الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المستقبليات .. رؤية في عالم متغيّر

بواسطة azzaman

المستقبليات .. رؤية في عالم متغيّر

 

رياض محمد كاظم

 

سعت العلوم الفلسفية منذ بواكير نشأتها الى  التقصي والبحث لإبراز القيم العلمية والإنسانية  والاجتماعية والتحديات  التي تواجهها .. والذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع انني كنت في جلسة حوارية مع نخب ثقافية وفكرية  مغاربية  وعربية  من  خلال  منصة zoom   الالكترونية  كان  موضوعها  ( الدراسات المستقبلية وكيفية توظيفها اجتماعياً واقتصادياً وإعلامياً ) تباينت واتفقت الاراء في بعض الجوانب ..ولأهمية  هذا الموضوع وددت التوضيح .

ان الغرض الاساسي من دراسة المستقبل هو ( التنبؤ أ والتوقع ) بأحداث الغد والاستعداد لها والتأثير فيها بحكم ان العالم اليوم تتسارع فيه الاختراعات العلمية والفكرية والنظرية الأمر الذي يتطلب المواكبة المستمرة والدراسة الدقيقة لما يحدث في المستقبل القريب والبعيد  .

والدراسات المستقبلية تعد فلسفة وعلم في ان واحد ، فلسفة لأنها تطرح أدوات فكرية جديدة بأساليب متنوعة ومتعددة منها حسية مرفقة  بأفكار عامة ، ولنا في دراسات الماركسية واللبرالية والبراغماتية  خير مثال في ذلك ، وهي علم لأنها تستعمل الاساليب العلمية الرياضيات والإحصاءات وغيرها من العلوم الاخرى .

لذلك حرصت أغلب الدول  لدراسة المستقبل لإيمانها المطلق بضرورة مواكبة عصر المعلومات أو عصر ما بعد الحداثة لتحقيق التقدم والتطور المنشود الذي تسعى اليه في المجالات كافة ، فضلاً عن ذلك أصبح استشراف المستقبل عامل مهم شغل بال الكثير من المؤسسات و المنظمات الدولية ومراكز الابحاث والجامعات والدراسات العلمية .

لهذا فا لدراسات المستقبلية هي ليست مجرد آراء أو تكهنات وإنما هي أفكار علمية يقدمها الباحثون بإتباع المناهج العلمية الدقيقة والحديثة ذات الصلة بالواقع ركائزها الأساسية الأساليب والفروض العلمية المختلفة .

علوم انسانية

من هنا يمكننا القول أن دراسة المستقبليات في سائر العلوم الإنسانية  ومنها الإعلام  تعلمنا كيفية التوافق مع المستقبل والتكيف مع متغيراته التي تواجه الافراد والمجتمعات والمؤسسات على حد سواء ، بالمقابل يتوجب علينا أن لا نستسلم للقول الشائع أو الاسطورة الشائعة  بان ( المستقبل مجهول تماماً ) اما الصعاب يجب أن تحفزنا وتخلق صورة  من التحدي لكي لأتصاب عقولنا بالشلل العلمي والمعرفي ، وكما قال عالم المستقبليات الشهير ( الفن توفلر ) أن المستقبل هو أرض مجهولة يتطلب اكتشافها ومن الافضل أن يكون بين أيدينا خريطة معرفية تسمح بالتعديل والتغيير كلما دعت الحاجة بدلاً من أن لا يكون بين أيدينا اي شيء ،

 لذا يمكن القول أن المستقبل بمجالاته المتعددة  علمياً ومعرفياً قابل للدراسة  والتغيير  وليس مغلقاً أمام محاولات  الباحثين والدارسين ولابد لنا من التذكير ايضاً إلى أن الدراسات المستقبلية أرتبط ظهورها بالحركة الفنية  وتحديداً في ايطاليا عام 1910  وولادة مدرسة من الرسامين والفنانين  والشعراء  والنحات  الذين وصفوا انفسهم ( مستقبليون ) وقد عارض البعض هذه الفكرة ووصفوهم بأنهم فوضويون يحاولون الخروج عن المألوف والذوق العام والقيم الاجتماعية .

فا المستقبليات في عالم  اليوم سواء كانت في الإعلام أو الفنون أو غيرها من العلوم الاخرى تمثل ترجمة فعلية لتطور قوانين الطبيعة  والحياة تمتد جذورها من البـــــيئة والمناخ مروراً با النظريـــــات والتقنيات العلمية  والكتابات والبرامج  والصور  والرسوم وسعت إلى نقل الانسان من عالم الى عالم اخر سمته التغير والتطور  في المجالات كافة ،

شهدت حقبة الستينيات  من القرن الماضي ازدهاراً كبيراً  في الدراسات المستقبلية عندما أجتمع عدد من الصحفيين  وكان ( الفن توفلر ) واحداً منهم لإيجاد  خطوات علمية منهجية ممزوجة بمضامين التغيير وعلى المدى الطويل وكان لكل واحد من هذه المجموعة طريقته في العمل ، ففي النمسا  وألمانيا أطلق الصحفي ( روبرت يونك ) حملة لأ نسنة المستقبل عالمياً ، أما فرنسا فقد أنشأ ( غاستون بيرجي ) مجلة مستقبلية سماها ( استقبالية  ) في حين افتتح المركز الدولي الاوربي للمستقبل المنظور عام 1975  ، ثم بعد ذلك تأسس في فرنسا نادياً لرواد المستقبل .

أشكال التصور المستقبلي :

بحكم التطور الذي شهده العالم في الميادين كافة ، يمكننا ان نحدد اشكال التصور المستقبلي في  الاتي .

1 – اشخاص يعتمدون طريقة الاستقراء  العلمي في معرفة ماذا يحدث في المستقبل القريب والبعيد وخاصة في مجال التكنولوجيا بكل اطيافها ، والطاقة

ومصادرها ، والطبيعة وظروفها ، والاقتصاد نموه وتطوره وتنوعه ...الخ ، وهؤلاء يشخصون ويحددون الاتجاهات التي تظهر  في عالم اليوم ، وهناك من يرى ان هذه الطريقة مشكوك بها وغير علمية ومنهم ( توفلر ) الذي يؤكد ان الطريقة الاستقرائية تحقق اهدافها فقط في الحالات المستقرة   وخصوصاً في علوم الطبيعة وظواهرها ، اما في مرحلة التطورات العلمية المعروفة اليوم لايمكن الركون للحاضر فقط  لمعرفة المستقبل بل لايجوز التعميم في معرفة وتشخيص الظواهر والحالات .

2 – آخرون يعتمدون اسلوب كتابة السيناريو وهو وصف تفصيلي مكتوب للمستقبل ، وغالبا مايكون السيناريو مندمجاً في حالات كثيرة مع المستقبل ويمكن للخيال ان يصل اليه .

3 – البعض يستعين بالإحصاء والنماذج المنهجية والنظم الالية في حين يرى اخرون ومنهم ( توفلر ) في دراسته للمستقبل يجب عدم الثقة بهذه النتائج وما تتمخض عنها تماماً ، مقابل ذلك يرى اخرون ايضاً بأن هذه الطريقة بتقنياتها الفنية تعطي مؤشرات عالية من المصداقية وتكشف عن روابط كانت غير واضحة وبالتالي تضعنا امام تصورات ممكنة في المستقبل رغم ان الارقام والإحصاءات قد تكون خادعة في بعض الاحيان .

 لذلك ووفق هذه المعطيات ولكي تكون هناك منهجية وصياغة علمية للمستقبل لابد من وجود ادوات فكرية ونظريات جديدة قادرة على شرح وتفسير الحياة الاجتماعية والسياسية ، فضلاً عن ذلك ورغم اهمية  الارقام  ودلالاتها  في التأكيد  او التشويش فأن ( التنبؤ ، الفطنة ، الحدس ) ضرورة جوهرية لكل مشروع مستقبلي .

ثورات الصناعة المستقبلية :

يسمي البعض الثورة الصناعية الحالية ب الثورة الصناعية الثانية وهي استمرار للثورة الصناعية الاولى التي استمرت ما يقارب ثلاثة قرون ، فالاكتشافات في علوم الرياضيات والفيزياء والكيمياء وبقية العلوم الاخرى قدمت الاساس للانشطار النووي وتأسيس الصناعة الذرية التي وضعت العالم على فوهة بركان ، وبعد ذلك تمكنت من اختراع الحاسبات الالكترونية ، اما اكتشاف الكيمياء فقد وضعت الاساس العلمي لتكنولوجيا الانتاج والتي ادت الى اقامة صناعات جديدة في حين كان لاكتشاف علم الاحياء دور كبير في مجالات الزراعة والطب .

والثورة الصناعية اليوم كما سماها البعض بحضارة الموجة الثالثة امتلكت تكنولوجيا جديدة ذات تقنية عالية بالطاقة ، كان لقطاع الاعلام والاتصالات النصيب الاكبر في استثمارها  عن طريق صناعة الالكترونيات وتوظيفها في مجالات عدة  ( الأمن والاقتصاد ، والطاقة ، والصحة ، والثقافة ، والتعليم ، والسياحة وغيرها ) .

انظمة خاصة

ودخل عالم اليوم ثورة علمية جديدة اخرى ترتبط بمعالجة المعلومات والآلات المبرمجة عبر انظمة خاصة ( الكترونيات ، كومبيوترات ، تكنولوجيا الفضاء ، الاعلام الرقمي )  عابرة للقارات وللقوميات حتى اصبحنا في قرية عالمية صغيرة مغلقة كما قال مارشال ماكلوهان.

من هنا يمكننا القول ان المعرفة الانسانية  تتضاعف  وتزداد  كماً  ونوعاً  كل ( ساعة  ويوم وأسبوع وشهر وسنة )  بحكم الاندماج المتكامل  بين  قطاع الاتصالات وتقنيات الحاسبات التي ادت الى صناعة تكنولوجيا المعلومات فبرزت نظم جديدة تمتلك قدرات هائلة في التخزين والمعالجة حتى اصبحنا بين حين وأخر نرى جيل جديد من صناعة الالكترونيات والمعلومات شكلت مورداً اقتصادياً  هاماً ، وأداة مهمة بيد صناع القرار  والباحثين  وجميع فئات المجتمع ، ولايمكن الاستغناء عنها  .

 وبرع فطاع الاتصالات والإعلام الرقمي في استثمار هذه الصناعة خير استثمار من خلال تطبيقاته  المتعددة  في الترويج والدعاية لمنتج معين  ، او تحديد الانطلاق للوصول الى شخص معين  ، او الحصول على وثائق عبر الحكومة الالكترونية  وغيرها من الامور .

بعد ذلك برز استخدام هذه الانظمة  في مجال الامن السيبراني وصناعة الطائرات المسيرة التي  مكنت الدول من تحقيق اهدافها العسكرية والسياسية والاقتصادية بكل يسر وسهولة  ، وبعدها برزت صناعة الربورتات الآلية أو الأنسان الآلي والتي ساهمت في تقليص النفقات للشركات والمؤسسات من خلال الاستغناء عن الايدي العاملة وتقليصها في العمل .

وبفعل هذا التطور بدأت اساليب جديدة في العمل حتى وصل الامر الى اعتراف بعض الدول ومنها اليابان الى ان مصانعها أصبحت قديمة وقد  انتهى عهدها ويجب التخلص منها لمواكبة ستراتيجية جديدة للمستقبل .

لذا فان التكيف مع المتغيرات المستقبلية امر لابد منه يتطلب منا تعميق الفهم والإدراك في كيفية التجاوب معها بالشكل الذي يخدم الدولة ومؤسساتها والمجتمع وأطيافه .

خلاصة القول ان المستقبليات  بعلومها  وتقنياتها  تسير اليوم بخطى علمية معرفية متسارعة  يجب الاستعداد لها وفهما وإدراكها والتنبيه لها ولمخاطرها لكي لاتشكل صدمة مستقبلية للأمم والشعوب والدول والمؤسسات على حد سواء .


مشاهدات 37
الكاتب رياض محمد كاظم
أضيف 2024/07/05 - 10:52 PM
آخر تحديث 2024/07/06 - 1:09 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 30 الشهر 2069 الكلي 9364141
الوقت الآن
السبت 2024/7/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير