ترامب وإعادة رسم السياسات الدولية
محمد عبيد حمادي
لطالما أثار دونالد ترامب جدلاً واسعاً في الساحة الدولية من خلال مواقفه وتصريحاته التي تناولت شؤون السياسة الخارجية الأمريكية، وكان للصراع المستعر بين أوكرانيا وروسيا نصيب من اهتماماته وتعليقاته التي لا تخلو من التعقيد والتناقض في آن واحد إن ما نراه في تصريحاته لا يعبر ببساطة عن موقف ثابت بل هو انعكاس لرؤية تختلف عن النهج التقليدي الذي اتبعته الإدارات السابقة وقد تأثر ترامب بتجارب سابقة مع القوى الكبرى مما دفعه إلى التأكيد على أهمية إعادة تقييم العلاقات الدولية على أسس جديدة وفي سياق هذا الصراع كان ترامب يرى أن المواجهة المباشرة ليست الطريق الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار فقد دعا مراراً إلى ضرورة الحوار والتفاوض مع روسيا معتبراً أن الانخراط في سياسات تصعيدية قد يؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها وأن إعادة النظر في الدعم الأمريكي المستمر لأوكرانيا قد يساعد على خلق توازن يصب في مصلحة جميع الأطراف دون الإضرار بمصالح الولايات المتحدة التي كانت دائمًا في صميم رؤيته لسياساتها الخارجية
في خضم تلك التصريحات التي حملت في طياتها نقداً للنهج التقليدي الذي اعتمد على فرض العقوبات وتقديم الدعم العسكري بشكل لا يتعلق فقط بالواقع السياسي ولكن أيضاً بالطموحات الاقتصادية والجيوسياسية للولايات المتحدة فقد كان ترامب يرى أن العلاقة مع روسيا لا ينبغي أن تكون عداوة أبدية بل شراكة استراتيجية يمكن أن تسهم في تقليل حدة الصراعات الدولية كما أنه كان ينتقد التزام بعض القوى الغربية بمبادئ قد لا تخدم دائماً مصلحة الشعوب بل قد تُستغل لتحقيق مكاسب سياسية داخلية تؤدي إلى تفاقم التوترات بدل الحلول التفاوضية التي من شأنها إنهاء الصراعات القائمة
وقد تجلى ذلك في تحليلاته التي ربط فيها بين السياسات الخارجية وبين الاعتبارات الداخلية للدولة مما جعل موقفه يُفسر على أنه محاولة لإعادة رسم خريطة النفوذ في النظام الدولي مع الإشارة إلى أن التصعيد العسكري ليس بالضرورة هو السبيل الوحيد لتحقيق مصالح الولايات المتحدة وأن الحفاظ على الاستقرار العالمي يتطلب استعداداً للتفاوض حتى وإن بدا ذلك بمثابة تنازل عن بعض المبادئ التي طالما كانت جزءاً من الخطاب الدبلوماسي التقليدي وهو ما دفع البعض إلى انتقاد مواقفه باعتبارها انعكاساً لرغبة في التقرب من قوى تعتبر خصوماً تقليديين للولايات المتحدة إلا أن ترامب كان دائماً يؤكد أن الحوار والتفاهم هما السبيل لتفادي المزيد من التصعيد الذي قد ينذر بحدوث أزمة كبرى في منطقة تحمل في طياتها حساسيات سياسية واقتصادية عميقة
وفي سرد مواقفه نجد أن ترامب لم يكن يسعى إلى تجاهل الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها الأطراف المختلفة بل كان يحاول إبراز التناقضات في السياسات الغربية التي أدت إلى تفاقم الأزمة معتبراً أن التعامل الأحادي الجانب لا يحقق أهداف الاستقرار بل يخلق معادلات جديدة تُفضي إلى تعقيد الوضع الأمني في المنطقة وقد عبّر في عدة مناسبات عن ثقته في أن إعادة النظر في العلاقات مع روسيا وتبني نهج أكثر مرونة وواقعية قد يفتح آفاقاً جديدة لحل النزاع الذي طال أمده وأثر على شعوب المنطقة بشكل مباشر وغير مباشر
وبينما لا يزال الصراع يتأرجح بين فصول من التصعيد والتهدئة فإن مواقف ترامب تبقى جزءاً من الصورة الكبرى للصراعات الدولية التي تفرض تحديات على كل من يسعى إلى إعادة النظر في مفاهيم السياسة الخارجية التقليدية وبينما يتردد صدى تصريحاته في الأروقة الدبلوماسية فإن التاريخ سيحكم فيما إذا كانت رؤيته المبنية على إعادة رسم العلاقات الدولية ستثمر عن نتائج إيجابية أم أنها ستظل مجرد كلمات عابرة في زمن تتداخل فيه المصالح الاستراتيجية مع تحديات الأمن العالمي في مشهد لا يخلو من التعقيدات والمفارقات التي تجعل من كل قرار خطوة محفوفة بالمخاطر في آن واحد