الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كبرت الكلمة

بواسطة azzaman

كبرت الكلمة

احمد العبادي

 

لعل الأنفعال العاطفي والفكري هي السمة الأبرز في ذكرى واقعة الطف، فمحال لكل ذي قلب بصير منير ان يستذكر الفاجعة  دون البكاء والنحيب ، ودون  ان يتحرق قلبه وجعا ولهيبا لا ينطفئ ابدا لما مر على الحسين ( عليه السلام)  هو وعياله من مأساة والم وتنكيل. 

وهكذا هو الحسين دوما عِبرة وعَبرة ، - لكن للأسف أمتنا العِبرة واحيينا العَبرة - لذلك الطف لم تكن مجرد واقعة بين قوتين غير متكافئة ، او حادثة في رزنامة الزمن بل كانت " نكبة " بمعنى الكلمة ، فما جرى تجاوز حدود الوصف من انتهاك حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله.

نعم كان انتهاك لحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله ذاته فالحسين من النبي كما ورد (( حسين مني وانا من حسين احب الله من احب حسينا )) فانتهاك حرمة الحسين  وعياله كان انتهاكا للنبي نفسه ..

ضمن مسارات الصراع وبالعادة من الطبيعي ان تتفاوض قوى الاستبداد مع قوى الثورة والتغيير والاصلاح وهو ما حصل مع رمز الإصلاح الحسين (عليه السلام ) .. فقبيل الاشتباك وبعد مفاوضات حاول عليه السلام  تجنب الصدام وان يدعوه في مأمنه من الارض او في ثغر من الثغور .. لكنهم رفضوا لان تركه كان مشروطا بالبيعة..

وهو ما رفضه الامام ،

كان وجوده (( عليه السلام )) يمثل خط الثورة ، وخط الإصلاح ، وخط التغيير ، الذي قد ينقض على يزيد في اي لحظة ، لذلك الخوف من وجوده عليه السلام كان عامل قلق دائم يهز مضجع يزيد على الدوام ..

وهكذا هو فعل الاستبداد في كل زمان ومكان تلاحق دوائر الإصلاح  ، ودوائر الثورة ، ودوائر رفض الظلم . هذا القلق هو الذي دفع يزيد من قتل الحسين بالرغم من ان الحسين لم يكن بداية مع خيار المواجهة  .

لقد تجلت في " نكبة الطف " أبلغ صور الإيثار بين القائد والاتباع فمهما تصفحنا في كتب التاريخ من صور التضحية لا نجد لها وصيفا ومثيلا

فالحسين يقول لاتباعه :

ان هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملًا ، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي . فجزاكم الله جميعًا ، ثم تفرقوا في البلاد في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله ، فإن القوم يطلبونني ولو أصابوني لهُوا عن طلب غيري‏ .

وبالمقابل تجلت في الطف اروع صور الشجاعة والفداء والثبات والوفاء المنقطع النظير من اهله وأتباعه ، مع اليقين الثابت انها واقعة الحتف الاخير فلم يرف لهم جفن او يرتعد لهم قلب ، قائلين له :

وكيف ندعك يا ابا عبد الله ،لم نفعل هذا لنبقى بعدك‏ .

 لا أرانا الله ذلك أبدًا‏ .

 وما نقول للناس؟!

 نقول‏ :‏ تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن منهم برمح ولم نضرب بسيف ، ولا ندري ما صنعوا؟

 لا والله لا نفعل ، ولكنا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ، ونقاتل معك حتى نرد موردك . فقبح الله العيش بعدك‏ . فيا لها من شجاعة وثبات واقدام !!!

لا حصر للعبر من واقعة الطف ، لكن اكثر ما يلفت المرء  ان الحسين لم يقتل الا من اجل كلمة ..

ولذلك اعظم درس  في الطف والتي دفع دمه واهله وعياله  رخيصا لاجلها هي الكلمة ..

فالكلمة تحيى امة  ، وتميت امة .

قلها يا حسين ان هي إلا كلمة هكذا قال الوليد له عليه السلام  :

وهو يرفض قائلا :

 

كبرت كلمة !

وهل البيعة إلا كلمة ؟

ما دين المرء سوى كلمة

ما شرف الرجل سوى كلمة

ما شرف الله سوى كلمة

 أتعرف ما معنى الكلمة...؟

مفتاح الجنة في كلمة

دخول النار على كلمة

وقضاء الله هو الكلمة

الكلمة لو تعرف حرمة

زاد مذخور.  الكلمة نور

وبعض الكلمات قبور

مفاوضات جرت لثنيه عن الكلمة ( لا ) ويأبى إلا أن يثبت على الكلمة.. فمثلي لا يبايع مثله .

حاولت المفاوضات جر الحسين إلى الموالاة والطغاة وجرت على قدم وساق بينه وبين عمر ابن سعد ..

يتسابق فيه مال يزيد لاغراء الحسين عن العدول وما منعته الا " الكلمة " ويتسابق " المال اليزيدي "  لشراء الولاءات والذمم لتأليب الناس ولقلب الكفة على " محور الحسين " بطريقة تتماهى إلى حد كبير مع التسابق المحموم والمجنون  في بذل المال والملذات والشهوات "والتاهواات"  لايقاع من يقع ، واستمالة من يميل ، وشراء من يُشترى.. في كل اربع سنين لتجديد " الظاهرة اليزيدية " الفاسدة في الحكم من الادعياء والأشقياء وكأنها حكمة الهية في بقاء الصراع دائما بين محور الإصلاح متمثلا بالحسين،  وبين محور الفساد وشراء الذمم والأصوات المأجورة متمثلة بيزيد ومن هم على شاكلته في فساده واستبداده ..

 

عذرا سيدي يا أبا عبد الله

 

فقد بيعت الكلمة

 

وما أقبح من باع الكلمة !!

 

وما اشقى من باع الكلمة !!

 

وما أدنى من باع الكلمة !!

 

سلام عليك يا سيدي

وسلام على اهلك وولدك

وسلام على اصحابك

وسلام على الارواح التي حلت بفنائك ما بقي الليل والنهار .


مشاهدات 94
الكاتب احمد العبادي
أضيف 2025/07/07 - 3:37 PM
آخر تحديث 2025/07/08 - 3:18 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 412 الشهر 4577 الكلي 11158189
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/7/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير