الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
القامعون لسميرة المانع.. إشكالات التجنيس الملتبّس للنص الأدبي


القامعون لسميرة المانع.. إشكالات التجنيس الملتبّس للنص الأدبي

 فيصل عبدالحسن

 

 لا نعلم لماذا أطلق بعض النقاد على نص “القامعون” لسميرة المانع اسم رواية، والنص هو عمل قصصي طويل، وللكاتبة أعمال أدبية أخرى كـ (شوفوني ..  شوفوني) و(حبل السرة ) و ( من لا يعرف ماذا يريد ).

   و» القامعون»الذي جنس على أنه رواية في الحقيقة لا يملك سمات الرواية المتعارف عليها، وهذا ليس تقليلا من شأن النص بل هي محاولة لتصحيح التجنيس!!

فوفق ما اتفق عليه، أن الرواية تمتلك صفات خاصة بها تميزها عن النصوص الأدبية الأخرى، فالقامعون لم تقص لنا صراع جيل أو أكثر من جيل، ولم تتشعب شخصياتها، وأحداثها وتتداخل لتروي لقارئها تحولات أجتماعية خطيرة في المجتمع العراقي.

ولم تنقل لنا رؤية تامة عن عصر ما، أو تسجل لنا سمات نفسية وفلسفية لرسم ملامح شخصية مختلفة لمجموعة من الناس، وهناك شروط أخرى غيرها كثيرة خاصة بالرواية يمكن الرجوع إليها.

فالقاصة اختصرت متنها ب74 صفحة من القطع المتوسط، ولم تتناول في سردها سوى شخصية واحدة محورية، وحولها دارت فكرة حقوق المرأة في مجتمع أقطاعي أو هو واقع ناتج عن هذا المجتمع قبل فترة قصيرة، ولم تتحرر منه المرأة العراقية بعد، وفق الظروف الجديدة التي أنبثقت بعد» 14 تموز في 1958» إلا قريبا جدا، وبقيت المرأة أسيرة تقاليد المجتمع الأقطاعي وأعرافه.

القسم الداخلي للبنات

الأحداث تدور في ثلاثة فصول، وفي مكانين  محددين» القسم الداخلي للبنات- بغداد «و» بيت عبود بمنطقة الكاظمية، الذي تعيش فيه سعدية» مع مجموعة قليلة من الشخصيات الثانوية، التي لم توفر الكاتبة جهدها لإكمال رسم شخصياتهم.

     فجاءوا كصدى للشخصية الرئيسية:ك»شخصية الشرطي المنتدب لحراسة القسم الداخلي بعد ظهور اللصوص ليلا للتلصص على بنات القسم الداخلي، وهو ظل لشخصية الحارس جاسم»و» شخصية المكوجي سلمان وأسطى رجب البقال، والست ماري مسؤولة القسم الداخلي.

     وهي شخصيات ثانوية لتصعيد الحدث إلى ذروته فقط، دون وضع سمات إنسانية لشخصياتهم تفيد في توسيع رؤية القارىء، لخلق التعاطف المطلوب.

فالأدب لا يمكن أن يكون وعاء لتفريغ حقد طبقي أو طائفي أو عنصري، لأنه حتما سيتخلى عن أجمل ما فيه « حسه الإنساني العميق

قصة أم رواية

     انتهت المؤلفة من كتابة فصول قصتها سنة 1968، وكتبت تذييلا أضيف إلى القصة، فيما بعد، ويبدو مما جاء في التذييل من نقد صريح ومباشر للنظام السابق، الذي حكم العراق للفترة 1968– 2003 أي أن القاصة كتبت هذا التذييل خارج العراق، لأن من الواضح أنها أخذت حريتها الكاملة في الكتابة.   

   التذييل الذي أضيف على القصة ليس طويلا  بل هو لا يتجاوز»أربع صفحات»وقد أضيف إلى القصة، وأرادت منه القاصة ردم الفجوة بين تجنسين لعملها الأدبي”قصة أو رواية

    لتحقيق رغبة باطنية أن يوصف عملها بالرواية على افتراض خاطىء يقول أن الرواية أهم من القصة الطويلة!! وإن لم تشر في غلاف مطبوعها إلى جنس ما كتبته، لكنني ازعم أنها لم تنجح حتى بهذا التذليل المضاف، من حرف التسمية، وفرضها علينا كرواية!!

    والذي وضحت فيه مصائر أبطالها بعد أختفاء بطلتها «سعدية» في حريق لبيت أخيها دبره أخوها عبود، لدرء فضيحة الزنا، التي وقعت فيها أخته سعدية مع حارس القسم الداخلي!!

   جاسم وهي، هما البطلان الرئيسيان للقصة، و ينحدران من الريف العراقي، فجاسم الذي ترك أهله في الريف، وتجلل هروبه من قريته بعار» نهيبة زوجته نعيمة» وهروبها مع عشيقها، حيث فضل»جاسم» عدم البحث عن زوجته السابقة للاقتصاص منها!!

     وفضل العيش والعمل كحارس في القسم الداخلي لطالبات كلية الآداب في بغداد!! وهذا الافتراض السلوكي خاطىء حتى لو كان هذا البطل الريفي دكتورا في الفلسفة!!

      لأنه سلوك غريب لا يمكن أن يحصل من ريفي عراقي قدم لتوه من الريف الاقطاعي، الذي يجرد المرأة من قيمتها الإنسانية، ويكون قتلها غسلا للعار من أسهل ما يمكن.

   جاسم»الأمي»بعد هروب زوجته مع عشيقها، يجلس مستكينا في القسم الداخلي للبنات يعد الأيام، ويسرق الملابس الداخلية للطالبات، كأي مريض جنسي مثقف !!

  أسلوب الكتابة كان مؤدياً في توصيل الأفكار، واستخدام لغة رشيقة، يدلل فهمها العميق لدور الحوار في رسم الشخصية القصصية، وتمكنها من الانتقال بين السرد والمسرود عنه، واستخدامها للفلاش باك للعودة بالقارىء إلى سنوات خلت، إلا أن الشخصيتين الرئيستين لم تدرسا بشكل كاف.

   ولم تقدما كشخصيتين حقيقيتين بالرغم من إمكانيات الكاتبة على استعادة الذكريات، وأسلوبها الفكه في رسم ملامح الناس، وذاكرتها القوية، فقد استعادت الكاتبة أدق الأحداث في 14 تموز 1958.

  الشخصية القصصية الرئيسية، لم تُدرس وفق التقاليد والعادات والميثالوجيا العراقية، بل ألصقت بها الكثير من الرؤى الثقافية الغربية، وعادات فئة المثقفين، وتجاربهم الشخصية، التي لا تمت بقريب أو بعيد لشخصية الريفي.

    كما أن إقحامات بنائية في النص للثقافة الأوربية بادية بوضوح على سعدية، فهي تسلم نفسها لجاسم بسهولة بمجرد أن يفرغ القسم الداخلي من ساكنيه !!

     وهي أبنة الريف، التي تعرف أن تلبية رغبة كهذه تعني القتل الأكيد، ولسذاجة الموقف، فأنها تستسلم لجاسم،  لمجرد أنه قدم لها كوبا من»الدوندرمة».

    كـــان من نتائج السقوط في الرذيلة لمرة واحدة مع جاسم جعلها عرضة للابتزاز من قبل آخرين كصاحب المكوى سلمان ورجب البقال، لقد وقعت» القامعون» في إشكالية التجنيس الأدبي منذ الصفحة الأولى، وتبادر السؤال للقارىء هل ما يقرأه قصة أم رواية ؟.

    القامعون أحد الأعمال الأدبية العراقية المعبرة عن مرحلة تأريخية حرجة مرَّ بها العراق، فقد أظهرت القامعون التناقضات في المجتمع بعد عامي 1958 و 1968، وحملت اصداء تغييرات كبيرة على حيوات الناس، وتذبذب المجتمع في اصطفافات طبقية واجتماعية جديدة.

كما حملت فهما عميقا لقضايا المرآة العراقية، التي لم تهنأ حتى بعد ألغاء قوانين كثيرة تكبلها بعد تموز 1958، فقد وجدت المرأة نفسها في فترات مضطربة تبعاً للوضع السياسي المتقلب في البلاد.

  * كُتب النص عام


مشاهدات 125
الكاتب  فيصل عبدالحسن
أضيف 2025/04/17 - 1:49 AM
آخر تحديث 2025/04/19 - 5:18 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 316 الشهر 18973 الكلي 10899620
الوقت الآن
السبت 2025/4/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير