أفقُ بغدادَ يُوقظُ نهرًا من ذهب..!!
شوقي كريم حسن
*هل جرّبتَ
أن تستيقظَ فجراً
وتغسلَ عينيكَ بدمعةِ نجمٍ
تأخَّرَ في وداعِ دجلة؟
هل جُبْتَ دروبَ الرصافَةِ
بينما الديوكُ تخيطُ الضوءَ
بمنقارِها المبلّلِ بالدهشة؟
هل سمعتَ خشخشةَ الأبوابِ الخشبيةِ
تتثاءبُ كشيخٍ يستقبلُ وضوءَ الأزل؟
الشمسُ…
لا تصعدُ فوقَ بغداد،
بل تُدفعُ كدمعةٍ حارّةٍ
من قلبِ النهرِ إلى عنقِ السماء.
تأمّلْ…
القصورُ النائمةُ تتنفسُ ببطءٍ،
كأنها نساءٌ في فراشِ الذكرى،
ترتعشُ من لمسةِ الضوءِ الأولى.
والنوارسُ؟
تبني من صياحِها جسرًا
تعبرُه الأحلامُ العائدة
من عتمةِ الأمس.
بغدادُ،
حينَ يسري عليها الفجرُ،
تخلعُ عباءتَها السوداء
وترتدي ندى الحدائق،
تعقصُ شعرَها بنخلة،
وتُطلقُ تنهيدةَ من عبروا ولم يعودوا…
فهل جربتَ أن تمشي معها،
بقدمٍ حافيةٍ من الشكوى،
وقلبٍ طافحٍ بملحِ الحنين؟
هناك،
في زقاقٍ ضيّقٍ تتدلّى منه شجيراتُ الريحان
كأنّها دموعُ أراملٍ يهمسنَ للنوافذ،
يُفتَحُ أوّلُ مقهى…
كأنّه قلبٌ تشقّه رائحةُ البنِّ الأولى،
مائدةٌ خشبيةٌ واحدة،
وفناجينُ تنتظرُ أصابعَ الزمن.
العمّ جواد،
بعينيه المغسولتين بالصبْر،
يُقَلِّبُ القهوة على نارٍ هادئةٍ
كأنّه يُعيدُ ترتيبَ الذاكرة.
راديو صغير،
يرجُّ صمتَ الفجرِ بموالٍ لداخل حسن،
وطفلٌ يلمّ جرائد الأمس
لينسجَ منها قواربَ تحلمُ بالفرات.
والمقهى؟
معبدٌ لِمَن لم يجدْ مكانًا في صلاةِ الجوامع،
ملاذٌ لمن يكتبُ الرسائلَ
ولا يرسلُها.
يأتي الشعراءُ من ظلالِهم،
والمجانينُ بحقيبةِ القصائد الممزقة،
يجلسون على كراسيّ الحنين،
يرسمون بغدادَ
بأعينٍ لم تعد تثقُ بالخريطة.
يقول أحدهم:
يا قهوةَ بغداد،
كم من أسرارٍ بلعتِها دون أن تنحلَّ في السكر؟
كم من غائبٍ قبَّلكِ قبل أن يرحل؟!!
{ هواجس جنون دونها شوقي كريم حسن)!!