أيهما نريد؟.. حماية النظام في العراق أم في سوريا
منقذ داغر
بعد أن عادت سوريا الى واجهة الأحداث في الأيام الماضية،شاعت بين العراقيين(الرسميين والعامة) موجة من الخوف من تداعيات سقوط النظام السوري على العراق. بعض تلك المخاوف تبدو معقولة وتستدعي التفكير بالبدائل العراقية المتاحة لحماية الأمن الوطني في العراق. هنا برزت مدرستان مختلفتان فكرياً وعقائدياً، الأولى تؤمن بضرورة الدفاع المتقدم -والأستباقي-عن العراق وأمنه بأرسال قوات عراقية (غير نظامية غالباً) الى سوريا للدفاع عن نظامها ومنع سقوطه كما حصل بعيد أنتفاضة الشعب السوري على نظامه في 2011. أما الثانية فتصر على مراقبة حدودنا عسكرياً وأستخبارياً والتهيؤ لكل طارىء لكن دون توريط العراق بأي نزاع أقليمي قد تكون له أنعكاسات سلبية كبيرة في فترة حرجة جداً تمر بها المنطقة عموماً والعراق خاصة. الأثنان أذاً يريدان حماية العراق،بخاصة من عودة الأرهاب الديني سواء بنسخته الداعشية أو سواها،لكن الأولى تؤمن بفعل ذلك من خلال التدخل العسكري والثانية من خلال تعزيز أمن حدود العراق وجبهته الداخلية.
أبتداءً لا بد من التأكيد أن الدستور العراقي حرّم في مادته الثامنة التدخل في شؤون الدول الأخرى،وأكد على حسن الجوار،وبالتالي فأن أرسال أي نوع من القوات سواء كانت رسمية أو غير رسمية يسبب مشكلة دستورية لأنه يعني فعلاً الأنخراط في صراع داخلي لدولة جارة. لكن رغم ذلك وبعيداً عن النقاش القانوني والدستوري،فأن حجة الدفاع عن الأمن الوطني العراقي أستباقياً من خلال أرسال قوات لسوريا هي حجة تواجه مشاكل أستراتيجية كبرى.
قوات عراقية
1. سياسياً. في ظل الصراع الثنائي الدائر حالياً على الصعيد الدولي أو الأقليمي،فأن أرسال قوات عراقية مهما كانت صفتها أو تمثيلها،سيرسل رسالة تفسر بأن العراق بات جزءً من المحور المعادي لأمريكا والمصطف مع أيران. أن مثل هذا الأنطباع سيواجه تبعات كبيرة على العــــــــراق نتيجة علاقاته الأستراتيجية المتشابكة (أمنياً وأقتصادياً) مع أمريكا،بخاصة في ظل ساكن البيت الأبيض الجديد.
لقد تسربت بعض التقارير من واشنطن مؤخراً التي تفيد بأستعداد أدارة ترامب لموجة جديدة من العقوبات ضد أيران والتي قد تطال العراق أيضاً نتيجة ما يقال عن مساعدة العراق لأيران في تجاوز العقوبات الأمريكية المفروضة عليه منذ سنين. فهل من مصلحة العراق تعزيز آراء المعسكر المتطرف في واشنطن ومنحه مبررات لأستهداف الأقتصاد وربما الأمن العراقي؟! وهل من مصلحة العراق أن يصنف على محور معين مما يعيدنا الى مربع دبلوماسية المحاور التي أضرت كثيراً بعلاقات العراق مع العالم في فترة سابقة وجعلت كثير من دول العالم تقاطع العراق دبلوماسياً؟
2. أمنياً. أن أرسال قوات عراقية لسوريا سيزيد من طول خطوط الأمداد العراقية ومن أنفتاح القوات العراقية النظامية التي أعادة ترتيباتها الأمنية أساساً بسبب ما يحصل في سوريا،مما يعقد من مهمتها ويستهلك مزيد من مواردها في مواجهة العدو المباشر والرئيس(داعش) والذي قد يستغل ذلك لتنشيط خلاياه النائمة والتعرض للعمق العراقي بعمليات مؤذية أمنياً. من جهة أخرى فقد بات معلوماً أن أدارة بايدن قد مارست ضغوط كبيرة على «النتن ياهو» لثتيه عن مهاجمة العراق بأعتبار أن العراق لن يكون طرفاً مباشراً في النزاعات العسكرية المندلعة في المنطقة فلماذا نريد أثبات العكس؟ أن أرسال قوات عراقية سيؤدي بالتأكيد الى عودة التهديدات الأمنية (الأسرائيلية) للعراق. أخيراً فأنه ولغاية الآن،هناك خلافات ومشاكل كبرى بين تنظيم فتح الشام(النصرة أو القاعدة سابقاً) والذي ينشط في سوريا ويقود الهجوم ضد نظام الأسد،وبين تنظيم داعش الذي يشكل تهديداً رئيساً لأمن العراق. أن أشتراك العراق في الحرب الدائرة في سوريا سيجعل لهذين التنظيمين الأرهابيين مصلحة في توحيد قواتهما وجهودهما مما يفاقم من المشاكل الأمنية للقوات العراقية.
3. أقتصادياً.يعاني الأقتصاد العراقي من مشاكل جمة ليس أقلها الضغط على سعر الدينار العراقي من قبل السوق الموازي.
عقوبات محتملة
أن نشر قوات خارج العراق سيزيد من النفقات الحكومية من جهة ويفاقم الطلب على الدولار مما يزيد من قيمته في مقابل الدينار العراقي. هذا فضلاً عن العقوبات المحتملة التي يمكن لأدارة ترامب فرضها تحت حجج مختلفة لمعاقبة العراق على أنحيازه للمحور المعادي لأمريكا.
أن أنصار التدخل العراقي في سوريا ينطلقون من ذات نظرية (وحدة الساحات) التي تخلى عنها من أخترعها (أيران) حينما أدركت أن مصالحها الوطنية تقتضي التركيز على الأمن الوطني الأيراني وتجنيبه لمواجهة مباشرة مع أسرائيل. فأذا كانت الدول التي هي أكثر قدرةً من العراق قد وازنت بين مبادئها وبين واقعها،وأختارت البراغماتية،فلماذا يريد البعض من العراق أن يكون كبش فداء الآيدلوجيا؟!
أما من يقول بأن دول العالم تفضل القتال خارج حدودها لتأمين أمنها،فأقول أن هذا صحيح لكن حينما تكون لتلك الدو القدرة على مواجهة تعقيدات مثل هذا القرار وتداعياته السياسية والأقتصادية والأمنية.
أن دول مثل أمريكا وروسيا وحتى تركيا وأيران لديها مثل هذه الأمكانات التي تتيح لها اللجوء الى مثل هذا الخيار.
لكن العراق الذي يتعافى تدريجياً من سنوات الأحتلال والأرهاب،والذي يعاني كثيراً من مشاكل وأنقسامات سياسية داخلية لا يمكنه بأي حال من الأحوال تحمل التبعات السلبية الكبيرة لمثل هذا القرار المقامِر وليس فقط المغامِر. أن المبدأ الأول من مبادىء الحرب التسعة المعروفة هو توخي الهدف. بمعنى حشد كل الموارد والقوات لتحقيق الغاية الرئيسة.
فأذا كانت غايتنا هي حفظ النظام في العراق فعلينا أن نتجنب أرسال أي قوات وتحت أي عنوان أو ذريعة.