الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
إيران وإسرائيل من له الكلمة الأخيرة؟

بواسطة azzaman

إيران وإسرائيل من له الكلمة الأخيرة؟

طالب محمد كريم

 

لم يشهد الشرق الأوسط منذ عقود مواجهة صريحة ومكشوفة مثل التي تجري هذه الأيام بين إيران وإسرائيل، إذ خرجت الاشتباكات من حدود الاغتيالات والضربات الخاطفة إلى معركة مفتوحة تستهدف العمق النووي والصاروخي وتضرب العصب المدني وتختبر قدرة الدفاعات الجوية على تحمّل سيل من الباليستيات والطائرات المسيّرة. في قلب هذه المعركة تقف إسرائيل مدفوعة بهاجس تاريخي أن إيران النووية هي التهديد الوجودي الأخطر منذ ولادتها عام 1948، فيما ترى إيران أن بقاءها دولة قوية في قلب خريطة الشرق الأوسط يعني أن لا أحد يفرض عليها سقف تخصيب ولا حدود لصواريخها، وأن الرد على تل أبيب صار واجباً بعدما تجاوزت كل الخطوط. العملية الإسرائيلية التي أطلقت عليها اسم (الأسد الصاعد) استهدفت في ساعات الفجر الأولى قادة كباراً للحرس الثوري ومواقع نطنز وفوردو وأصفهان وحتى مشهد في الشرق الإيراني، وردت طهران برد نوعي ميداني وعلني أطلق مئات الصواريخ دفعة واحدة، في وضح النهار وللمرة الأولى تخترق الدفاعات الطبقية المعروفة باسم القبة الحديدية ومقلاع داود وحيتس. هذا الرد لم يكن هدفه الانتصار الحاسم بقدر ما كان رسالة بقاء وقدرة، فالطرفان يدركان أن أي خطوة نحو رأس النظام في طهران أو تل أبيب قد تقلب المواجهة من حرب محدودة إلى حرب صفرية لا تبقي ولا تذر. لذلك حتى في ذروة الضربات حافظ الطرفان على مساحة للعودة إلى الطاولة إذا لزم الأمر، لكن الدم الذي سال فوق المستشفيات والأحياء السكنية يضع كل هذه الفسحة تحت ضغط الرأي العام المتحمّس داخلياً، ففي إيران لم تسقط الصواريخ على المدارس فعلاً حتى الآن لكن الحكومة تحسّبت من الأسوأ فاتخذت خطوة وقائية استباقية بنقل التعليم إلى الملاجئ والمدارس البديلة تحسباً لوصول القصف إلى عمق المدن. كانت هذه الخطوة رسالة صمود ورسالة تعبئة معاً: حماية الأطفال رمز لصمود الجبهة الداخلية مهما تصاعدت الهجمات على المنشآت النووية والمراكز العسكرية. وفي إسرائيل كان المشهد مقلوباً: الملاجئ فتحت أبوابها اضطراراً لا وقاية، لأن بعض الصواريخ نجحت بالفعل في اختراق الدفاعات وضرب مناطق لم تعرف أصوات الإنذار من قبل. في موازاة النار تحركت القنوات السرية والعلنية، مجلس الأمن اجتمع كالعادة ببيانات روتينية لم تردع طلعة جوية واحدة، بينما أوروبا منقسمة بين داعٍ لضبط النفس وصامت يراقب بحساب مصالح الطاقة والعقوبات. وحدها أمريكا تتكلم بلغة الصمت المدروس، إذ تترك لإسرائيل حرية الحركة بقدر ما تبقي عينها على عدم كسر الخط الأحمر الذي يعني حرباً شاملة قد تجر المنطقة كلها وربما القواعد الأمريكية نفسها. روسيا من جانبها تحاول أن تبدو وسيطاً ثقيلاً لكنها في واقع الحال تمسك بالخيوط فقط لتضمن أنها شريك لا يمكن تجاهله عندما تُعاد صياغة التوازن النووي. دول الخليج تمارس الحذر المرتبك، فهي لا تريد إيران قوية بلا ضوابط ولا إسرائيل منفلتة بلا سقف، فتحركت بعض الدول بدعم استخباري خفي لإسرائيل لضبط بعض المسيّرات، لكنها في العلن تدعو لضبط النفس وتراقب أسعار النفط التي قفزت ثم تراجعت بعد رسائل طمأنة أن الممرات البحرية لم تمس حتى الآن. وبين هذا كله يبقى الناس هم الخاسر الأكبر، دماء مدنيين وضجيج إعلامي يشحن النفوس أكثر من أي صاروخ. وسط هذا الركام يبقى السؤال من يمتلك قدرة إنهاء هذه النار؟ الجواب باختصار واضح: لا أحد يملكها منفرداً سوى الولايات المتحدة، فهي وحدها القادرة على الضغط على تل أبيب لتجميد الضربات وفرض عودة طهران إلى المفاوضات، لكنها حتى الآن تجد في كل هذا التصعيد أداة ضغط مجانية لإجبار إيران على التنازل عن شبح القنبلة التي يعرف الجميع أنها لم تُنجز بعد لكنها تستخدم كفزاعة سياسية واقتصادية. روسيا والصين يمكنهما لعب دور الضامن والمُسهّل، أما الوسطاء الإقليميون فهم رسل نوايا لا أكثر. في النهاية، إذا استمرت النيران من دون سقف تفاوضي حقيقي فإن حرب الاستنزاف ستتحول إلى حرب مدن وحدود دم مفتوحة تتجاوز الخرائط وتطرق أبواب الخليج وشرق المتوسط وتغرق الأسواق في موجات خوف جديدة. ربما تلتئم طاولة مفاوضات مؤقتة هنا أو هناك، لكن التوقيع هذه المرة لن يكون بالحبر وحده بل بظل صور الشهداء والخراب الذي تسجله كاميرات الأخبار كل ساعة. هكذا تبدو الحرب اليوم: محدودة في النية لكنها مرشحة للانفلات، صاخبة عسكرياً لكنها هادئة على طاولة الدبلوماسية، باهظة اقتصادياً لكنها مربحة لبعض اللاعبين الكبار. وحده السؤال بلا إجابة حتى اللحظة: هل تكفي النار لتكتب سلاماً مشروطاً أم تحرق الطريق إليه؟


مشاهدات 121
الكاتب طالب محمد كريم
أضيف 2025/06/17 - 5:46 PM
آخر تحديث 2025/06/18 - 8:45 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 290 الشهر 11560 الكلي 11146214
الوقت الآن
الأربعاء 2025/6/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير