الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
السؤال عن الحياة في قصيدة عبدالمنعم حمندي


السؤال عن الحياة في قصيدة عبدالمنعم حمندي

عامر محمد أحمد حسين

 

قراءة نقدية

• هذه القصيدة الثانية للشاعر العراقي الكبير  عبدالمنعم حمندي التي تستوقفني لكي اشرك القارىء للشعر في محاولة لقراءة  وهي قصيدة من العنوان ، تشير الى  مساحة واسعة لحريق كبير له ابعاده ومساراته ومن العنوان الكبير  العراق ، عنوان اخرى ، ولكل عنوان مساحة وظلال وحزن يشير الى احزان واحزان تؤشر بكل العلامات الى مآسي ، تجر كل مأساة اختها وتهتف في اذنها : ان استمري ؟ هكذا تتشابه الايام والمصائر من الخليج الى المحيط ، البعاد  والبعيد في الزمن يجثم   تاثيره على الحاضر.  ويحطم المستقبل بلامبالاة او حرية السؤال …ثمة سؤال عن الرماد ، ماهو الرماد ؟ الرماد في اللغة : هو بقايا المواد المحترقة بعد احتراقها، وقد يُستخدم أيضًا بمعنى الناعم من فُتات الحجارة أو اليابس من الطين. .ورماد الواقع ، شظاياه المتناثرة على حياتنا ، وهي شظايا لاتكاد تخلو من شارع او مكتب او سوق او حانوت واحيانا تتعلق بثيابنا وهناك من يرعى حركة سيرها ومسيرتها .

شرح مفصل…..

الرماد كبقايا احتراق:. اكتملت حلقات النار فكان الحريق وماتبقى الرماد..يستيقظ الشعر عندما يكتبه الشعراء ويغيب عن الساحة حينما يزداد ( التشاعر) والتشاعر سلوك غير إنساني بادعاءالشعر ، معاناة الشعر في تحديد مكانه ومكانته  في عصرنا يشير صراحة  إلى تراجع العقل والفكر وتبلد الوجدان..يتحدي شاعرنا عبدالمنعم حمندي، الواقع المحيط المحبط  ويقول:»

.عطشُ البلادِ برافديها،  والنخيلُ غاضبٌ ،

يتوسلُ الغيم اذا شحّ المطر

لا الغيث  يطفئ نارها  لا الريح لا هذا النهر

الماءُ رملٌ والندى شررٌ تقدَّد من حجر

 شجرٌ حزينٌ ،

يستعيرُ غمامتين من الفضاءْ .

ويمشًطُ المأساة  من وجعٍ وداء

يستذكر الحلم القديم .

قد كان أمنيةَ الرجاءِ ، و لا رجاءْ .»  ..عطش البلاد برافديها – هذه العطش اجابته « النخيل غاضب « سؤال الوجود والحياة عن مايحدث من- عطش البلاد برافديها – وغضب النخيل. .والعطش:«

في اللغة، «عطش الأرض» يعني جفاف الأرض وشوقها للماء، أو حالة الأرض التي تحتاج إلى الماء بشدة. يُستخدم هذا التعبير مجازيًا للدلالة على الظمأ الشديد والاشتياق إلى شيء ما، تمامًا كما تشتاق الأرض للماء. «  الظمأ الذي تعيشه البلاد ، بقراءة الواقع المباشر ، حبس الماء عن السدود وببيان الظمأ الشديد هي المعاناة في توفر  ابسط حقوق الحياة فإذا قلنا بتوفير فتلك مسؤولية تحتاج تدخل السلطات- لاتتدخلو – الظمأ افضل من سقياكم ..  ويتحول الغضب من الإنسان مسلوب الحرية والعدالة في فقد  الماء غضب من  النخيل : رمز الحياة وعنوان الشموخ ورافض الإنحناء   ، نخيل يعملنا عدم الإنحناء للعاصفة  بل هو غاضب ممن حبس الماء وصمت الإنسان ..

يقول حمندي ……

«شيخوختي بدأت هنا ،

و الشاربون حرائقي يتساءلون :

 إلى متى نشقى .. يُتعتعُنا  الصدى ،

و الذئبُ يسكرُ  بالدماءْ ؟ «.. يرسم الشاعر لوحة يظهر فيها احساسه  بشيخوخة غير حقيقية هو إنعكاس الحال على صفحة الوجه الغارق في لجة السؤال عن ماهو المحال – المحال ان تقاتل دون سلاح الذئب الغارق في الدماء والسؤال إلى متى نشقى وهو بلا اجابة « إذ ياتي السؤال من الشاعر وفي استغراب :

..».هذي  الطيور من النحاس

كيف طارت  ؟ ،

كيف ذاك الحلم طارْ ؟ .»..

فعل الطيران من طيور النحاس ، هي اسطورة غلفت المجال ولم يفقد شاعرنا الدهشة بالسؤال كيف طارت ..والاجابة : «في سكّةٍ  للفجر أصعدُ ..

كي يموتَ الخوفُ فيَّ 

.. إقامتي  هذا النهارْ .

و إقامتي حُرقي رماد النزف

 في لجج  الدمار

و كل من رحلوا هناكَ ..

مسمّرين  على الجدار .

لا نبعَ  للجَملِ المعمِّر في الفيافي ،» العطش هو اساس السؤال عن الماء ، الماء مفقود بفعل فاعل  والقهر بوابة العطش وهو عطش مقصود «،  لا عواصف تستحي من صخرةٍ ..

قد تستظلُّ بها القفارْ .

لمْ تبقَ ريحٌ باكرٌ  ،

تتوسّلُ الصقر الجريح

لكي  تُعفّر في الغبارْ .

أبداً  و لا في الليل أغنيةٌ

تحلّقُ في الكؤوسِ ،

و في الرؤوسِ

و في النفوسِ ، 

و في الدموع الصمتُ لي لغة العيون «  اغنية الليل مرآة النهار العطش والظمأ ، وعواصف تمحو مافي الرؤوس والنفوس- فراغ كبير ، ومكان بعيد لاتعيده لحظة الغياب – الغياب والتغييب لايلتقيان، الغياب حضور والتغييب فناء ، هو الفناء في ذاته ، حضور  وفناء : هلاك :

«وكان أبلغَ في الحوارْ .» الفناء والحضور يؤشران الى مساحة واسعة للقاء إذ الفناء :  شفافية الروح ولكن ماهو ابلغ مافي الحوار إذ يقول حمندي «

…للعُشب ذاكرةٌ تموءُ وراءنا ،

قرفَ  الردى  من موتنا

ياأهلنا

أين الأهلة والديار ؟

أين الذين أحبهم

أصحاب  حقٍ أبلجٍ

ومروءةٍ في كل دار

سمّار ليل ، لا يُملُّ حديثهم

 ووصالهم إكليل غار « تستدعي الذاكرة المرهقة من النزيف ، تستدعي الاحباب – اصحاب حق ابلج و الابلج :واضح، مُبين. وفي مقابل الحق الابلج زمن الباطل اللجلج – ولكن من هم اصحاب الحق الابلج  ، هم « سمار ليل، لايمل حديثهم. ؛ وتكتمل الحسرة وتزداد مساحة الاحزان.، وسؤال اسباب الحزن عن سمار الليل «

….. رحل الذين أحبهم

لم يبقَ غير مرابطين ولائذين

بجوعهم وبخوفهم من أي بطش أو فِتن

وبسوء من باع الوطن

و بكلّ مّنْ شرب الخيانة واستعارَ النارَ ،

من حربٍ ولودٍ أنجبت  أحزابها

كثبان رمل في طريقٍ معتمٍ

وأقولها: مَنٔ ذا يراهن مرتهن

لا فجرها يأتي ولا قمر لها

وكأنها   ظهر المِجَنّ

أرأيتم كيف الزنابير   تخاتل  في المِحن ؟ «  لايغيب عن وعي القارىء ان وعي الشاعر وحسه بفداحة مايعيشه الوطن وانعكاس ذلك على ذاته الحزينة والمجموع من حوله ، هو مايمثل ابلغ تعبير  عن المأساة ، عن الغياب وعن الرماد ، عنوانا ورسالة وحزن دفين يعيش في الضلوع ، ذهاب السمار ،»رحل الذين أحبهم

لم يبقَ غير مرابطين ولائذين

بجوعهم وبخوفهم من أي بطش أو فِتن

وبسوء من باع الوطن

و بكلّ مّنْ شرب الخيانة واستعارَ النارَ ،

من حربٍ ولودٍ أنجبت  أحزابها

كثبان رمل في طريقٍ معتمٍ «  هذه الحرب ، تلد النار والشرار وتترك الرماد ، تتركه لاعنوانا سابقاً لها ، بل لتثبيت حالة الضياع ، تثبيت الضياع والغياب من اجل استمرارية الاحزان والتغييب وحالة الفقد الدائم وانتظار السراب لذلك فإن الحالة الرماد ، يؤكدها شاعرنا..

 «فكل شيءٍ معتمٌ إلا الحِداد 

متجذرٌ ، وأنينهُ يعلو بحنجرة البلاد

لم يبق في أرض السواد

 سوى الرماد..

سوى الرماد  «  وارض السواد.: العراق» وسميت بذلك لكثرة مزارعها وأشجارها ونخيلها التي تبدو خضراء داكنة من بعيد، « مبهرة هذه القصيدة ، واضحة ، متجذرة كلماتها تحكي عن الواقع بلغة الشعر الرصين ، يدرك شاعرنا انه.يتعامل مع الواقع رغم ان الخيال الشعري هو اصل الحالة الرماد واسماء الاماكن رغم الرمزية تبقى واضحة جلية ، عن العراق وعن كل إنسان وعن الحزن والأسى في ابهى صورة للفكر واسمى رسالة..إن مقياس الشعر الرصين هو احساسك به..شكرا استاذ عبدالمنعم حمندي..

 


مشاهدات 105
الكاتب عامر محمد أحمد حسين
أضيف 2025/10/06 - 3:00 PM
آخر تحديث 2025/10/07 - 9:39 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 679 الشهر 4738 الكلي 12044593
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/10/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير