المريض يُبتز..أين الرقابة؟
هند الحافظ
في هذا الوطن يموت الفقراء بصمت، ليس لأن العلاج غير موجود، بل لأنه موجود خلف زجاجٍ لا يُفتح إلا لمن يملك المال ،ويُقايض الإنسان على روحه أمام من لا يملكون غير لغة الربح!هذا ليس خيالًا ولا مبالغة صحفية، بل واقع يعيشه ملايين المرضى الذين تتحوّل آلامهم اليومية إلى موسم مفتوح للربح عند بعض الصيدليات التي نزعت عنها أخلاق المهنة، وارتدت عباءة التاجر ،في كل حيّ، وفي كل شارع، يئن المرضى من الأسعار التي لا تُطاق ويُقابل أنينهم بصمتٍ رسمي، ولامبالاة مطبقة واحتكار لا يُحاسب
غلاء الاسعار
وتحولت الصيدليات نفسها إلى سوق مفتوح يخضع لقوانين العرض والطلب لا لأخلاقيات المهنة.المشكلة لم تَعُد فقط في غلاء الأسعار، بل في الطريقة التي يُدار بها هذا الغلاء ففي ظل غياب واضح للرقابة، تمادت بعض الصيدليات في استغلال حاجة المرضى، وراحت ترفع الأسعار دون رادع، وتُخفي بعض الأدوية انتظارًا لفرص أعلى للربح، في مشهد يبدو وكأن الضمير قد غاب، وكأن العلاج أصبح سلعةً تُستثمر لا ضرورة تُقدَّم.وهذه الازمة تمتد لتشمل جميع العلاجات الضرورية من مرضى القلب الذين يعتمدون على أدوية يومية، إلى الأطفال الذين يحتاجون مضادات حيوية بشكل دوري، إلى مرضى السكري والسرطان الذين لا يُتاح لهم الانقطاع ولو لأيام. وبينما ترتفع الأسعار، تبقى الرواتب على حالها! وتتآكل القدرة الشرائية، وتبقى العائلات أمام خيارين أحلاهما مر: إما أن تدفع ما لا تملك، أو أن تُخاطر بحياة أحد أفرادها.
هذا الارتفاع في الأسعار، وإن كان يُبرَّر أحيانًا بزيادة تكاليف الاستيراد، وتقلبات العملة، وضعف الإنتاج المحلي، إلا أن الواقع يشهد بأن جزءًا كبيرًا منه يعود إلى الفوضى في التسعير، والتهاون في تطبيق القوانين، وتغييب الرقابة الحقيقية على سلوك الصيادله. كما أن غياب الدعم الحكومي للقطاع الدوائي، وتراجع الإنتاج المحلي لصالح الشركات المستوردة، زاد من تعقيد الأزمة، وفتح الأبواب أمام المزيد من التلاعب والاستغلال.نتائج هذه الأزمة ليست فقط اقتصادية، بل صحية وإنسانية بامتياز. فالتأخر في الحصول على الدواء يؤدي إلى تدهور حالات مزمنة، وقد يفضي إلى الوفاة في بعض الحالات. كما يُجبر البعض للجوء إلى أدوية منتهية الصلاحية أو مغشوشة تُباع بأثمان أقل ، ما يفاقم المشكلات بدل حلها. أما على المستوى المجتمعي، فإن الشعور بالعجز أمام المرض يُعمّق فجوة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، ويعزز الإحساس بالظلم والتهميش.
دور مهم
إن السكوت عن مايحدث لم يعد مقبولًا. فالدولة مسؤولة عن حماية صحة مواطنيها، كما أن النقابات والمؤسسات الصحية مطالبة بأداء دورها المهني والأخلاقي في مراقبة الصيدليات ، ومحاسبة كل من يستغل حاجة الإنسان إلى الشفاء. لا بد من إعادة النظر في آليات تسعير الأدوية، ووضع أنظمة صارمة تمنع التلاعب بها. ويجب دعم الصناعات الدوائية المحلية بشكل فعّال، لتقليل الاعتماد على الخارج، وتوفير بدائل بأسعار مناسبة.
الصيدليات ليست متاجر للربح ، بل هي جزء من المنظومة الصحية، ودورها يجب أن يكون امتدادًا لرسالة الطب، لا انحرافًا عنها،و الدواء، يجب أن يبقى أداة للشفاء، لا ورقة تفاوض على حياة الناس.ففي الدول التي تحترم مواطنيها ، لا يُترك المريض وحده في مواجهة المرض والفقر معا.