الحرب الجمركية الأولى على الأبواب
كمال فتاح حيدر
اعتدنا على سماع اخبار التوترات بين القوى العظمى، لكنها كانت مختلفة هذه المرة. فقد اعلن ترامب حربه الجمركية على المنتجات الزراعية والصناعية. حرب جديدة لا تشبه الحروب التقليدية، سوف تترك فراغا استهلاكيا ثقيلا لم تدركه الشعوب بعد، سوف تتعطل حركة النقل العابر، وسوف ترتفع الرسوم والضرائب، وتتباطئ قوافل السفن التجارية العملاقة، وتدخل الموانئ المحورية الكبرى في سبات طويل. .
من كان يصدق ان سلاسل التوريد قد تتعرض للشلل التام بسبب قرار ارتجالي طائش ؟. لكنها الحقيقة التي لم تكن البلدان المتقدمة مستعدة لها.
سوف ندرك ان المخاوف الاقتصادية التي سمعنا بها من قبل لم تكن من وحي الخيال وانما هي الواقع الذي لا يمكن إنكاره، اصبح العالم الآن اقرب من اي وقت مضى لمصير مجهول. .
فالحرب العالمية الثالثة سوف تكون جمركية الفيالق، لكنها ربما تعيد العالم إلى نقطة الصفر بسبب احتمالات انهيار الاقتصاد العالمي، فالحرب الجمركية تتسلل في الظل، وتزداد ضراوتها في المعابر الحدودية وفي السواحل. .
فما ان اطلق ترامب تهديداته بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات المكسيك وكندا وكولمبيا، وما ان أطلق تحذيراته الموجهة إلى الاتحاد الأوروبي، بقوله: (ان أوروبا في مرمى النيران أيضا) حتى جاءت ردود أفعال تلك البلدان خارج توقعات ترامب نفسه، فقد عقدوا العزم على تغيير خارطة سلاسل التوريد في البر والبحر والجو. وجاءت ردود افعالهم بالشكل التالي:
قرر رئيس وزراء كندا فرض رسومه الجمركية على البضائع الأمريكية بنسبة 25% أي بقيمة 155 مليار دولار كندي (106 مليار دولار أميركي)، في حين تعهدت المكسيك بالرد. وتعهدت الصين باتخاذ تدابير مضادة ومماثلة للضريبة التي فرضها ترامب بنسبة 10% على المنتجات الصينية، دون الإعلان فورا عن أي رسوم جمركية جديدة. .
لا ريب إن حروب الرسوم الجمركية المتبادلة بين الاقتصادات الكبرى سوف تضيف رياحا معاكسة جديدة إلى آفاق النمو العالمي، وسوف ترهق حسابات الشركات التي تواجه فجأة ضرائب استيراد أعلى من كل التوقعات، وسوف تترك تداعياتها على الأسواق المالية التي لابد ان تتكيف مع تدفقات التجارة الجديدة. .
تجدر الاشارة ان حروبه الجمركية جاءت بموجب قانون الطوارئ الدولية، وجاءت بذريعة مواجهة التهديدات الاستثنائية والهجرة غير الشرعية. سيما ان هذا القانون يمنحه صلاحيات واسعة لفرض عقوبات اقتصادية ومالية في أوقات الأزمات، بما في ذلك روسيا بسبب حربها في أوكرانيا. .
ان الحروب الجمركية التي أعلنها ترامب قد تنهي هيمنة امريكا على الاقتصاد العالمي بمرور الوقت، وهذا ما تؤكده نظرية (قواعد اللعبة) التي تتضمن استراتيجيات قد تلجأ اليها الدول لتحقيق المكاسب عندما تتنافس ضد بعضها البعض، ما يعني التأثير على أطراف متعددة بما يشبه لعبة الشطرنج، وبالتالي فان ترامب في طريقه لتحقيق بعض المكاسب الهامشية في مديات محدودة عن طريق أسلحة الرسوم الجمركية التي أعلنها ضد خصومه، لكنه سوف يخسر الكثير على المدى البعيد، وربما يسفر النزاع عن تفكك الاقتصاد الدولي برمته. ويضعف اقتصاديات الولايات المتحدة. .
الغريب بالأمر ان ترامب لم يقطف ثمار قرارته التجارية السابقة التي اطلقها في سنواته الأربع الأولى لفرض الرسوم على المعادن والسلع الصينية، ومع ذلك عاد مرة اخرى لفرض الحصار الجمركي ضد الجميع، على الرغم من علمه بردود افعالهم المعاكسة. .
أقرب تشابه لتصرفات ترامب كان استخدام الرئيس (ريتشارد نيكسون) لقانون التجارة لعام 1917، لفرض تعريفة أمريكية شاملة بنسبة 10% في عام 1971 لوقف ارتفاع الواردات وسط توازن القوى مع تلك البلدان. وذلك في خضم أزمة المدفوعات بعد سحب الدولار من معيار الذهب. .
وقد أبدى الأمريكيون اعتراضهم على قرارات ترامب، فالناس يريدون أسعارا أقل، وليس أسعارا أعلى، وانهم ليسوا بحاجة إلى ضرائب جديدة لا معنى لها على الواردات من أكبر ثلاثة شركاء تجاريين لأمريكا (كندا والمكسيك والصين). .
حكمة: الطيور الكبيرة تأكل النمل، وعندما تموت فإن النمل يأكلها. . الظروف قد تتغير، فلا تقلل من شأن غيرك فربما تكون قوياً اليوم، ولكن الزمن وحده أقوى من الجميع. .