إهتمام مفرط بالفرقية وتهميش مستمر للفردية
ياسر معيوف حنتوش
لا شك أن الرياضة العراقية عرفت منذ عقود أنماطًا متعددة من التألق، خصوصًا في الألعاب الجماعية مثل كرة القدم وكرة السلة، حيث ارتبطت ذاكرة الجمهور العراقي بالمنتخبات الوطنية والبطولات التي صنعت لحظات فرح نادرة في ظل تحديات سياسية واقتصادية متعاقبة. ولكن خلف هذا البريق الجماهيري، هناك جانب آخر من الرياضة الوطنية ظلَّ في الظل طويلًا الا وهي الرياضات الفردية.
إذا أردنا توصيف الواقع الرياضي بدقة، فعلينا الاعتراف أن الاهتمام يميل بشكل مفرط نحو الرياضات الفرقية، وبالأخص كرة القدم، التي تستهلك الحصة الأكبر من الميزانيات، الإعلام، الرعاية، وحتى الدعم الحكومي. في المقابل، تظل الرياضات الفردية – كالسباحة، ألعاب القوى، رفع الأثقال، التايكواندو، الجمباز وغيرها – في وضع شبه مهمش، رغم أن الكثير منها أقرب لتحقيق الإنجاز الأولمبي من الألعاب الجماعية.
تتمتع الرياضات الفردية بخصائص تجعلها أكثر مرونة في التطوير والإعداد، فهي لا تحتاج إلى منشآت ضخمة أو فرق كاملة العدد، ويمكن لصناعة بطل واحد أن يرفع اسم العراق عاليًا في المحافل الدولية. ومع ذلك، ما زالت هذه الرياضات تواجه تحديات كبيرة، من أبرزها ضعف التمويل، قلة المراكز التدريبية، عدم وجود برامج تأهيل مستدامة، وغياب الاحتضان الإعلامي والجماهيري.
لقد أثبتت التجربة العالمية أن كثيرًا من الدول الصغيرة تمكنت من تحقيق حضور أولمبي مشرّف عبر التركيز على الألعاب الفردية، لأنها أقل تكلفة وأكثر قابلية للتطوير. ومع ذلك، نحن في العراق ما زلنا نربط «النجاح الرياضي» بالنتائج الجماعية، ونتجاهل الاستثمار في الفرد، رغم أن صناعة البطل الفردي هي الطريق الأسرع لرفع العلم العراقي في المحافل العالمية.
من المؤسف أن كثيرًا من الأبطال في الرياضات الفردية كانوا مجرد حالات استثنائية اعتمدت على الجهد الذاتي أو دعم العائلة، دون منظومة احترافية تتبناهم منذ الصغر. والأخطر من ذلك أن بعضهم اختفى بعد إنجاز واحد فقط، لأنه لم يجد ما يدعم استمراريته.
إن معالجة هذا الخلل لا تحتاج إلى خطب وشعارات، بل إلى إعادة هيكلية الفكر الرياضي، ووضع خطة وطنية واضحة تهدف إلى تحقيق توازن بين الرياضات الجماعية والفردية، سواء في توزيع الموارد، أو بناء البنى التحتية، أو في تخصيص المنح والمكافآت.
إذا أردنا أن نكون حاضرين على منصات التتويج، فلا يكفي أن نُشجّع فريقًا يسجل هدفًا، بل علينا أن نستثمر في سبّاح يقطع 50 مترًا بزمن قياسي، أو عدّاء يقطع المسافات بأقصى سرعته، أو ربّاع يرفع اسم العراق مع الحديد.
فالرياضة ليست فقط احتشادًا جماهيريًا، بل هي مشروع وطني متكامل. وإذا كانت الرياضات الجماعية تصنع الفرح، فإن الرياضات الفردية تصنع المجد.