الموسوي مبدع شغلته واقعتا الدم والفقدان
قاسم حسين صالح
الفن التشكيلي على امتداد تاريخ الفن هو تعبير عن الأحداث التي وقعت للشعوب وتجسيد لوجدانها بدءا من الفن البدائي وما يتضمنه من رموز وطلاسم ومجهول وسحرإلى تصوير الحضارات كما في الفن المصري الفرعوني والفن البابلي، فلولا تلك المنجزات لضاع كثير من تاريخ العراق القديم وتاريخ الشعوب. وما لا يدركه كثيرون أننا بحاجة كبيرة لأن نفهم الفن والفنانين. فنحن نتفق مع بيكاسو على أن الفن هو «إنقاذ البشرية من التردي في هاوية الشر»، ونتفق مع القائلين بأن الفن وسيلة لفهم ما لم يستطع العقل فهمه، وعليه فنحن نتصالح على أن الفن مؤشر رئيس لحضارة أية أمة، بل إن أمّة بلا فن هي أمّة بلا حضارة، وأن أمّة بلا فنانين مبدعين لا تعدو أن تكون تجمعا من الناس يفتقدون إلى واحدة من أهم الحاجات في النفس البشرية، ونعني بها الحاجة الجمالية التي ندركها بذاتها، أو بنقيضها.. ومصداقه القبح.
واقعتان شغلتاه:
في نيسان 2025 زرت معرضه ببيته في كربلاء، وأمضينا أكثر من ساعتين في الاستمتاع والتأمل والتساؤل وما يثير الشعور بالجمال والقبح. لوحات صغيرة وأخرى بحجم أمتار.. تنوعت في أساليبها.. من التعبيرية.. إلى السوريالية ، فوجدت أن أكثر ما شغل شوقي، فنياً وسيكولوجياً؛ واقعتان: هما (الطف) التي وقعت بين الإمام الحسين (عليه السلام) ويزيد بن معاوية، وفيها وثق الإمام الحسين أن الأنسان (كلمة)، فقد كان بالإمكان أن ينجو هو وأصحابه من القتل بأن يقول ليزيد (بايعتك) لكنه قال له (مثلي لا يبايع مثلك)، فكان الثمن.. قطع الرؤوس!.. التي جسّدها شوقي برؤوس مقطوعة تجعلك تلعن الطغاة الذين ينتهكون قدسية الحياة... والثانية هي واقعة (كورونا)، التي أصابت أكثر من مليوني عراقي وخطفت أرواح أكثر من (24) ألفا منهم، يضافون إلى أكثر من (15) مليون حالة وفاة على مستوى العالم كما تشير الإحصائيات المتداولة في هذا السياق..
وكما شغلت مآسي الحرب الفنان غويا ووثقها في مجموعة لوحات، فقد شغلت كورونا الفنان شوقي ووثقها بعشرات اللوحات من بينها.. لوحة لفتاة بظفيرتين بعنوان (فقدان) فقدت فيها تعابير وجهها الذي كان جميلاً.. وتشوه بفعل كورونا التي خطفت روحها وصيرها الفنان روح (حمامة) بيضاء خالقا بذلك حالة سيكولوجية اجتمع فيها الضدان النقيضان (الموت والحياة، الجمال والقبح..) ليخلق (الصدمة – الفجيعة) لدى المتلقي، فحين تكون الحالة السيكولوجية للفنان صادقة في مشاعرها للحدث يكون منجزه الفني مؤثرا في المتلقي وبالمعنى الذي هو يفهمه والشعور الذي هو يعيشه.
وكما وصف غويا بأنه واقعي ووصف بأنه تعبيري، بل وحتى انطباعي وسريالي، كذلك يمكننا ان نصف شوقي بأنه واقعي وتعبيري وانطباعي وتجريدي وسريالي (أطلعني على لوحة سريالية وطلب مني أن لا أتحدث عنها إلا يوم افتتاح المعرض السريالي!) الذي سيكون ما بعد تجربة معرضه هذا (الذاكرة).