الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الدولة بين بسط النفوذ الجيوسياسي وتفاقم الأزمات

بواسطة azzaman

الدولة بين بسط النفوذ الجيوسياسي وتفاقم الأزمات

عصام الياسري

 

عندما تفقد الدولة قدرتها على أداء الوظائف الأساسية التي تعتبر جوهرية لوجودها، وتشمل هذه الوظائف عادة، إدارة شؤون الحكم وتنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع، الحفاظ على النظام الداخلي، تقديم الخدمات العامة وضمان الأمن والاستقرار لمواطنيها. لكن، عندما لم تتمكن إلى جانب انهيار المؤسسات الإدارية وعدم الاستقرار الوطني، السياسي والاجتماعي، من توفير تلك المهام، تكون، وفقا لخصائص الدولة الاساسية المتعارف عليها في النظم المدنية، دولة فاشلة.  العراق، بسبب انهيار سيادة القانون وضعف النظام القضائي والقانوني وانعدام الأمن والاستقرار السياسي والمجتمعي وانتشار المحسوبية وتفشي الفساد المقنن والجريمة المنظمة وإختراق الميليشيات المسلحة لمرافق الدولة، أصبح يعاني من عدم القدرة على توفير أبسط الخدمات الأساسية للمجتمع أو الحد من نقص المياه والكهرباء وسوء الرعاية الصحية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانهيار البنى التحتية وغياب المشاركة السياسية الحقيقية وانعدام الشفافية. فيما بلغت دوّامة الصراعات السياسية مدياتها البينية لافراز الأزمات المجتمعية. الأمر الذي غالبا ما أدى إلى عجز الدولة عن بسط نفوذها الجيوسياسي أو حماية مواطنيها وحدودها ومواردها الوطنية، بذلك ساعدت القوى والأحزاب التقليدية الماسكة بالسلطة للسيطرة على المؤسسات العامة واستنزاف قدراتها المعنوية والاقتصادية والبشرية بطرق غير قانونية.  إن انقسام النخب السياسية وتعايشها مع الأزمات، قد أدى إلى غياب التوافق حول القرارات المصيرية، وخلق حالة من الفوضى السياسية وعدم قدرة الحكومات المتعاقبة على تلبية تطلعات الشعب، مما عمق الصراع الداخلي وتدهور الأوضاع واستغلال الجماعات المتطرفة للفجوات الأمنية لإثارة الفتن وأعمال العنف. أيضا، أضعاف الدولة وجعلها عرضة للتدخلات الدولية وعدم القدرة على ضمان المصالح الوطنية وإلى فقدان المواطنين الثقة بها، الأمر الذي زاد من مشاعر الإحباط واليأس...

جماعات فئوية

عندما تكون الحكومات غير قادرة على بسط سيطرتها على الدولة ومحيطها الجيوديمغرافي، يصبح من الممكن، أن تتمرد الأحزاب والجماعات الفئوية على الدولة، مما يفضي ذلك إلى عدم التوازن وبالنهاية إلى صراع على السلطة والنفوذ بطرق غير مشروعة. وعندما تصبح الإدارة المركزية للدولة غير قادرة على ضبط الميكانيكية الاقتصادية سيؤدي إلى انهيار الأسواق المحلية وإلى غياب الاستثمار وإهمال الخدمات العامة وتدهور جودة الحياة. وعندما تكون سلطة الدولة غائبة، فمن الطبيعي، أن تسعى الجماعات المسلحة لملء الفراغ وممارسة التجارة بالمخدرات والأسلحة كوسيلة لتمويل الجهات غير الحكومية التي تتقاسم النفوذ والتأثير الإثني.  إن ازدواجية صنع القرار في العراق وتمركزه بين قوتين متضادتين «الدولة» و»الدولة العميقة»، أدى إلى تآكل ثقة الناس بالمؤسسات الرسمية ودفع بالهروب من البلاد بحثا عن الأمان. وتجلى فشل الديمقراطية والحكم الرشيد وسيادة القانون ودولة المواطنة بمظاهر غياب حكومة مركزية قوية بإستطاعتها الحد من الأزمات وتدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية أو محاربة الجريمة السياسية والفساد الإداري والمالي وتحقيق الشفافية والعدالة الاجتماعية. بيد أن العديد من المكونات، العرقية والدينية والفئات المجتمعية والفكرية والشخصيات الاجتماعية، باتوا، لا يثقون بالعملية السياسية، مما أدى إلى ابتعادهم عن المشاركة السياسية الفعلية بسبب تماهي القوى الماسكة بالسلطة للتفرد بالحكم والهيمنة على صناعة القرار السياسي وتسويف المبادئ الدستورية والقانونية والمصالح الوطنية. وهو أمر، لو لم يحدث، كان من شأنه أن يعزز مكانة الدولة ومقدرتها للتحرر من الضغوط السياسية والأمنية الداخلية والخارجية

ضعف مؤسسات

إذن، الدولة الفاشلة ليست مجرد نتيجة لفشل الحكومة في بسط إراداتها الحصرية، بل هي حالة مركبة تنتج عن ضعف المؤسسات واختراقها من قبل منظومات الفساد وسيطرة الأحزاب، والأهم، التباين الاجتماعي بسبب عدم التوازن والتناقظات السياسية والعقائدية.

فيما الدولة بحاجة إلى كفاءات حرفية نزيهة تمتلك عقيدة وطنية ورؤية استراتيجية متكاملة لمعالجة الأسباب جذريأ والنهوض بالعراق نحو الاستقرار الاقتصادي والتماسك الاجتماعي. السؤال: هل بإمكان القوى المدنية التي تتعارض مواقفها مع سوء إدارة الدولة، مواجهة الفوضى السياسية وإنهاء الأزمات الخطيرة التي يتعرض لها العراق والمجتمع العراقي برمته منذ عقدين من الزمن. فيما تتربع طبقة سياسية طائفية، شيعية سنية كردية، على مقاليد الحكم، ينصب كل همها على المكاسب والامتيازات الفئوية والجهوية. الأسباب التي جعلت العراق ومصالحه الوطنية والجغرافية عرضة للتهديد والابتزاز والعدوان الخارجي، الإقليمي والدولي.  في ظل الأوضاع الداخلية المتأزمة والظروف السياسية والأمنية التي تتعرض لها المنطقة، والعراق بشكل خاص، إلى تهديدات وفرض الإرادات الخارجية، يجب، على أحزاب السلطة وأصحاب القرار في العراق تغيير عقيدتهم السياسية ومغادرة الهرج الطائفي والكسسب السياسي غير المشروع وشعار «أخذناها وما ننطقها بعد؟.» وأن يقتنعوا، بان، سلطة فوضوية، لا يمكن إلا أن تنتج أزمات خطيرة، مواجهتها، تتطلب مرحلة استراتيجية شاملة ومتكاملة تتجاوز ردود الفعل العشوائية بإتجاه خطط مدروسة تعزز الوحدة الوطنية الشرعية وتوظف القوى المجتمعية والسياسية لتحقيق التغيير والإصلاح والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات نزيهة بإشراف دولي لحفظ سيادة العراق وأمن شعبه.

 


مشاهدات 34
الكاتب عصام الياسري
أضيف 2025/02/05 - 3:17 PM
آخر تحديث 2025/02/06 - 2:06 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 45 الشهر 2762 الكلي 10398133
الوقت الآن
الخميس 2025/2/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير