مشاهدات من لبنان
الروشة.. صخرة الحب والإنتحار والقفز إلى البحر
رعد أبو كلل الطائي
صخرة الروشة هي عبارة عن صخرتين كبيرتين قريبتين من شاطئ منطقة الروشة في بحر بيروت الغربي على ساحل البحر المتوسط الأولى وهي الكبيرة وكذلك تسمى بصخرة الحمام وبصخرة الحب وبصخرة الانتحار ويبلغ ارتفاع قمتها ما يقارب 70 متراً وعرضها حوالي 25 متراً وفي الأتجاه المقابل توجد إلى جانبها صخرة ثانية مدببة اقل ارتفاعاً وهاتان الصخرتان طبيعيتان نحتتهما الأمواج مقابل رأس بيروت في حين يخترق اسفل الصخرة الكبيرة نفقاً طبيعياً تمر القوارب السياحية من داخله وتحيط بهاتين الصخرتين المحاذين لشاطئ المنطقة المسماة اليوم الروشة مياه البحر من كل جانب وكأنهما جزيرتان حبلتان ويوجد إلى جانبهما نحو سبعة كهوف ومغارات بحرية تحتوي على بعض الأسماك والحيوانات البحرية النادرة من بينها السلاحف الخضراء .
قصة الصخرة
كانت صخرة الروشة احدى المحطات الأساسية لمستشرقي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الذين وفدوا لاستكشاف الشرق الأوسط في ظل الحكم العثماني وتبرز الصخرة وتطغى بوضوح على سائر المشهد في الرسومات التي اعدها أولئك المستكشفون الأوائل بين عامي 1831 و1840 أثناء حملة محمد علي باشا إلى بلاد الشام .
ويفترض بعض علماء الجيولوجيا ان صخرة الروشة ظهرت بسبب عدة زلازل كبيرة ضربت بحر بيروت الغربي في القرن الثالث عشر إذ أدت هذه الزلازل إلى ظهور تسونامي هائل من اجتياحات مائية عنيفة اهتز لها بر المدينة في ذلك الشاطئ بالذات فتصدعت صخوره وتشققت وانفصلت عن البر فيما أدت كذلك إلى القضاء على العديد من الجزر المأهولة في ذلك الوقت وظهر في محلها صخور كثيرة وكبيرة منها صخرة الروشة القريبة من البر ويُعتقد ان معنى الروشة أو صخرة الحب مشتقة من كلمة روش بالآرامية والتي تعني كلمة رأس وان كلمة روشن تعني باللغة الفرنسية صخرة .
معلمٌ سياحي
مشهد الروشة يُعد من أبرز عجائب الطبيعة في لبنان والعالم ومشهدها بمثابة الشمس وهي تعانق المياه من خلف هذه الصخور وتحفة فنية في غاية الروعة والجمال والصخرة الضخمة تقف مثل الحارس العملاق وهي تقبع على شاطئ شرق البحر المتوسط وتُعد نقطة الالتقاء الأبرز بين شرق وغرب دول العالم وهي من المعالم التي صنعتها الطبيعة وتشكل لوحة نادرة رائعة الجمال الأخاذ من الصنع الإلهي العجيب وواحدة من أروع المعالم السياحية والآثارية في لبنان .
والروشة ترمز إلى مدى عراقة مدينة بيروت العربية والتي اشتهرت وذاع صيتها خلال العصور الهلسنكية والفرعونية والرومانية واليونانية الموغلة في الزمن وكانت بيروت سُميت اُم الحرف لاستخدام الفينيقيين الحرف في تخاطب الناس وأم الشرائع في العصر الروماني لتنظيم أمور الناس .
كما هي معلم سياحي رئيسي ومزار وقبلة مهمة في لبنان للعديد من الزوار يقصدونها للأستمتاع برؤيتها ومشاهدتها عن قرب وأخذ الصور التذكارية وفي الغالب يقوم الزوار بجولة بحرية من خلال ركوب القوارب والتي تبحر حول الصخرة وتعبر من التجويف الموجود فيها ويشهد كورنيش البحري المحاذي لصخرة الروشة وعلى شارع الجنرال ديغول وصولاً إلى عين مريسة اكتظاظاً بالزائرين وهي وجهة شعبية للسكان المحليين وخاصة في عطلة نهاية الأسبوع كما يستقطب الزوار السواح القادمين من خارج لبنان على حدٍ سواء.وما من احد زار لبنان من المسؤولين والدبلوماسيين ورجال الفكر والإعلام والصحافة والتجار ورجال الأعمال والرياضيين وغيرهم إلا ومر بهذه التحفة الجمالية المنتصبة بالقرب من كورنيش البحري المحاذي للورشة لمشاهدة هاتين الصخرتين العملاقتين بأُم العين .وان هاتين الصخرتين كانتا تجذب الغواصين من مختلف أنحاء العالم لغِنى منطقتهما بالحيوانات البحرية النادرة وكانتا جزءاً من بر الجزيرة قبل الآلاف من السنين ثم راحت تنفصل عنه بفعل الأمواج والمد والجزر والريح والاجتياحات المائية والزلازل . وعلى الرغم من ان محبي السباحة والقفز من الأماكن المرتفعة كثيرون فإن القفز من صخرة الروشة هذه ليس بالأمر السهل ولا يمكن لأي شخص القيام بهذه التجربة لأن القفز من المرتفعات تعتبر رياضة لها قوانينها وهناك طرق معينة لممارستها بطريقة سليمة ويقصدُوها الكثير من الغطاسين الذين يتدربون لسنوات بهدف القفز من هذا الارتفاع وهناك طرق علمية لممارستها لتفادي أية اصابات وتجذب الصخرة الشهيرة محبي القفز من الأماكن المرتفعة في لبنان والخارج والعديد من الأشخاص يقومون بتجربة القفز منها في موسم الصيف خاصة وغالباً يستضيف لبنان جولات من بطولة القفز في المياه من المرتفعات من على صخرة الروشة .
وهناك في لبنان وضع قانون للسلامة العامة يمنع فيه الصعود إلى الصخرة والقفز منها إلا بإذنٍ وفي حالة تنظيم اي نشاط رياضي على أعلى الصخرة لا بد من الحصول على إذنٍ مسبق .
ويعتبر أبناء بيروت هم السباقون في القفز من على صخرة الروشة وهم الرواد والرائد الأول هو البطل يوسف عثمان من عين مريسة الواقعة على الساحل وقريبة من الروشة والذي قفز من على صخرة الروشة عام 1991م ومن قبله كانت هذه هواية محمود ومحمد عينتابي من أبناء رأس بيروت.
ومنذ عام 2015 تحولت هذه الصخرة إلى مكانٍ للإحتفالات الوطنية .
حي تجاري
ويشهد حي الروشة وهو حي سكني وتجاري شهير بمبانيه الراقية وشاهقة الارتفاع بوجود العديد من المطاعم التي تقدم أشهى المأكولات سواء كانت شعبية أو غربية بجانب المقاهي العديدة المنتشرة على طول كورنيش بيروت بجانب تلك الصخرة وكذلك الفنادق ذات الأطلالات الرائعة والتي يطل معظمها على الساحل المعروف بساحل الروشة مما جذب الكثيرين لزيارته والأقامة فيه وعلى طول شارع الجنرال ديغول الموجود فيها وهذا الشارع يشكل جزءاً لا يتجزأ من كورنيش بيروت ويأتي عدد كبير من الناس للأستمتاع بالجري على الأرصفة وإقامة الأنشطة السياحية المختلفة .