الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عن البزاز بإنطلاق (الشرقية)
أحمد عبد المجيد

بواسطة azzaman

عن البزاز بإنطلاق (الشرقية)

أحمد عبد المجيد

 

تعلمت من الأستاذ سعد البزاز أموراً لا تحصى، واتخذته في الاوقات الصعبة أسوة، وأقتديت بأخلاقه وسلوكياته وتعاملاته، ازاء مختلف الأوساط، وادركت انه شخصية ملهمة، لكني اعترف للمرة الالف، بعجزي المطلق، عن مسايرة اسلوبه في تكريم الناس واحترام مطالبهم، ولاسيما الفقراء منهم. انه يمنحهم الحب وما رأيت بخيلاً يمنح حبه لأحد (فالحب دائماً ينبت من اكف الكرماء) بحسب شمس الدين التبريزي.

البزاز علامة فارقة، يعترف بانجازاته النوعية العدو قبل الصديق، برغم ايماني بان البزاز لا يدع احداً يعاديه، وهو لا يحمل الضغينة لأحد، لانه باختصار يتسامى على الصغائر ويحلق دائماً في سماء المثل العليا.

 أما الاصوات أو الافراد الذين يحاولون التنكر له أو لدوره الوطني والمهني البارز، فهم في واقع الحال يغبطوه، وما يصدر عنهم نحوه، لا يعدو التمني بان يكونوا بمستواه او اقل منه، لكن ردود افعالهم تخونهم، فيتقمصون دور الاعداء، الذين يرغمون على وسم مشروعه المهني بالعمل السياسي. لقد اعجبتني فيه قدرته على جعل هؤلاء يجترون خيباتهم، فيما هو يحلق في اعالي المعرفة.

منذ ان حالفني الحظ وتعرفت الى الاستاذ سعد، قبل ما يزيد على اربعين عاماً، وأنا اكتشف فيه، كل يوم، طرازاً خاصاً، من الذكاء والحصافة الاجتماعية التي يندر ان اجدها في سلوك غيره، فهو مزيج من الطيبة والسجية الكريمة والقدرة على التحدي والمهارة في الوقوف بوجه أعتى الرياح. فقد رافقته في مراحل حرجة من رحلته الاعلامية وكفاحه الشخصي، فلم اكتشف فيه ضعفاً أو تهاوناً او تردداً في قول كلمة الحق، ولو كان على نفسه. هو طود شامخ، بكل ما تعنيه المفردة من معنى، سواء وقف أمام ملك أو رئيس دولة أو زعيم سياسي. هو دائماً يرى ذاته أعلى من كل هذه العناوين، منطلقاً من ايمان راسخ، بأن الله خلق الناس احراراً، وان كل تلك المسميات التي اتاحت لها المصادفات، ان تتسلق مناصبها وتتصرف دون ضوابط أو كوابح اخلاقية ودستورية، ذاهبة الى زوال. وقبل أيام قلت هذا، لصديق ناشط على منصات التواصل الاجتماعي، عندما حشر اسم البزاز في قضية خلافية. (باق واعمار الطغاة قصار).

كان البزاز يتعامل مع منطق الصدفة أو الطوارئ، الذي قاد زمر المفرقين السياسيين والمزايدين الطائفيين والامعات الى سدة الحكم، تعامل رجل حكيم مبتسم، يدرك جدلية الزوال والازاحة، فما يمنح صوابية الفكر الخلاق الذي يحمله البزاز، حقيقة قالها ابن رشد قبل قرون، ان اي فكر يجب ان يخضع لقداسة المنطق وليس منطق القداسة. وسيأتي يوم يدرك المؤرخون ان البزاز طور منهجاً واختط طريقاً وسار في دروب تراجع عن المضي بها مدّعون ومضللون ومقرّبون الى هذه الفئة أو تلك او محابون لهذه القومية أو تلك.

ولا أدري كيف تبلور لدي الاعتقاد بان البزاز اكبر خبير في قراءة نوايا الاشخاص وتصريف الرجال، ربما تنطوي شخصيته على ما نسميه بالحاسة السادسة أو الفراسة، وربما منحه الله هبة عجيبة تتمثل بالصدق المطلق والحب المطلق والامتثال المطلق لحركة التاريخ .. فهذا الأخير يسير الى امام واي محاولة للنظر اليه كثابت راسخ أو متحول قابل للعودة او التكرار، محكومة بالفشل.. البزاز ينظر الى المستقبل وعيناه مصوّبة الى ما يليه، اي يلي هذا المستقبل، بكل فتوحاته ومعطياته وتحولاته، ولهذا لم اصادف الاستاذ سعد البزاز متراجعاً أو تائهاً. ويستحضرني في ذلك قول امين معلوف في سؤاله عن التيه، ما نصه (تعرف انك تائه عتدما تقف في بلادك وعيناك ترنو الى بلاد آخرى. أو عندما تقف في بلاد لم تنشأ فيها وعيناك ترنو الى بلادك، او عندما تبقى في بلادك وعيناك على مستقبل تراه مستحيلاً، أو عندما تبقى في بلادك وعيناك على ماض لن يعود أبداً). لقد لخص الاستاذ البزاز هذه (المعلوفيات)، في جرأة اعلامية غير مسبوقة باطلاق قناة (الشرقية)، وتقديمه تعهدات ما زالت ثابتة ومؤكدة، بشأن هويتها. قبل عقدين من الزمان تعهد بأن تكون وسيلة وطنية جامعة ومنبراً حراً لا يفرّق، ومؤسسة تحتضن الكفاءات وتستوعب التنوع، وتتقدم لكي تترك بصمة عراقية في فضاء اعلامي عربي ودولي حاشد ومتنافس ومتناقض. كما لخص البزاز بكل ثقة أو بثقة لم نجدها لدى احزاب وجمعيات ومنظمات و مسميات وتابعيات وغيرها، فلسفة اعلامية تحقق النجاحات دون هوادة أو انكفاء. وصدق في القول ان (الشرقية) هي الأولى وستبقى الأولى .. نعم الأولى في تحسس نبض الحياة ومجاراة طموحات وهموم الشارع العراقي والنأي بالمسؤولية المهنية عن التبعية وهضم حقوق الآخر.

كان البزاز وسيظل بالنسبة لي، قدوة حسنة ومثابة بركة وعنوان صداقة راسخة وسليل اخوة فذة. ولمست في مواقفه، مع تبدل الأحوال وتقلب الأهوال، ترجمة دقيقة لكل معانـــــي الوفاء والدفــــاع عن الحـرية واحترام الــــــــرأي، والتجــــدد على وفق قول احد الحكماء (الزمــــــان مكــــان ســــائل والمكان زمــان متجمد).


مشاهدات 405
الكاتب أحمد عبد المجيد
أضيف 2024/03/24 - 10:32 PM
آخر تحديث 2024/07/05 - 6:46 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 332 الشهر 2024 الكلي 9364096
الوقت الآن
الجمعة 2024/7/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير