الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عن مؤامرة مزعومة لإغتيال المهداوي

بواسطة azzaman

أذن وعين

عن مؤامرة مزعومة لإغتيال المهداوي

عبد اللطيف السعدون

ربما لايزال البعض من أبناء جيل ستينيات القرن الراحل يتذكر كيف سرت شائعة في بغداد صيف عام 1959 عن مؤامرة من قبل بعض العناصر القومية تهدف لاغتيال العقيد فاضل عباس المهداوي رئيس محكمة الشعب آنذاك، ومعه شخصيات سياسية أخرى، وقد انتظر الناس محاكمة المتهمين بتدبير تلك المؤامرة أمام محكمة الشعب نفسها، لكن ذلك لم يحدث لسبب بسيط هي أنه لا توجد مؤامرة أصلا، وأن الأمر كان مجرد تصريح للمهداوي نشر في صحيفة «الرأي العام» التي كان يصدرها آنذاك الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري.

    والحكاية، باعتباري أحد شهودها، هي أنني مع زميلي في الاعدادية المركزية، بديع عارف (المحامي فيما بعد)، اعتدنا، وبعض الأصدقاء اللقاء في منزل أسرته الذي يقع في الزقاق الضيق المجاور لمبنى محكمة الشعب، وفي إحدى سهراتنا في الغرفة الصغيرة المبنية في سطح المنزل والتي فيها كوة صغيرة مطلة على باحة المحكمة، وكان معنا صديقان آخران، يبدو أن حواراتنا وأصواتنا العالية في هدأة الليل استفزت حراس المحكمة الذين، على ما يبدو، ابلغوا الشرطة بذلك.

وفي ساعة متأخرة من الليل اقتحم علينا السهرة ثلة من رجال الشرطة، واقتادونا الى مركز شرطة السراي، واودعونا التوقيف دون أن نعرف السبب الذي دعاهم الى ذلك، وفي اليوم التالي تم عرضنا على حاكم التحقيق الذي أمر باستمرار توقيفنا لعدة أيام، وقيل لنا اننا متهمون بعقد اجتماع حزبي معادي على خلفية علاقتنا بحزب البعث.

وجدنا أن هذه التهمة قد تودي بنا الى مخاطر ولذلك بادرنا بالاتصال بأسرنا لتوكيل أحد المحامين، وبالفعل تم توكيل المحامي ضياء شكارة، ديمقراطي يساري، وصاحب امتياز جريدة «السياسي الجديد»، وقد راجعنا ليعلمنا أنه اطلع على أوراق القضية، وأنه سوف يبذل جهده لحسمها لصالحنا، ولم يقبض منا فلسا واحدا، كما راجعتنا المحامية راسمة زينل، وأبلغتنا أنها تمثل لجنة معاونة العدالة في نقابة المحامين للدفاع عنا من دون مقابل، ولم تنس ان تبلغنا أن النقابة التي كان يسيطر عليها الشيوعيون هدفها هو الدفاع عن الحق والعدل، وهي لا تفرق في بحثها عن العدالة بين اتجاه سياسي وآخر.

وبعد بضعة أيام فوجئنا بتصريح للعقيد المهداوي رئيس محكمة الشعب أدلى به للصحفي وائل السعيدي، ونشرته صحيفة «الرأي العام» على صفحتها الأولى، وجاء فيه أنه تم القاء القبض على خلية من عناصر معادية للجمهورية، وهم يخططون للتآمر، واغتيال رئيس محكمة الشعب، وشخصيات سياسية أخرى، وأنهم سيحالون الى المحكمة لينالوا جزاءهم العادل!

لقاءات سابقة

عندها شعرنا أننا أمام مفصل خطير جعلنا نتصل بمرافق المهداوي رئيس محكمة الشعب الملازم طارق اسماعيل (لاحقا استاذ العلوم السياسية في جامعة كالجري بكندا) وكنا قد تعرفنا اليه من خلال لقاءاتنا سابقا في المقهى القريب من مبنى محمة الشعب، وأوضحنا له براءتنا، وأننا كنا في جلسة سمر، وليس بيننا من فكر أو يفكر بأمر كالذي اتهمنا به. وقد وعدنا ببذل جهوده مع رئيس المحكمة، وتوضيح الأمر له

ومرت ثلاثة أسابيع، كانت دهرا طويلا، قبل أن تتم إحالتنا الى الهيئة التحقيقية الخاصة في وزارة الدفاع برئاسة المستشار القانوني محسن ناجي، وعضوية عسكريين اثنين، وهي الهيئة التي تحقق في القضايا التي تخص امن الجمهورية، وتم التحقيق معنا على مدى ثلاثة أيام، جرى خلالها أخذ افاداتنا واحدا واحدا، وعلى انفراد، وتضمنت الأسئلة كل ما يتعلق يواقعة القاء القبض علينا، والغرض من تواجدنا ليلا، وهل لنا علاقة بحزب أو جهة أو اشخاص آخرين.

واشهد للتاريخ أن تعامل المحققين معنا كان منطلقا من هدف الوصول الى الحقيقة، ولم نتعرض للضغط او محاولة لفرض اعترافات معينة علينا، وفي النهاية لم تجد الهيئة ما يبرر احالتنا للمحكمة لفرض عقوبة علينا، وقرر ت إطلاق سراحنا لعدم كفاية الأدلة.

وهكذا انتهت حكاية المؤامرة المزعومة التي قيل ان هدفها اغتيال رئيس محمة الشعب، وتبددت الشائعات التي كانت قد ترددت في الاوساط الشعبية في ذلك الوقت، ومع ذلك ظل ذكر هذه «المؤامرة» لدى بعض من كتب لاحقا عن وقائع تلك المرحلة المهمة من تاريخ العراق من دون ان يسعى لكشف حقيقة ما حدث.


مشاهدات 196
الكاتب عبد اللطيف السعدون
أضيف 2024/06/29 - 12:26 AM
آخر تحديث 2024/06/30 - 2:41 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 269 الشهر 11393 الكلي 9361930
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير