناقشات ثم يتم التصويت ، ومن الملاحظ ان سلسلة الاجراءات التشريعية من شانها ان تخلق استحالة قانونية وواقعية عن مباشرة هذه الاجراءات على عدة قوانين في ان واحد او التصويت عليها دفعة واحدة ، وعلى فرض ان هذه الاجراءات السابقة للتصويت قد تم استنفاذاها في وقت سابق من المجلس ، الان التصويت على ثلاث قوانين تعالج مواضيع مختلفة دفعة واحدة في تصويت واحد لاسند له من القانون ويتعارض مع الية القراءة والمناقشة والتعديل المنصوص عليها في النظام الداخلي .

3.         لوحظ ان مجلس النواب سبق وان اصدر جدول اعمال الجلسة الثالثة ليوم 21/ كانون الثاني /2025 تضمن في فقرته الاولى التصويت على مقترح تعديل قانون الاحوال الشخصية وفي فقرته الثانية التصويت على مشروع قانون اعادة العقارات الى اصحابها وفي فقرته الثالثة التصويت على تعديل قانون العفو العام ، واستناداً للمادة (37/ثالثاً) من النظام الداخلي فأنه يتوجب على رئيس مجلس النواب ونائباه ان عدوا مجتمعين جدول اعمال المجلس الاسبوعي مناقشة فقرات جدول الاعمال بحسب تسلسلها الوارد في الجدول ولايصار الى مناقشة فقرة جديدة الا بعد الانتهاء كلياً من مناقشة الفقرة السابقه واذا تعذر مناقشة فقرة فيمكن تاجيل النظر فيها الى جلسة ثانية ، ووفقاً لذلك فأنه يجب التصويت على كل مقترح قانون بصورة منفردة وحسب تسلسل فقرات الجدول ، ولايجوز التصويت على ثلاث قوانين وردت في ثلاث فقرات مستقلة دفعة واحدة  ، وهذه مخالفة جسيمة وقع بها رئيس ونائبي المجلس باعتبارهم المسؤولين عن اعداد هذا الجدول والالتزام به وبالنظام الداخلي للمجلس .

4.         اما القيمة القانونية للنظام الداخلي لمجلس النواب ، فمن وجهة نظرنا نراه من الانظمة الاساسية المكملة للدستور العراقي لانه يعالج مواضيع ذات طبيعة دستورية وبالتالي فان القواعد الواردة فيه طبقاً للمعيار الموضوعي هي ذات طبيعه دستورية  كونها تتعلق بالسلطة التشريعية والية التشريع اي يتعلق بالية ممارسة اختصاصها ، وان كانت لاترقى الى مستوى القاعدة الواردة في الدستور ، ومما يدعم راينا ان هذا النظام صدر بناء على تكليف من المشرع الدستوري ، حيث نصت المادة (51) من دستور العراق لسنة 2005 على ان ( يضع مجلس النواب نظاماً داخلياً لتنظيم سير العمل فيه) ، الان المشرع العراقي لم يأخذ صراحة بفكرة القوانين والانظمة الاساسية اوالمكملة او العضوية لانه لم يضع قواعد خاصة لتشريعها او لتعديلها تختلف عن قواعد سن و تعديل التشريعات العادية ،  ففي فرنسا وفي ظل دستور 1958 تنبه المشرع الفرنسي الى ضرورة الموائمة بين جمود الدستور ومرونه انشاء وتنظيم عمل المؤسسات السياسية في الدوالة مما دفع واضعي الدستور الى تحديد مجالات معينه تعالجها القوانين الاساسية ونص على مراعاة اجراءات خاصة لتشريعها تمييزا لها عن القوانين العادية ، مع جعل الرقابة عليها رقابة وجوبيه من قبل المجلس الدستوري ، ولاتملك السلطة التشريعية اصدار قانون اساسي او مكمل للدستور قبل عرضه على المجلس التأسيسي.

5.         وبالتالي فان فان القيمة القانونية للقوانين والانظمة الاساسية لاترقى الى مستوى القاعدة القانونية الدستورية التي تسموعليها طبقاً لمبدأ سمو الدستور بدليل ان هذه القوانين تخضع شأنها شأن القوانين العادية لرقابة الدستورية ، وبالتالي يمكن ان نستنتج ان التشريع الصادر بمخالفة نصوص وردت في النظام الداخلي لمجلس النواب والذي يفترض فيه قرينه الدستورية مخالف بالنتيجة للدستور ، ونتوقع ان تواجه المحكمة الاتحادية العليا تحدياً عن الطعن بدستورية هذه القوانين التي صوت عليها مجلس النواب في سلة واحدة اذا ما استند الطعن بمخالفة جلسة التصويت لنصوص واردة في النظام الداخلي للمجلس ، ونرى بامكان المحكمة الاتحادية العليا قبول الطعن بالاستناد الى نصوص الدستور التي اقرت النظام التمثيلي النيابي لخرق طريقه التصويت مبادىء هذا النظام وجوهرهه المتمثل بالمناقشات والمداولات البرلمانية وحسب ما بينا في الفقرة (1) اعلاه ، او الاستناد لنص المادة (93/ثالثاً) من الدستور التي اعطت الاختصاص للمحكمة الاتحادية العليا اختصاص الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والنظمة والتعليمات ...الخ ، والاستكون اجراءات البرلمان بالتصويت بمنأي عن الرقابة اذا ماتضمنت طريقه تصويت مخالفه لاسس النظام البرلماني .

6.         ان المحكمة الاتحادية العليا قد نأت بنفسها عن التدخل بالاجراءات والامور التنظيمية والضبطية داخل المجلس كون ذلك خارج اختصاصها وهذا ماذهبت اليه في قرارها بالعدد (72/اتحادية /2023) في 24/5/2023 الذي جاء فيه ( ...وقد وجدت المحكمة ان الجلسة المطعون باجراءاتها وقراراتها هي رقم (16) في 26/3/2023 وهي تختلف عن جلسة (15) في 19/3/2023 هذه من جهة ومن جهة اخرى ان المخالفات التي اوردها المدعون في عريضه دعواهم واللائحة المقدمة من وكلائهم لا تستلزم الحكم بعد صحة الجلسة وبطلان اجراءاتها والقرارات المتخذه فيها ، ذلك ان مجمل الطعن ينصب على على اجراءات تتعلق بحفظ الامن والنظام داخل قاعة مجلس النواب واجراءات ادارة الجلسة وغيرها من الامور التنظيمية التي تخرج عن اختصاص المحكمة الاتحادية العليا المحددة بموجب المادة (93) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، وبذلك فأن دعوى المدعين واجبه الرد ...) ، ويفهم من هذا التوجه ان المحكمة الاتحادية العليا لاتتدخل في الاجراءات الضبطية والتنظيمية لجلسات المجلس ومخالفة النصوص التي تنظمها في النظام الداخلي ، لكن هذا لايمنع من التدخل اذا ترتب على هذه المخالفات خرق او تعطيل لنصوص الدستور ... والله الموفق .

 

 

 


مشاهدات 31
الكاتب حمد طلال عبد الحميد البدري
أضيف 2025/02/05 - 3:25 PM
آخر تحديث 2025/02/06 - 1:38 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 44 الشهر 2761 الكلي 10398132
الوقت الآن
الخميس 2025/2/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير