نقطة ضوء
المرتجفون من صرير الباب
محمد صاحب سلطان
تزخر كتب التاريخ والتراث العربي والاسلامي، بالعديد من الشواهد والقصص والعبر والمواقف والحكم ،ودرر النصائح والمقولات، ولا سيما عن نموذج (القدوة) الذي يجب أن يحتذى به،سلوكا وتصرفا وتوجها، فالقيادة بغض النظر عن مستوياتها، تعد مسؤولية جسيمة، وتتطلب صبر وأناة، وتضحية وتحمل ومواجهة وتعقب، فالقائد يتعامل بإيثار ويقدم الآخرين على نفسه، فيكون مرآة عاكسة للاصلاح والزهد، ومثال ما ذكره إبن عقله بقوله: (دخلت على علي بن ابي طالب، فاذا بين يديه لبن حامض، آذتني حموضته وكسر يابسة، فقلت: يا أمير المؤمنين، أتأكل مثل هذا؟ فقال لي: يا أبا الجنوب، كان رسول الله يأكل أيبس من هذا ويلبس أخشن من هذا، وأشار الى ثيابه، فإن لم أخذ بما أخذ به، خفت أن لا ألحق به).
هكذا هم الزهاد الاطهار الذين يجب أن تقتدي بهم البشرية، وتكون سيرة حياتهم منهاج تعلم، لكل من يريد الصلاح والبناء، ولكل من يتصدى للمسؤولية، إبتداءا من رب الأسرة والمعلم واستاذ الجامعة، ومن أصغر موظف خدمة عامة وحتى أعلى مرتبة تشريعية وتنفيذية وقضائية في الدولة، وكذا الصحفيون والاعلاميون الذين يجب أن يتمردوا على طواغيت الجهل والفساد وصناع الموت، التي لا تتيح للصحفي ان يعبر عما يجيش بخاطره، ويرفع سبابة قلمه ضدهم ،فيكسروها كلما غرد خارج السرب أو خرج عن النص، والانعتاق من عبودية الخوف في زمن يرتجف من صرير باب!.
وبالمقارنة باليوم، ماذا نجد؟ للأسف الشديد، لا نجد سوى سفسطات مزاعم القول، لأناس (يعبدون) الله بطقوس مظهرية، لكنهم (ينهبون) عباد الله في السر والعلن!، من دون خشية أو وازع ضمير، وأيضا، نجد إن البعض، يدافع وبأستماتة عن آراء تكتنزها نوازع شيطانية ضد تطلعات السواد الأعظم من المواطنين، لا يهمه صلادة جدران الحقيقة التي ينطح رأسه بها، بل يتبارى مع آخرين، وكأنهم وحوش مفترسة في سيرك التهريج للحصول على مكافأة مدربهم وولي نعمتهم، الذي هيأ لهم عوامل الظهور من أجل الحصول على الغنيمة المستباحة، حتى بتنا لا نفهم ما يقولون وعن أي شئ يفصحون، فيما هم لا يفقهون من الأمر شيئا، ناهيك عن سطوة (الخبل) التي إجتاحت الاذهان، كل منهم يقصي الآخر، بل يحاول أن يقطع عنه الهواء الذي يتنفس منه!، متناسين المثل القائل (الطعام الذي يكفي إثنين ،يمكن أن يكفي ثلاثة).. وتلك هي المصيبة ،جنبنا الله واياكم من شرورها!..