الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ومضات ... حول وقف تنفيذ القوانين 

بواسطة azzaman

ومضات ... حول وقف تنفيذ القوانين 

احمد طلال عبد الحميد البدري

 

وقف تنفيذ القوانين هو نظام استثنائي مؤقت وذي طابع استعجالي في اغلب الاحيان يهدف الى وقف نفاذ القانون الصادر من السلطة التشريعية لحين البت بدستورية هذا القانون ، بمعنى اخر هو اجراء تلجأ اليه المحكمة الدستورية المختصة في معرض فصلها بطعن يتعلق بدستوريه قانون صادر من السلطة التشريعية ، وهو نظام معروف على صعيد القضاء الاداري حيث يلجأ القاضي الاداري الى وقف تنفيذ القرار الاداري المطعون فيه لحين البت بمشروعية القرار اذا ماتوفرت بعض الشروط الموضوعية كشرط الجدية والاستعجال او لمنع وقوع اضرار يتعذر ازالة اثارها اذا ماتم الاستمرار في تفيذ القرار الاداري الطعين ، وفي العراق لم يتضمن قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (٣٠) لسنة 2005 المعدل بالقانون رقم (25) لسنة 2021 ، ولا نظامها المرقم (1) لسنة 2022 نصوص تنظم اجراءات وقف تنفيذ القوانين المطعون بعدم دستوريتها والشروط الشكلية والموضوعية لوقف التنفيذ ومدة وقف التنفيذ واثاره ، وانما نصت المادة (39) من نظامها الداخلي على استعارة نظام القضاء المستعجل والاوامر على العرائض (القضاء الولائي) المنصوص عليه في قانون المرافعات المدنية بما يتناسب مع طبيعة عمل المحكمة والدعوى الدستورية حيث نصت المادة المذكورة على ان ( للمحكمة النظر في طلبات القضاء المستعجل والاوامر على العرائض وفقاً للاحكام المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل او اي قانون يحل محله ) ،  وبذلك يكون النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا قد رجع الى قانون المرافعات المدنية باعتباره مرجعاً لكافة قوانين المرافعات والاجراءات بالقدر الذي لايتعارض مع قانون المحكمة وطبيعة عملها كما ورد في المادة (1) من قانون المرافعات المدنية ، وحيث ان قانون المحكمة ونظامها الداخلي لم ينظم اجراءات وقف التنفيذ ، نجد لاضرورة لنص المادة (39) منه لانه نص يفتقر للاثر الموضوعي ويقتصر على الاحالة للقانون العام المرجع في اجراءات المرافعات استناداً للمادة (1) من قانون المرافعات ذاته التي يكفي الاستناد لها للرجوع لقواعد قانون المرافعات حيثما سكت قانون المحكمة او نظامها لمعالجة اجراء اوحالة تقتضي المعالجة ، وهذا مانصت عليه المادة (50) من نظام المحكمة الاتحادية العليا رقم (1) لسنة 2021 حيث جاء فيها ( تطبق احكام قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969المعدل وقانون الاثبات رقم107 لسنة 1979 المعدل ، او اي قانو يحل محلهما ، فيما لم برد فيه نص في هذا النظام ) ، وحيث ان احكام القضاء المستعجل والاوامر على العرائض منظمة في قانون المرافعات نجد ان نص المادة (50) من النظام الداخلي كافياً للاحالة للقانون المذكور وان نص المادة (39) من النظام فيها تكرار ، والتكرار احد عيوب التشريع ، وعوداً على بدء سوف نتناول بعض الومضات المترشحة من الواقع العملي فيما يتعلق بوقف تنفيذ القوانين وكلاتي :

1. من الشروط الموضوعية لوقف تنفيذ القوانين او القرارات هو شرط الاستعجال والجدية ، ومع ذلك نجد ان المحكمة الاتحادية العليا اوقفت تنفيذ القوانين بالاستناد الى المصلحة العامة ، ومن المعلوم ان مصطلح المصلحة العامة واسع لايمكن حصره ، ومنها قرارها بالعدد ( 44/اتحادية /2010) في 12/7/2010 والخاص بالطعن بقانون فك ارتباط دوائر الشؤون الاجتماعية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية رقم (18) لسنة 2010 ، حيث اوقفت المحكمة تنفيذ هذا القانون لحين البت بدستوريته مستندة في ذلك الى اسباب تتعلق بالمصلحة العامة وحمايتها ، وايضاً سلكت ذات الاتجاه في قرارها المرقم (43 /اتحادية / 2010) في 12/7/2010 عندما تم الطعن بدستورية قانون فك ارتباط دوائر وزارة البلديات والاشغال العامة رقم (20) لسنة 2010 ، حيث قررت المحكمة وقف تنفيذ القانون الى نتيجة الحكم الذي سيصدر في الدعوى لاسباب تتعلق بالمصلحة العامة وحمايتها استناداً للمادة (151) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل ، في حين ان المادة المذكورة تنظم اجراءات اصدار الامر الولائي لاستحصال اذن المحكمة المختصه للقيام بتصرف معين .

2. لجأت المحكمة الاتحادية العليا في احكام اخرى الى وقف تنفيذ القانون المطعون بعدم دستوريته لاسباب اخرى غير الجدية والاستعجال او الضرورة او المصلحة العامة ، حيث اعتبرت قيام شبهات قوية على عدم دستورية القانون المطعون فيه سبباً لوقف تنفيذ القانون لحين البت بالطعن الدستوري ، حيث اعتبرت المحكمة استيفاء طلب وقف التنفيذ للاسباب القانونية سبباً لوقف تنفيذ قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018 ، وهذا ماجاء في قرارها بالعدد (140/اتحادية /2018) في 23/7/2018 ، اذا ان مثل هذا التسبيب لقبول وقف تنفيذ القانون فيه مساس باصل الحق لانه يفترض عدم دخول المحكمة بموضوع الدعوى كشرط لوقف التنفيذ ، ناهيك عن خرق مبدأ قرينة الدستورية الذي يفترض دستورية التشريع لحين قيام دليل على عكس ذلك بحكم بات .

3. لم يحدد قانون المحكمة ونظامها الداخلي مدة محددة للطعن بدستورية التشريعات بعد صدورها من قبل الافراد والهيئات العامة والسلطات ، وهذا معناه ان القانون يبقى معرضاً لانتهاك مشروعيته لمدة مفتوحة خلافاً لبعض التشريعات التي ذهبت لتحديد مدد معلومة للطعن بدستورية القوانين وهذا يتناسب مع حالة الاستعجال والضرورة لوقف تنفيذ القوانين ، لان تنفيذ القانون وترتيب اثاره لمدة طويلة ينسف عنصر الاستعجال والضرورة على الاغلب .

4. اتجهت المحكمة الاتحادية العليا الى عدم قبول الاعتراض على الامر الصادر بوقف تنفيذ القانون ممن صدر الامر الولائي ضده او من قبل طالب الامر الولائي في حال رفض طلبه بوقف التنفيذ استناداً للمادة (153) مرافعات ، في حين ان المشرع الالماني اجاز الاعتراض على قرار وقف تنفيذ القانون دون ان يتضمن ذلك اثراً توقيفياً لقرار المحكمة بوقف تنفيذ القانون ، وهذا مانصت عليه المادة (32/ثالثاً) من قانون المحكمة الدستورية الفيدرالية الالمانية لسنة 1951 ، حيث اجازت الاعتراض على الاوامر الوقتية الصادرة عن المحكمة دون ان يكون لهذا الاعتراض اثراً موقفاً لهذه الاوامر المؤقته ، اذ بوسع المحكمة الاتحادية العليا قبول الاعتراض على الاوامر الولائية وتبقى هي صاحبة القرار الاخير ولاسيما ان الامر الولائي لايتمتع بحجية ويمكن العدول او التراجع عنه ، كما  كان حرياً بالمشرع العراق الاخذ بحكم مماثل للحكم الوارد في القانون الالماني ومنح المحكمة الاتحادية العليا سلطة اصيلة مستمدة من قانونها في وقف تنفيذ القوانين المطعون بعدم دستوريتها بموجب طلبات مستقله اوضمن الدعوى الدستورية الاصلية .

5. لم يحدد قانون المحكمة الاتحادية ولانظامها الداخلي مدة محددة لوقف تنفيذ القوانين ، كما لم تسعف هذه الحالة نصوص قانون المرافعات المدنية ، وهذا معناه تعليق القانون الصادر من السلطة التشريعية لاجل غير معلوم قد يطول او يقصر لغاية حسم الدعوى ، وهذا معناه ايضاً استمرار انتهاك مبدأ قرينة دستورية التشريع ، لان وقف التنفيذ نظام استثنائي وقتي لايجوز ان يطبق بصورة مطلقه ، لذا نجد انه من الاجدى لتحقيق التوازن بين مبدأ قرينة الدستورية ومبدأ الفصل بين السلطات من جهة وبين مبدأ الرقابة على دستورية القوانين تحديد فترة لوقف تنفيذ القانون المطعون فيه لمدة محددة بنص تشريعي ، كما فعل المشرع الالماني ، حيث ان للمحكمة الدستورية الفيدرالية الالمانية استناداً لنص المادة (32/سادساً) من قانونها لسنة 1951 ان تصدر اوامر وقتية لوقف تنفيذ القوانين لمدة لا تتجاوز عن (6) اشهر.

6. لوحظ ان هنالك اختلاف في تسبيب قرارات رفض طلبات وقف تنفيذ القانون المطعون بعدم دستوريته ، فممثلا ذهبت المحكمة الاتحادية العليا في قرارها بالعدد ( 2/اتحادية /امر ولائي/2021) في 28/7/2021 الى رفض امراً ولائياً لوقف تنفيذ قانون الى تسبيب مفاده ان وقف التنفيذ يؤدي الى المساس باصل الحق في حين ان من شروط القضاء المستعجل والاوامر على العرائض عدم المساس باصل الحق ، حيث جاء في حيثيات قرارها ( ....ان اصدار الامر الولائي يعني الدخول باصل الحق والبت فيه ويعد بمثابه اعطاء رأي قبل اوانه بمدى دستورية المواد المطعون فيها امام هذه المحكمة ، فان المحكمة الاتحادية العليا تقضي برد طلب وقف تنفيذ المواد المطعون فيها...) ، وهذا القرار يتناقض مع توجهات المحكمة السابقة ، كما لايتوافق مع خصائص القضاء الولائي الذي يتمتع فيه القاضي بدور ايجابي وسلطة تقديرية واسعة في ملائمة اصدار الامر وتقدير صحته فهو قرار وقتي في طلب اذن القاضي باتخاذ اجراء معين ولايمس اصل الحق ، لان القول بخلاف ذلك معناه نسف او نقض كافة الاوامر الولائية الصادرة عن المحكمة الاتحادية العليا بوقف تنفيذ القوانين لانها انطوت على الدخول بموضوع الدعوى والمساس باصل الحق ومن قرارات المحكمة الاتحادية العليا المخالف لقرارها سابق الذكر قرارها بالعدد (97/اتحادية /امر ولائي /2021) في 1/8/2021 الذي جاء فيه ( ... لتوفر صفة الاستعجال في طلب الامر الولائي ولعدم المساس باصل الحق وحيث ان تنفيذ قرار مجلس الوزراء رقم (251) لسنة 2021 في الوقت الحاضر يرتب تغيير في المراكز القانونية للمشمولين به مما يقتضي واستناداًلاحكام المواد (151،152) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل وقف تنفيذ القرار انف الذكر لحين حسم الدعوى ....) .

مما تقدم نلاحظ ان عدم وجود احكام خاصة بوقف تنفيذ القوانين المطعون بعدم دستوريتها ادى الى وجود اختلاف في التطبيق لعدم موافقة نصوص قانون المرافعات طبيعة الدعوى الدستورية ، لذا ندعو المشرع لتنظيم الشروط الشكلية والموضوعية وحالات وقف التنفيذ ومدد وقف التنفيذ والاعتراض على وقف التنفيذ عند تعديل اوسن قانون المحكمة الاتحادية العليا لخصوصية اجراءات وقف تنفيذ القوانين كونها تقف عند حدود حساسة من السلطة التشريعية ومبدأ قرينه الدستورية، ولذلك نجد ان دولاً اخرى مثل مصر لم يعطي تشريعها اختصاص وقف تنفيذ التشريعات للمحكمة الدستورية العليا ...والله الموفق .

 

بغداد 4/1/2025


مشاهدات 388
الكاتب احمد طلال عبد الحميد البدري
أضيف 2025/03/01 - 6:06 AM
آخر تحديث 2025/03/04 - 11:50 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 524 الشهر 2130 الكلي 10463079
الوقت الآن
الأربعاء 2025/3/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير