الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شاذل طاقة.. حارس الضّوء في ممّرات الشعر الحديث

بواسطة azzaman

كواليس إستذّكار خمسين عاماً من الخلود الأدبي

شاذل طاقة.. حارس الضّوء في ممّرات الشعر الحديث

الموصل - هدير الجبوري

قبل عام، وتحديداً قبل نهاية ايلول من عام 2024، كنت في حالة حداد،  اذ لم يمض سوى ثلاثة اشهر على رحيل اخي الاكبر، ومنقطعة عن التواصل الاعلامي والصحفي والاجتماعي ...لكن احياناً لطف الله بنا ومواساته تأتي حين يسخر لنا عملاً ، او شخصاً ما، يأخذنا الى زاوية بعيدة تخرجنا ولو مؤقتاً من احزاننا. وهذا ما حدث معي في ذلك التاريخ، عندما تم تكليفي ممثلة عن جريدة (الزمان) واتحاد الادباء في نينوى، لمتابعة وتنظيم الاحتفاء بذكرى شاعر من رواد الشعر الحر في العراق والعالم العربي، هو الشاعر الكبير شاذل طاقة رحمه الله، الذي توافقت ذكرى رحيله الخمسين في يوم 20 تشرين الاول 2024، اذ توفي عام 1974.

ولا احد يتصور مقدار السعادة والفخر اللذين غمراني حينها حين كُلفت بهذه المهمة. لم تكن تلك مجرد مهمة مهنية بالنسبة لي، بل كانت نافذة من نور وسط ظلمة الحزن الذي كنت أعيشه وشعرت بفخر وسعادة غامرة، فأنا التي عندما كنت طفلة وأسمع باسم شاذل طاقة أرتجف من أسمه الكبير، ولم أكن أتصور أن يأتي يوم أكون فيه جزءاً من حدث يحتفي به. ومن تلك اللحظة، عقدت العزم على أن أُنجز هذه الندوة بكل ما أملك من شغف وصدق ووفاء. بدأت رحلتي وحيدة، لكنني لم أبقَ كذلك طويلاً؛ فقد مدّ لي أدباء نينوى الأجلّاء أيديهم بمحبة ورفعة، كان سعد محمد، رئيس الاتحاد ، أول الداعمين بصمته وثقته، لا يتدخل في التفاصيل لكنه يمنحك شعوراً أنك تمضي في الطريق الصحيح. ثم انضمّ إليّ كل من الادباء فارس رحاوي، أحمد جارالله ياسين، محمد جبارة، وفهد أسعد، الذين أغنوا التحضيرات بالبحوث التي أعدوها للمناسبة والنصوص الشعرية التي تناولت الشاعر الرائد. وكان فارس رحاوي أول المبادرين إلى إعداد كتاب خاص عن شاذل طاقة، يتضمن سيرته ومختارات من شعره  ... كنت اتنقل يومياً بين المكاتب والمطابع، أرتّب وأشرف على كل التفاصيل بنفسي. اخترت مطبعة ماشكي التي يديرها الشاعر عبد المنعم الأميررئيس اتحاد ادباء نينوى السابق ، واتفقنا على إنجاز الكتاب للاديب فارس الرحاوي في الموعد المحدد، كما أعددت كتيباً تعريفياً عن حياة الشاعر ليُوزع في يوم الاحتفاء. لم يكن العمل مجرد إعداد لندوة، بل كان مشروع حبّ ووفاء لشاعر منح اللغة العربية وهجها الحديث.

قلائد صغيرة

صُممت بوستراً كبيراً يحمل ملامح المناسبة ليُعلّق في واجهة القاعة، وصنعت قلائد صغيرة تضم صورة شاذل طاقة، ليرتديها الحاضرون رمزاً للذكرى والاعتزاز. وقد أشرف على تصميم البوسترات الكبيرة والصغيرة الفنانان هاني عبدالكريم الطائي ومحمود مصطفى العبيدي، اللذان أبدعا في إخراج العمل بطابع فنيّ أنيق يعكس روح الشاعر ووهج الكلمة. كما قمنا بوضع بوستر مميز قرب منصة الاحتفاء يحمل قصيدة مهداة من شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري إلى الشاعر شاذل طاقة (أبا نواف)، لتكون تحية من جيل إلى جيل، ومن قامة شعرية خالدة إلى أخرى لا تقل عنها خلوداً. طوال شهر كامل، كنت أعيش على إيقاع تلك الذكرى، بين المطبعة وأروقة الأدباء والمصممين والقاعة والقائمين عليها وعلى أختيار نوع الضيافة والاجهزة الصوتية والمرئية في القاعة حتى اكتملت التحضيرات بأبهى صورة.

وعندما حلّ يوم العشرين من تشرين الأول 2024، غصّت القاعة بنخبة من أدباء نينوى وبغداد ، جاءوا ليحيوا خمسين عاماً من الخلود الشعري.وتواصلت قبل الجلسة مع مجموعة مميزة من الاساتذة والادباء الذين عاصروا الشاعر شاذل طاقة وكان بعضهم من طلابه في الاعدادية المركزية بالموصل وبعضهم كتب بحوث مهمة عن شعره ..  ومن بين الأساتذة، كان الدكتور ذنون الأطرقجي، والمؤرخ هاشم الملاح، اللذان عرجا في حديثهما اثناء الجلسة عن محطات مهمة في حياة الشاعر عندما كان يدرسهم وهم ما زالوا طلاباً، حيث استقوا من خبرته الكثير كمدرس وشاعر.

استكملت الحديث بعد ذلك الدكتورة الشاعرة بشرى البستاني، التي استعرضت مجموعة من قصائد الشاعر ودوره المؤثر في مسيرة الشعر الحر في العراق، حيث كان أحد مؤسسيها المهمين..

وشارك فارس رحاوي بقصيدة حملت عنوان أحزان ايوب ، والقى الشاعر عبد المنعم حمندي قصيدته التي نظمها عن شاذل طاقة وحملت عنوان الفارس النبيل، وشارك الأديب قيس الجنابي ببحثه وكتبه عن الشاعر، ووزّع بعضها على الحاضرين  الذين غمرهم سحر الكلمات ووهج الذاكرة. ولأن الشعر لا يعترف بالمسافات، شارك الشاعر الكبير وليد الصراف عبر مقطع فيديو ارسله لي وقد سجله خصيصاً للمناسبة من الجزائر ، حيث كان هناك يشارك في معرض الكتاب الدولي ، متحدثاً عن تجربة شاذل طاقة ومكانته في الشعر العربي، ومهدياً بعضاً من قصائده في حب هذا الرائد الكبير، وقد تم عرض الفيديو في القاعة وسط تصفيق واعتزاز الحضور. ومسك الختام كان من نصيب الأديب الدكتور نجمان ياسين، الذي تحدث عن جوانب مهمة من مسيرة الشاعر شاذل طاقة وطالب بوضع نصب كبير له في مدينة الموصل ... في تلك اللحظات شعرت أني لا أحتفي معهم بشاعر  رائد فقط ، بل أستحضر روح مدينة كاملة اسمها الموصل، كانت وما زالت تنجب الكبار. وكنت أرى في عيون بعض من ذوي شاذل طاقة الحاضرين في القاعة والذين تابعونا عن بعد رغم المسافات امتناناً صامتاً جعلني أشعر أنني أصبحت، ولو للحظة، جزءاً منهم ومن عائلته الكبيرة الممتدة عبر الشعر والزمان. أيها الشاعر الكبير شاذل طاقة،يا رائد القصيدة الحرة، وصوت الحداثة العراقية،كم أنا فخورة أنني أنجزت يوماً عملاً كبيراً بمحتواه  يحمل اسمك ويعيد وهجك إلى الذاكرة. نطالب اليوم كما طالبنا سابقاً، أنا والكثيرون من المخلصين، أن يُقام لك نصب يليق بمكانتك في إحدى ساحات الموصل، لتراك الأجيال وتتعلم منك أن الكلمة الحق لا تموت، وأن الشعر العظيم لا يشيخ.لقد كنت، مع رفاقك بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي، ركيزة النهضة الشعرية الحديثة، وصوت التحول الإنساني في زمن كانت القصيدة فيه تبحث عن ذاتها الجديدة.رحمك الله أيها الرائد،فما زالت قصيدتك تمشي في أروقة الذاكرة،وما زالت نينوى تفتخر بأنها أنجبتك، شاعراً وعلماً، لا تغيب شمسه..

 

 

 


مشاهدات 79
أضيف 2025/10/19 - 2:20 PM
آخر تحديث 2025/10/20 - 4:47 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 127 الشهر 13140 الكلي 12152995
الوقت الآن
الإثنين 2025/10/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير