الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أسعد توفيق .. المدرس في خاطري

بواسطة azzaman

أسعد توفيق .. المدرس في خاطري

أحمد عبد المجيد

 

من الفضائل العديدة لتكريمات الأستاذ سعد البزاز للمبدعين، التي تقترن باحتفالات تتزامن معها او تقام من أجلها، انها توفر فرصة نادرة للقاء أحبة وقامات أبوية وعلامات فارقة في حياتنا، ربما غيبت أو غابت أو حاول النسيان طي صفحاتها. وفي أربيل، كما هي في بغداد، وفرت لنا احتفالية تكريم الباحث والمفكر عبد الحسين شعبان بقلادة الابداع، لقاءً غير متوقع بأحد مدرسينا الذين تركوا بصمة لن تنسى في الذاكرة. فقبل نحو 60 عاماً تتلمذنا على يد مدرسين افاضل في الدراسة المتوسطة والاعدادية، بينهم مدرس اللغة العربية أسعد توفيق. ذلك الموصلي الرشيق في بدنه وعقله والدافئ في سلوكه، الذي قدم للتدريس الى ثانوية كربلاء للبنين، وواصل المهمة فيها بعد انشقاقها الى متوسطة سميت بالوحدة، واعدادية حملت اسم المدينة حتى اليوم. وربما قلة من الاجيال اللاحقة يستوقفهم اسم أسعد توفيق، لغلبة اسمي شقيقيه أرشد الدبلوماسي الاديب والاعلامي الكبير وأمجد القاص والروائي البارز، لكن الكثير من أهالي كربلاء مازالوا يحتفظون بمواقف للرجل، الذي أمضى سنوات شبابه مع العائلة في كربلاء، أطول مما عاشها في مسقط رأسه.

تخرجت من الاعدادية عام 1970 ملتحقاً بالكلية، وغابت عني اخبار استاذي الفاضل أسعد توفيق، الا نتف عابرة اسمعها من شقيقه الصديق أمجد أو من زميل المهنة شقيقه الاصغر أكرم، لكن صورته واسلوبه في الحياة والتدريس ظلا ماكثين في خاطري، الى درجة انني أماهي بهما نفسي أحيانا. هل هو الاقتداء أم الشبه النفسي؟ هل هو الاحترام الجليل والامتنان النبيل أم الحنين الى الماضي والتأمل فيه؟

كانت مفاجأة سارة وغير محسوبة أبداً، أن التقي معلمي الذي أفهمني ابجديات اللغة وارشدني الى دروب الهوى اليساري، التقيه وجهاً لوجه، والمفاجأة المدهشة اني وجدته في عنفوان الشباب وقوة الذاكرة، وجمال المحيا وسيماء الوجاهة، التي ظلت راسخة في قعر روحه. ولم أخف سعادتي فأطلقت صرخة اعجاب وبسطت امامه شعوراً بالطاعة المطلقة، فانحنيت، من فوري، على يده أقبلها، محاولاً حبس دموعي ازاء فرحة غمرتني من قمة رأسي الى أخمص قدمي، لقد ارتقيت وأنا اسحب يده ناظراً اليه من أسفل الى عليائه. وبادلته كلمات ظلت عاجزة عن الارتقاء الى قامته او اشراقة وجهه أو ايجاد مفردة تناسب فضل حمّلني اياه موقف أو مواقف شهدتها معه في اعدادية كربلاء.

كان أسعد توفيق وما زال كريماً في عواطفه راقياً في نبل تعامله، وينطبق عليه قول برناردشو (لا علاقة للزمن بالنضج، نحن نكبر من خلال التجارب). ظل أسعد توفيق  استاذاً في الدرس كما هو في الحياة، لم يتغير رغم عواصف الزمن وتحديات العمر، وفي اليوم التالي شاهدته وانا بمعية زوجتي، فانحنيت فوراً مرة أخرى، دون ارادة من صحفي واستاذ جامعي طاول السبعين، أقبل يده، راكعاً بكل محبة واجلال أمامه، فلا غرابة فالمعلم يصلح الأرض ويبشر بالمستقبل، وتذكرت قول الامام علي عليه السلام (من علمني حرفاً ملكني عبداً). ومن آيات وفائه وتقديره لموقفي تلقيت منه الرسالة التالية بعد ايام من لقاء أربيل، اضعها امام القراء ليكتشفوا معدن أسعد توفيق، الذي هو معدن كل مدرس عراقي شيد صروحاً لوطنه ولتأكيد حقيقة ذكرها القاص الروسي انطون تشيخوف (لا يمكنك أن تجد رجلاً شريفاً، تافهاً أبداً):

(اللغة أرقى ما اخترعه الإنسان في مسيرته، إلا انها خذلتني وانا العارف بأسرارها، المتحكم في مفاصلها في التعبير عما جاش في صدري وانت تطوقني بفيض محبتك، وصفاء مشاعرك، ونبل عواطفك، وصدق حنانك.وجدت نفسي في دوامة من مشاعر الفرح المؤطر بالدموع، وفي ومضة من ومضات الروح ، عصيّة على التعبير ، حبيبة على القلب وأنا ألقاك على غير موعد.

اليك، ايها العالي مقاما، العظيم خلقا،المتألق دورا،

الجميل اسماً وفعلا، تحية حب صادق واعجاب عميق من قلب أثقله كرً السنين وأنعشته بفيض محبتك وبديع خلقك).

أسعد توفيق

 

 

 


مشاهدات 248
الكاتب أحمد عبد المجيد
أضيف 2024/12/30 - 3:57 PM
آخر تحديث 2025/01/22 - 3:08 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 334 الشهر 10269 الكلي 10200234
الوقت الآن
الأربعاء 2025/1/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير