الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
متمردة في جزيرة حفيظ

بواسطة azzaman

متمردة في جزيرة حفيظ

مريم اكريم عبد الحسين

 

تك تك تك، فتحت رشا عيونها الواسعة السوداء بسعادة غامرة.. انه اليوم الموعود.. اليوم المنتظر الذي انتظرته منذ سنين!

فقفزت  كالفراشة من فراشها، تغني وترقص ثم صاحت زوجها حسام حتى يستيقظ، فتنهد الاسمر وبعيونه الناعسه أوجس حزنه وخوفه من رحلته الخطيرة، ورد على زوجته قائلاً: نعم يا نرجستي الجميلة .. تلك عيون الريم التي اشعلت قلبي ، جعلتني متيما فاتبعك وأرضى ان ارمي نفسي بالتهلكة! ثم أكمل بتحسر وخوف : فأسعدي ياريمتي هذا يومك!

فضحكت ولملمت شعرها المجعد المتناثر على وجهها كالقمر عندما يتخلله غيوم تمر خلاله، وقالت له مبتسمة وبثقة عالية: سنعود..

وأكملت: بعد تسعة ايام سنعود هنا.. ولكن بذكريات رائعة ومثيرة.

فتبسم بحيرة وحسرة! فلايستطيع ان يتراجع عن عهده!

فقال لها وقد أجبره الحب على قبول المغامرة الخطيرة: نعم، ان شاء الله نعود بخير وكما قال شاعرنا قيس بن الملوح

أَهابُكِ إِجلالاً وَما بِكِ قُدرَةٌ

 عَلَيَّ وَلَكِن مِلءُ عَينٍ حَبيبُها

فمشت تتراقص وتلف بطولها الممشوق حوله محاولة ان تنسيه خوفه ويعود متأملاً للخير بدل  التذمر والخوف واليأس الذي يسيطر عليه.

فحملت حقائبها وحقائبه ثم اخذهم منها زوجها الطيب  ونقلهم الى السيارة، فقد حضرتهم منذ اسبوعين، مابين تسوق وتفكير وتغيير وصولاً لإقتناعها بهم اخيراً. فاصبحت تركض كالصاروخ فبينما تمشط شعرها بمشطها الخشبي، حضرت الفطور وهيأت كل امور مغامرتها الكبيرة، فهذا اليوم الذي انتظرته منذ سنة ٢٠١٩ حين عمل لها والدها حفلة لعيد ميلادها العشرون في ٨ اذار، فقد اخبرتها حينها ابنة خالتها عن جزيرة في نهر دجلة ببابل، كثيفة الاشجار وملئية بالالغاز الغريبة وتصدر الطيور اصواتا منوعة كثيرة مع الحيوانات ذات طابع رومانسي حزين وخصوصا صباحاً فهم يعزفون بصوت عذب كآلة الناي والقيثارة، وكذلك تمتلئ الجزيرة  بالثمار المرمية كالمروج والتلال لكنها ملونة بكل الالوان البراقة الساحرة ، واخبرتها ايضا ابنة خالتها  ان صاحب الجزيرة اتفق معهم   بانه لايجوز لمس اية ثمار ولهم الحق بالمشي والمشاهدة فقط وكوخ الجزيرة يمتلك كهربائه وادواته الخاصة التي تعطيهم كل مستلزمات الحياة الضرورية كالاضاءة والتبريد والتسخين وكل كاميرا او هواتف وماشابه تتعطل  وتتحول الى حجارة لذا امر بعدم جلب اية الات اما سيارتهم فقبيل دخول الجزيرة يجب تركها على الحدود وتوصلهم خيول الجزيرة مع عربتها( فتلك الجزيرة مملوكة لمارد حفيظ وكل شيء بها له، ولكن هناك ساحر اتفق معه واجبره على ان تكون الجزيرة سياحية بعدما كانت مخفية لالاف السنين! لكن المارد اشترط على من يسيء لارضه سيعاقبه بطريقته! ووافق الساحر فمايهمه هو كسب الاموال!)

وبقت بنفسها تلك الامنية حتى تزوجت برجل كان يعشقها  وهي احبته ايضا لكن طلبت منه ان يحقق لها حلمها اذا تزوجته، ورغم خوفه من المغامرات، وافق فلا يمكنه الاستغناء عن حب حياته لكنه طلب منها ايضا ان يكون بيوم عيد ميلادها ليكون هديته التي يعرف انها اجمل هدية يقدمها لحبيبته، وايضا في آذار يقال ان المارد يقل نشاطه بجزيرته! فوافقت. وعاد يوم ميلادها في ٢٠٢٢  وتحقق حلمها اليوم.

وقبل دخول الجزيرة ذهبوا لصاحب الجزيرة( الساحر)  واتفق معهم الاخير على  اي شيء يحصل لهم، هو غير مسؤول! فالجزيرة غير صالحة للسكن وانما للمغامرين! فقبل الزوج على مرارة لاجل زوجته الغالية المتفائلة وبدون تردد.

دخلت الجزيرة بعربة الخيول ووصلت البيت الخشبي ( الكوخ )المحيط بالبركة الزرقاء الصافية وفوقها وحولها الكثير من الحيوانات الغريبة فتلك بذيول طويله كالفأر رغم انها تملك بعضها جناحين ومنها صغيرة ومنها كبيرة واخرى رؤوسها كالضفادع والوانها متغيره بكل وقت، دخلت الى سكنها ووجدت الجدران مزينة بلوحات تتخللها التراب فكلما مسكت واحدة نزل التراب ولوث ارضها ولكن سرعان ما تشربها الارض وتعود نظيفه فقالت لزوجها بِحيرة: لما الجدران ممتلئة بالتراب والارض جدا نظيفه رغم انهم جميعا من الخشب! او كما يبدو انهم من الخشب!

قال لها زوجها وهو خائف من فضولها: هكذا هي الجزيرة! ارجوك كما اتفق معنا صاحبها، ارجوكِ  التزمي ولا تغيري شيئا بها ولاتأخذي شيئا! نريد ان نرجع لبيتنا سالمين!

فقهقهت ضاحكة وقالت: لا تخف يا عزيزي سنرجع ان شاء الله آمنين!

وبدأت تكتشف الكوخ الخشبي وماحوله فشعرت بالجوع واخرجت من طعامها وقالت بنفسها متحسفة: كيف نأكل طعاما قديم، وامامنا هذه الخضار والفواكة الناضجة الطازجة الزاهية!

ثم تبسمت وقالت لا .. يجب ان اوفي بوعدي فلست من سينضر وحدي اذا غامرت باي تصرف ضد اتفاقيتنا مع صاحب الجزيرة! يجب ان اوفي بوعدي!

وعندما حل الظلام بدأت الانوار تظهر كالشموع والجو منعش بعطور الزهور الجميلة،  وتغيرت اصوات الطيور او كأنها طيور واصبحت بأصوات كعزف سمفونية بحيرة البجع وانما اجمل!

وهكذا بقت تجبر نفسها طول ايام الاسبوع  وتكتفي بالمشاهدة حتى اخر يوم وقبل مغادرتها اخرجت سمكة مشوية حضرتها من البيت وخزنتها في مجمدة الكوخ الخاصة فسخنتها على موقد من الخشب ووضعتها امامها

لكنها فكرت ماذا سيحصل مثلا  لو خرجت واخذت فاكهة من ارض الجزيرة فالحياة آمنة لأسبوع وما ادراه الساحر بما ستأخذه! فنظرت على حديقة الكوخ المقسمة مابين فواكهه وخضار ملونة وطريق للمارة، وبكلا الجانبين تحيط بكوخها بركة مياه تتلئلئ ماءها فقفز عليها ضفدع سمين احمر بجناحين طويلة ووقف على يدها وتراجعت رشا خوفا، ساندة ظهرها على جدار الكوخ ثم نفضت يدها و لكنها رأت كأنه ينظر لها بتوسل وعيونه دامعة! ثم طار الضفدع مبتعدا مع الطيور التي اصابها الجنون حول البيت تصرخ كالهجاء وباصوات رنانة فشعرت كانهم يقولولون لها : ارجعي.. قف يا متمردة!

فخرج زوجها وقال لها متعجبا بها وبالحيوانات:

ماذا حصل! هل انتِ بخير!

فمشت معه عائدة حتى ترجع وانحنت ملتقطة من الارض تلك التفاحة الحمراء الشهية فأصاب حسام الذعر واخذ التفاحة من يد زوجته ورماها على الارض ومسك بزوجته وهرول داخل كوخه يرتجف وهي بقت بحيرة وصدمة على مافعلت! واصبحت الارض تهتز واصوات الحيوانات اختفت وبعد دقائق نظرت على سمكتها المشوية وهي عادت للحياة لكنها بعيون حمراء ولسان كلسان الافعى وبكل ثانية يزيد طولها ويزيد بياضها وفتحت ثقباً بارضية الكوخ لتنزل بالبركة والتفت حول البيت وارتجت الارض، وهربا الزوجين خارج الكوخ فنزل على حسام طائر كالعنقاء حادة النظر وعيونها كلهب تشتعل بنار فأمسكته بمخالبها وارتفعت فتمسكت رشا بزوجها محاولة انقاذه لكنها سقطت  بالمياء التي اصبحت كالبحر المتلاطم  بامواجه العاليه، وكلما تنزل بقاع البركة  تتحول  الى ضفدعة اكثر حتى اصبحت ضفدعة بجناحاً مزدوج طويل. لكنها تشعر وكأن سكاكين تقطع جسمها فالتهمتها البركة بثواني وهي تصرخ وتبكي وتنوح: قلبي يحترق وجسمي يتقطع ارجوك حسام سامحني انا اعتذر! ومانفع الكلام وقد ظلمتك معي!

فسقطت بالقاع كضفدعة فردت عليها سمكة حزينة بائسة: اغلبنا بشر وحولنا المارد للابد بهذا شكلنا!

فصاح بها ذاك الضفدع السمين  من على الحجارة وحدق بعينه البارزة الحزينة عليها قائلا:

حاولت تحذيرك ولم ينفع! فها انتِ هنا  وبعد اربعة وعشرون ساعة حبس بقاع البركة، ستخرجين  كضفدعة طائرة مثلي تخدمين الجزيرة وعبدة لماردنا الملك حفيظ! فصرخت بحسرة ورعب باكية: لا يا الله انقذنا!

فارتفعت قليلا ونظروا عليها الحيوانات باستغراب!

 


مشاهدات 120
الكاتب مريم اكريم عبد الحسين
أضيف 2025/05/18 - 3:24 PM
آخر تحديث 2025/05/19 - 8:52 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 1276 الشهر 24661 الكلي 11018665
الوقت الآن
الإثنين 2025/5/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير