النبش في التاريخ .. الحقيقة التي يكرهونها
راجي العوادي
بعض الاخوة الاعزاء اعترضوا على تغريدات عرضتها في صفحتي الشخصية وهي بالاصل مستلة من مقالات نشرتها في موقع كتابات عن احداث تاريخية لشخصيات اسلامية... من حق هؤلاء الافاضل ان يسالوا لماذا النبش في تاريخ مضى عليه 1400 سنة , وهل نحاكم المجني ونعيد الاعتبار للضحية ؟! وانا من حقي ان اجيبهم : ان دراسة التاريخ تسلط الضوء على اشخاص لهم وصمة في تاريخنا , يفترض بنا اما الاقتداء بهم او نبذ سيرتهم , لذا الاطلاع على الحوادث التاريخية تضعنا في موقعنا الحالي في خط الزمن ورغم هذا او ذاك تبقى الاحداث التاريخية الذي يعجبنا او لا يعجبنا منها ما هي الا الحقيقية التي نعيشها اليوم بخيرها وشرها وانكار الخوض فيها هو هروب من مواجهة الحقيقية وكشفها ومعرفتها , بنفس الوقت انكار الخوض في المبحث التاريخي هو الاخر نتيجة تاريخية ,
فانا انطلقت لعرض احداث في التاريخ بمنهج بحثي معرفي ليس لارضاء او تجاوز على طائفة او شخص , فقد اعتدت ان يكون مذهبي المعرفة العلمية عندما اعد مقالا للنشر , اما مذهبي وفق تعبدي فقهيا فهذا شأني الخاص مع ربي , وعلى العموم فانني استرشد اولا بنبش الماضي للقران الكريم الذي اكثر من ثلثه مبحث تاريخي عرض فيه سير الاولين والامم السابقة جماعة وافرادا , صالحهم وطالحهم ( أن الأخطاء والمظالم والجرائم يجب دراستها بموضوعية ومعرفة أسبابها فالدراسة تفيد الأمة أكثر مما تفيدها التغني بالأمجاد , لن تحيا أمة تعبد سلفها وتاريخها؛ بل ستحيا الأمة التي تدرس الأخطاء والمظالم كما تدرس الإيجابيات وفترات العدل والوعي التاريخي )
البعض يدلس فلا يريد الخوض في التاريخ لانه يخشى كشف الحقيقية ويسعى للتستر على احداثه ومثل هؤلاء يكرهون الصدق ولا يحبون الوضوح ويتبعون الوهم والاكاذيب والتضليل ولا يعرفون مكانا للعدل فيسياوون بين الجزار والضحية , كالذي يقول قتل سيدنا الحسين بسيف سيدنا يزيد , فالقاتل والمقتول في مكان وميزان واحد برايهم ومن يوضح لهم ضلالهم يواجهوه هؤلاء السلف مضوا ولا فائدة في الخوض بسيرتهم , انهم لايريدوا سماع الحقيقية التي يعرفوها في قرارة انفسهم فهم يكرهوها اشد الكره وبالتالي يكرهون الحق والعدل .
واخيرا يبقى السؤال الاهم لماذا نكره الحقيقة؟! لماذا نحن العرب بالذات نصدق الزيف و نتفاعل بصورة استثنائية مع التشكيك في الحقائق، فغالبا ما نمجد المواقف الهلامية المهزومة او الفراغية، والاغلب اننا ننسف المواقف المشرفة الممهورة بانتصارات واقعية عظيمة؟!
إن الحقيقة يجب أن تقال وتُعلن وليس فقط أن تُعلَم؛ رغم انها غالباً ما تكون جارحة بالنسبة إلى سامعها كما بالنسبة إلى قائلها, ولكن كون الحقيقة جارحة ومضرة , هل يستدعي أن يكون سبباً كافياً كي لا تُقال أبداً؟ولكن الحياة الغنية بالتجارب عبر التاريخ علّمتنا أن الشر قد يكون أحياناً خادماً للخير، كما أن الألم قد يكون وسيلة للشفاء.
□ باحث اكاديمي وكاتب