حرية التعبير أساس الديمقراطية
مشتاق الربيعي
ليست حرية التعبير مجرد حق دستوري يُذكر في النصوص أو يُتلى في الخطب الرسمية، بل هي جوهر الديمقراطية وروحها الحية. فالديمقراطية بلا حرية التعبير تتحول إلى قشرة فارغة، تُفرغ من مضمونها، وتفقد معناها الحقيقي كإرادة شعب وحق مواطن.
لقد قدّم العراقيون تضحيات جسيمة من أجل أن ينالوا هذا الحق، وفتحوا أبواب التغيير بثمن باهظ، على أمل بناء دولة تحترم صوت الإنسان وتمنحه المساحة للتعبير عن رأيه بلا خوف ولا قيود. وما يعزز هذا الحق أن الدستور العراقي قد كفل حرية التعبير بشكل صريح وواضح، حيث نصّت المادة (38) منه على أن:
تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب:
1- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
2- حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.
3- حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.
لكن ما يثير القلق اليوم أن بعض أعضاء المجلس النيابي الموقر يحاولون الالتفاف على هذه المكتسبات، عبر تشريعات أو ضغوط تهدف إلى تقييد حرية الرأي، وهي سياسة غير مجدية ولا تصب في مصلحة الوطن. إن مثل هذه التوجهات تمثل تراجعًا خطيرًا عن أهم ما تحقق بعد عقود طويلة من الاستبداد والطغيان.
إن صون حرية التعبير ليس رفاهية، بل هو الضمانة الحقيقية لمنع عودة الاستبداد، وهو السور الذي يحمي الديمقراطية من الانزلاق إلى حكم الفرد أو تسلط القوى النافذة. لذلك ينبغي على الجميع ــ من سلطة ومجتمع مدني ونخب فكرية ــ أن يقفوا بحزم في الدفاع عن هذا الحق، لأنه لا يتعلق بفرد واحد، بل بمستقبل وطن بأكمله.
إن أي محاولة للمساس بحرية التعبير لا تعني فقط انتهاكًا لحق أساسي من حقوق الإنسان، بل تمثل خرقًا واضحًا للدستور العراقي وتراجعًا عن المبادئ التي قامت عليها الديمقراطية بعد سنوات طويلة من النضال والمعاناة.
وعليه، يجب توسيع الفضاء القانوني والمؤسسي للتعبير لضمان ترسيخ الديمقراطية في عراقنا الحبيب، ونهيب بالقضاء العراقي العادل التدخل لضمان حماية حقوق المدونين والكتاب، وإطلاق سراح كل من اعتقلوا لمجرد ممارسة حقهم في التعبير، لأنهم يحملون كلمة ولا يحملون سلاحًا، بما يتوافق مع نصوص الدستور ومواثيق حقوق الإنسان الدولية