قصة قصيرة
على تخوم أزرار القميص
وجدان عبدالعزيز
مع انعطاف خيوط البرودة، نحو الرذاذ الشمالي، ازدادت لسعاتها بلــذة الدفء والبحث عن المأوى، كانت الدعوات بأكلة عافتها نفسي، فتركتُ أشيائي تحت نعومة المساء وانحدرتُ، نحو مغيب الشمس، أعانق الأصيل، لأنه يشبه تماما لوحة خديها، ناعمة الإطراف تلم أذيالها عن الوحل في شوارع المديـنة .
لحنتُ أغنية تجامل لذة الدفء، وأنا اعترض طريق العابرين بسيري المعاكـس، أدندن على لحن المساء الماطر كلمات هامسة، اترنح تحت تأثيرها .
كانت أهدتني وردة باهتة ذات يوم، صنعتها من خيوط البرسيم، وهــي تقول هـــذه مسائية من صنعي الخاص، أحببت ان تتجرأ بملمس يديكَ، كان يخالجني الموعد ويترك شرقة خوفٍ تحت حنجرتي، وحين تبتلع خطواتي أرصفة المساء، تحاول ان تلوذ إلى مرفأ السكينة، ولن تكون إلا وسط غرفة دافئة، وكاد ان يقسمني الموعد إلى نصفين، كنت أميل إليها هي لاغير ذلك، يحق لها ان تصادر كل ما املك، ففرح الصباح وضحكة الأصيل وشموخ الأشجار الممـتدة والنهر، ليس لها طعم العصافير إلا ابتسامتها هي، فكيف لي أن أخطو وأتردد…
شاع في داخلي ان أكون ضمن دقائق الوقت الضائع، ليكون باب دارها جاهزا تماما لولوجي.. حسبت الأمر يتوقف عند هذا الغضب، الذي اخذ يتصاعد وترددي، لكن طعم الابتسامة وبراءة الملامح كلها كفيلة بإسقاط حساباتي، وجعل جمـــيع الأرصفة تغادرني الآن مسـرعة، كان الفرح يزداد، وجدران البيت تهتز مسرات، والشجرة المنتصبة وسط الحديقة باركت اللقاء، قبل المساء المنهـمر ورذاذ البرودة يتكفلان صعود الغيوم إلى الأفق، ليفتحان بقع السماء الزرقاء، ويكشفان عن فرح آخر لهـذه النجوم، كانت أناملها ارق من ندى صباحات الربيـع، احتوت روحــــي أنفاس حزن الخوف والحرمان، وبدأت تمتلئ باطمئنان، لولا إني احتواني جسدها الرقيق، وهمساتها بين أزرار القميص الخجـولة، حياؤها طوى تحركي المحموم، نحو انفتاح الأزرار، ليتوقف عند عتبات القبل المسائيـة، حتى طاوعني الانسحاب، تحت رذاذ المساء الماطر ومغيب الشمس، اجر أذيال خجلي من رائـحة جسدها، ولتكون هي قمر الليالي الصافية، تعلن مواعيد اللقاء الأبدي…