كلام أبيض
شكرا خُطى
جليل وادي
ختمت كلمتي القصيرة التي ألقيتها في حفل تكريم رواد الأدب والفن والاعلام في محافظة ديالى الذي نظمته مؤسسة (خُطى) وبرعاية جامعة بلاد الرافدين يوم الخميس الماضي بالقول : ( شكرا لخُطى التي جعلتنا لا نندم على ما قدمنا ) ، وكنت أريد بذلك ان الانجاز والريادة لابد أن يقابلا بما هو معنوي على أقل تقدير ، أن يُشار للمبدعين في الوسط الجماهيري بأنهم قدموا جل جهدهم الفكري والجسدي للارتقاء بوطنهم واشاعة المعرفة والثقافة والبهجة في نفوس الناس في محاولة مخلصة لانتشالهم من واقع أقل ما يقال عنه انه قد تخلف عما وصله العالم بأشواط بعيدة .
ولكن كم هو حجم اليأس والاحباط الذي يبلغه المبدعون والرواد عندما لا يكسبوا شيئا مما بذلوه طوال حياتهم ؟، بينما يحدوهم أمل بأن الناس والقائمين على مؤسسات الدولة سيقدرون جهدهم ويشيدون بانجازاتهم ويعترفون بجميلهم لأنهم وضعوا نصب أعينهم الغد المشرق الذي يريدونه رغيدا لأبناء وطنهم . لكن في راهننا يصدق على حال المبدعين والرواد ما قاله الشاعر محمد تركي النصار : البحر أومأ لي فصادفني سرابي .
وكيف يحتذي الناس بمشاريع المبدعين والرواد عندما يرونهم يكابدون شظف العيش وغياب الاعتبار ، وكيف لا يلوم أبناء المبدعين آبائهم على هدر أوقاتهم وأعمارهم بما لا طائل منه كما يؤكده الواقع وليس القناعات ؟، السياب مات فقيرا ، ولا يملك ثمن العلاج ، وعانت عائلته من بؤس مدقع ، بينما أحدث انجازه ثورة عظيمة في الشعر العربي لم يحدث مثلها على مر تاريخ الشعر ، لكنه لم يحصد من انجازاته سوى تمثال على شط العرب نُصب بعد مماته، ما قيمة أن يُحتفل بالمبدعين بعد مماتهم ، كم نحن بخلاء ، نتركهم في زوايا الاهمال، وينعم رعاع السياسة بعيشة فوق الرغيدة . هذه اللوعات والحسرات عبر عنها المكرمون في هذا الحفل الذي كانت مؤسسة (خُطى) هي الرائدة فيه بجهود مديرها التنفيذي حسن فهد الكناني والاعلامي اللامع الدكتور علاء الحطاب وفريقهم المثابر، وبدا العتب على أشده عندما تعالت الصرخات منتقدة غياب المؤسسة الرسمية عن الحفل ممثلة بمحافظ ديالى الاستاذ عدنان الشمري ، ومع ان تكريم (خُطى) كان له أبلغ الأثر في نفوس الرواد ، لكن عندما يكون التكريم من الحكومة المحلية فذاك اقرار رسمي بابداعهم وريادتهم يُسجل في تاريخ المحافظة ويُحفظ في ذاكرة الأجيال، ألا يستحق المبدع الكبير سعدون شفيق التكريم وهو الذي أنفق ستين عاما من عمره في العمل الاذاعي والتلفزيوني، وكذلك الاعلامية هناء الداغستاني التي أفنت زهرة شبابها على الشاشة العراقية ، بينما لم تجد من يقف معها في محنة مرضها . ولم يتحمل المكرمون والحضور غصة السؤال في حناجرهم ، فصرخ به الرائد المسرحي سالم الزيدي : أين المؤسسة الرسمية ؟ . وجاءت نصف الاجابة على لسان عضوي مجلس النواب السيد أحمد الموسوي والاستاذ محمد قتيبة اللذين تفضلا بحضور الفعالية مؤكدين عدم معرفتهما بالإعداد لها ، وانهما لا يمكن أن يبخلا بأن تكون لهما مساهمة فيها ، بينما لم يجدا تبريرا مقنعا لغياب الحكومة المحلية عنها .
حصد مبدعونا في حياتهم عشرات الشهادات التقديرية ومثلها من كتب الشكر ، لكن الجدوى تبقى ناقصة ، فقيمة المعنوي تتعزز بالمادي، والكل يعرف ان تكريم المبدعين والرواد في العالم يُحدث تحولا في حياتهم ، ومثال ذلك دول الخليج ، وهي ليست بأغنى منا مالا او تاريخا . بعض المكرمين الذين اصطحبوا عوائلهم معهم لاقناعهم بجدوى انجازاتهم، وانها لم تذهب سُدى ، كانوا يتلفتون باحثين عن الذين يرأسون نقاباتهم / المركز العام كنقابتي الصحفيين والفنانين واتحاد الأدباء والكتاب، لكن سرعان ما أطرقوا رؤوسهم انكسارا لعدم حضورهم، وليس عذرا شافيا الاكتفاء بحضور رؤساء النقابات الفرعية ، وأسألهم : أية فعالية ترونها مناسبة للحضور ، وهل هناك أهم من تكريم الرواد ؟، نحن الصحفيون المكرمون أسعدنا كثيرا حضور قامات الصحافة العراقية كالاستاذ الكبير زيد الحلي والدكتور طه جزاع والدكتور هاشم حسن، ما خفف من حسرتنا . المفرح في فعالية (خُطى) ان الشباب يحتفون بالشيوخ.
jwhj1963@yahoo.com