مراكز الشرطة وضياع المعاملات
ليث الصندوق
بالرغم من كل الإجراءات الرقابية والعقابية التي اتخذتها وزارة الداخلية ، وما زالت تتخذها للحد من ظاهرة الفساد داخل أجهزتها ، إلا أن المواطن ما زال يشكو من رسوخ تلك الظاهرة ، وتلبّسها في أكثر من صيغة ، بل واستفحالها بشكل يكاد علنياً مما يعني اطمئنان الفاسدين من انعدام الرقابة عليهم حتى صار البعض منهم يساوم ويبتز المراجعين على مبالغ كبيرة لإنجاز معاملاتهم من دون أن يتحوّط لذلك ، أو يخجل منه .
وإحدى مظاهر تلك المساومات هو إخفاء الموظفين الفاسدين المراسلات الرسمية المتضمنة لمعاملات المواطنين في أدراج مكاتبهم ، ولدى مراجعة المواطنين لاستلام وإكمال متطلبات تلك المعاملات يدّعي أولئك الموظفون ضياعها ، وأن إعداد وتنظيم معاملات جديدة يوجب على أصحاب المعاملات الضائعة أن يدفعوا من تحت الغطاء الرسمي مبالغ مالية دسمة .
ونزولاً عند هذا الإدعاء المفضوح يضطر المراجعون لدفع الرشوة وهم على علم بأنهم وقعوا ضحية عملية فساد إن لم يخضعوا لشروطها فإنهم سيبقون يدورون تائهين في أروقة الدوائر ، وفي مراكز الشرطة منتقلين من غرفة إلى أخرى ومن موظف إلى آخر من دون العثور على مخرج لهذه المتاهة التي لا تخلو منها دائرة رسمية ، وقد يظهر لهم في كل مرحلة من مراحل التيه أكثر من فاسد يطالبهم بالإكرامية ، وهي التسمية المهذبة لمسمّى غير مهذب .
لقد تكررت ظاهرة إضاعة معاملات المواطنين في مراكز الشرطة حتى أصبحت بعض تلك المراكز أشبه بالثقوب السوداء ، لا تدخلها معاملة حتى تضيع ، ثم يضطر أصحابها المتعبون من المراجعات المذلّة لدفع المقسوم إلى من لا يستحقه من أجل استرجاعها . والسؤال الذي تثيره هذه القضية ( فيما لو كانت هناك قضية فعلاً ، أي فيما لو كانت المعاملات قد ضاعت بالفعل ) هو : هل ان المواطن هو المسؤول عن اهمال الموظفين وإضاعتهم للمعاملات ؟ أم ان الموظف الذي ائتمنته الدولة على معاملات المواطنين هو المسؤول عن إضاعتها ؟ ، ولماذا لا يُعاقب الموظف المهمل عن إضاعته لمعاملات المواطنين بدل أن يتقاضى عنها الإكرامية المدنسة ؟ والسؤال الأهم من السؤالين السابقين هو إلى متى يستمر البعض من العاملين في هذه الأجهزة المهمة من الإساءة لسمعتها ؟