الإقتصاد الرقمي وأثره على العراق
زكي الساعدي
كما يعرف القاصي والداني ان الاقتصاد العراقي يعتمد بشكل كبير على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، مما يجعله احادي المورد وعرضة للتقلبات في الأسعار العالمية. وفي ظل الحاجة إلى تنويع مصادر الدخل وتحقيق الاستدامة المالية والخروج من النمط الريعي يبرز الاقتصاد الرقمي كأحد الحلول الفعالة لتعزيز الإيرادات غير النفطية وتقليل الاعتماد على العائدات النفطية المتذبذبة. ومن خلال التحول الرقمي، والحوكمة الإلكترونية، والتكنولوجيا المالية، يمكن للعراق تحقيق قفزة نوعية في تحصيل الإيرادات ومكافحة الفساد المالي والإداري عبر آليات حديثة ..
هنا يظهر مصطلح الاقتصاد الرقمي الذي يشير إلى الأنشطة الاقتصادية التي تعتمد على التكنولوجيا والاتصال الرقمي، بما في ذلك التجارة الإلكترونية، والخدمات المالية الرقمية، والذكاء الاصطناعي، وسلاسل الكتل (البلوكشين)، وغيرها. في الدول المتقدمة، حيث أصبح الاقتصاد الرقمي جزءًا أساسيًا من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يمكن للعراق الاستفادة منه لتعظيم إيراداته غير النفطية.
هنا يأتي السؤال الجدلي كيف يمكن للاقتصاد الرقمي تعزيز الإيرادات غير النفطية؟
ستكون الإجابة بأول خطوات التعزيز عبر رقمنة الخدمات الحكومية وتحسين تحصيل الإيرادات بصورة مباشرة وشفافة لخزينة الدولة مثل ضرائب العقار وبيع المشتقات النفطية والوقود واجور الخدمات الصحية والنقل والطائرات وغيرها
وتشمل ايضا الضرائب والجمارك وجعلها اليكترونية من خلال تطبيق نظام تحصيل إلكتروني للضرائب والرسوم الجمركية، وبذلك لا يمكن التهرب الضريبي وتتم تعزيز الإيرادات العامة.
دفع الكتروني
وايضاً من الخطوات المهمة لتعزيز الإيرادات الحكومية اللا نفطية هو تفعيل نظام الدفع الإلكتروني في المؤسسات الحكومية كافة وفرض الدفع الإلكتروني بدلاً من التعامل النقدي الذي بدوره يحدّ من الفساد ويسهّل تتبع الإيرادات.
ومن اهم ايرادات اللانفطية في كل الدول هي تطوير قطاع الاتصالات والإنترنت كمصدر للإيرادات المستمر ، وبما ان العراق يمتلك قاعدة واسعة من مستخدمي الإنترنت، لكن إيرادات الاتصالات ما زالت تُدار بطرق تقليدية تحتاج التدخل اللحظي لاستحصال واردات عملاقة ، ويمكن ايضا فرض ضرائب عادلة على شركات الاتصالات، ومقدمي خدمات الإنترنت، والتجارة الإلكترونية يمكن أن يدر مليارات الدولارات سنويًا.
العالم بدأ اليوم بتعظيم الإيرادات من التجارة الإلكترونية ، حيث يتم تشجيع الأعمال التجارية عبر الإنترنت وفرض نظام ضريبي رقمي شفاف على المبيعات الإلكترونية.
يكمننا ايضا تطوير منصات وطنية للتجارة الإلكترونية وتحفيز الشركات الناشئة على النمو والاستثمار.
اما ان الاستثمار في التكنولوجيا المالية (FinTech) من خلال تشجيع المحافظ الرقمية والبنوك الإلكترونية لتسهيل المدفوعات وتقليل النقد المتداول، مما يزيد الشفافية ويقلل من التهرب الضريبي، حيث يمكن للدولة النهج بسياسية تحويل المعاملات الحكومية والمصرفية إلى النظام الرقمي، مما يمنع الفساد في عملية تحصيل الإيرادات.
لابد الإشارة إلى أن التحديات التي تواجه التحول نحو الاقتصاد الرقمي لضعف البنية التحتية التكنولوجية الحاجة إلى استثمارات في الإنترنت عالي السرعة وأمن البيانات. وهنا قد نواجه المقاومة البيروقراطية والفساد الإداري. حيث يعرقل الكثير من الموظفين التحول الرقمي للحفاظ على مصالحهم الشخصية وخصوصا سماسرة المعاملات الورقية والمصرفية وموظفي الكمارك وغيرهم من مستفيدي بقاء البيروقراطية .
هنا قد تصطدم العجلة الرقمية للاقتصاد بعدم وجود تشريعات حديثة لخاصة بعملية تنظيم التجارة الإلكترونية والمعاملات الرقمية، مما يتطلب إصلاحات قانونية تدعم هذا التحول.
اليوم هو فاصل تاريخي لمن يبحث عن عراق جديد مزدهر وخالي من الفساد حيث يعتبر الاقتصاد الرقمي فرصة ذهبية للعراق لتوسيع قاعدة إيرادات العراق الغير النفطية، وتعزيز الشفافية المالية، وتحقيق استدامة اقتصادية حقيقية. من خلال رقمنة الخدمات، وتحسين بيئة الأعمال الرقمية، وتشجيع الابتكار التكنولوجي، يمكن للعراق أن يتحول من اقتصاد ريعي يعتمد على النفط، إلى اقتصاد متنوع قائم على المعرفة والتكنولوجيا. التحدي الأكبر هو الإرادة السياسية والإدارية لتنفيذ هذه التحولات، ووضع سياسات جادة لتحقيق هذا الهدف نحتاج إلى كفاءات لديها نظريات عملية مطبقة مسبقة للنهوض بالاقتصاد العراقي ورسم سياسته لمستقبل افضل