الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تجربة مراجعة يقودها وزير سابق.. الخصخصة آخر الدواء لتجاوز الثقب الكهربائي الأسود

بواسطة azzaman

تجربة مراجعة يقودها وزير سابق.. الخصخصة آخر الدواء لتجاوز الثقب الكهربائي الأسود

باسل الخطيب

 

إستغرب أصدقاء أبو كريم من عدم تعليقه على تصريحات السفيرة الأمريكية في العراق، ألينا رومانوسكي، بشأن موضوع الكهرباء في العراق، لاسيما وهو المهندس الذي أفنى عمره في قطاع الكهرباء قبل تقاعده، لكنه آثر تغير الموضوع ودعاهم لاستئناف لعب الطاولي وعدم «إثارة المواجع» بحسب تعبيره.

وكانت رومانوسكي، قالت في تغريدة لها بتاريخ 21/12/2023، إن الولايات المتحدة «تعمل مع الشركات والمنظمات الدولية لتزويد العراق بتقنيات جديدة وتوفير المزيد من الكهرباء للمزيد من الأسر خاصة خلال أشهر الصيف الحارة»، مشيرة إلى أن شبكة الكهرباء في العراق «تفقد ما بين 40 و50٪ من إجمالي الطاقة التي تنتجها قبل وصولها إلى المنازل»، وأن شبكات الكهرباء القديمة يمكن أن «تفقد ما يصل إلى 70٪ من الكهرباء بسبب عدم الكفاءة والتسريب».

لكن أصحاب أبو كريم، ألحوا عليه للفضفضة بشأن الموضوع الذي بات لعنة تطارد الناس صيفاً وشتاءَ، برغم مليارات الدولارات التي أنفقت على الكهرباء، والوعود المعسولة التي يسمعونها كل سنة بشأن انفراج أزمته من دون جدوى.

تنهد الرجل قبل أن يقول لهم يا جماعة أولاً وقبل كل شيء «ينبغي أن يفهم الجميع إن المنظومة الكهربائية عبارة عن شبكة معقدة ومترابطة من الأجهزة والمعدات وخطوط النقل والتوزيع تتطلب قدراً كبيراً من العمل المنضبط والإدارة الجيدة والخبرة والصيانة الدورية على وفق الأسس العلمية السليمة فضلاَ عن التحديث المستمر وإضافة وحدات توليدية جديدة تلبي النمو السكاني المطرد وحاجة مختلف قطاعات العمل والإنتاج»، مبيناً أن غالبية تلك العوامل «لا تتوافر حالياً بالنحو المطلوب لاسيما في ظل الفوضى التي يشهدها البلد وتغول الفساد والهيمنة الحزبية والعشائرية فيه بنحو غير مسبوق».

وأوضح أبو كريم، للتذكير فقد كان بإمكان العراق «إنتاج نحو تسعة آلاف ميكا واط عام 1990.. وكان من المؤمل أن ينفذ مشاريع تمكنه من مضاعفة هذا الرقم عام 2000.. لكن الظروف والملابسات والتحديات المعروفة أطاحت بالأحلام الكهربائية، وبات الإنتاج بعيداًعن الطلب المحلي الذي تضاعف كثيراً لاسيما بعد 2003».  

خيبة أمل من (الأصدقاء)

وأبدى خيبة أمله من (الأصدقاء) الذين «استعرضوا كل أنواع صنوفهم العسكرية ومعداتهم الحربية، لكنهم بخلوا بالمساعدة الجادة والفاعلة في موضوع الكهرباء، فلم يسهموا في إعادة الحياة لهذا القطاع الحيوي وإعادة هيكلته وتجديد وحداته التوليدية وشبكات نقل الطاقة وتوزيعها التي باتت متهالكة»، مستدركاً بل أن شركاتهم العملاقة «لم تقدم شيئاً حقيقياً يذكر على هذا الصعيد، برغم سجلها الحافل بالإنجازات العلمية والتكنولوجية الخارقة، التي تعدت نطاق الأرض وغلافها الجوي، إلى أرجاء الكون الفسيح.. كما لم يقدموا فكرة خلاقة تسهم في فك الاختناق الكهربائي أو التخفيف من وطأته على الشعب وأهل الكهرباء والحكومات المتعاقبة في آن معاً».

هنا سأل زملاء أبو كريم، عما إذا كان قد إطلع على ما ذكره وزير الكهرباء الأسبق، المهندس الاستشاري سحبان فيصل محجوب، في مقال نشره في (الزمان) الغراء بتاريخ 23/12/2023، من أن السفيرة «لم تأت بجديد بشأن النسبة المئوية للضياعات بأنواعها المختلفة إذ يجري الإعلان عنها دون تحفظ وفي مناسبات عديدة»، مؤكداً على أن وسائط تخفيض هذه الضياعات «معروفة ومطبقة في المنظومة الوطنية وعلى جميع مفاصل العمل وقد كانت ذات فعالية كبيرة قبل الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003 م حيث لم تتجاوز معدلات المقادير المثبتة للضياعات الكهربائية آنذاك ما نسبته 12 بالمئة في عموم الشبكة وهي تقع ضمن النسبة السائدة عالمياً والبالغة ما بين 5 إلى 20 بالمئة من إجمالي الطاقات المنتجة».

وبينوا أن الوزير الأسبق، المشهود له بالخبرة والكفاءة، انتقد السفيرة عندما بين أن حالة التعثر في استمرارية التيار الكهربائي واستقراره «لا تنحصر في أشهر الصيف اللاهبة فقط بل أن معاناة العراقيين مستمرة وتتعدى ذلك لتشمل كافة شهور السنة، كما أن خدمة تجهيز الطاقة الكهربائية تتطلبها كافة القطاعات الخدمية المختلفة وكذلك الانتاجية بالإضافة إلى قطاعات الحياة الأخرى وليس لمتطلبات الحياة المنزلية ومزيداً من الأسر فقط كما تم تحديده في حديث السفيرة»، ولتعمدها «تغييب دور القدرات الوطنية عمداً أو دونه وتناول العمل مع الشركات والمنظمات الدولية في تهميش واضح للمؤسسات العراقية صاحبة الشأن وذات الخبرات الواسعة والمهارة المشهود لها في إدارة ملف الكهرباء قبل الاحتلال وفي ظروف استثنائيه فرضتها قرارات الحصار الاقتصادي حينها واستمرت لحد الآن على الرغم من التحديات الكبيرة والمعوقات المعطلة لاتمام عملية إصلاح وترميم مكونات المنظومة على نحو شامل» . ابتسم أبو كريم، قبل أن يؤيد قول رفاقه بشأن الأستاذ سحبان وهمته وكفاءته العالية، لاسيما أنه عمل بمعيته منذ أن كان مديراً عاماً لكهرباء بغداد، وللتدليل على كلامه، قال إن وزيراً سابقاً للكهرباء بعد سنة 2003 «دهش عندما علم من الملاك التقدم في الوزارة خلال اجتماع ضمهم، أن منتسبي محطات التوليد كانوا في الغالب هم الذين يقومون بأعمال الصيانة وإصلاح الأعطال بمساندة متخصصين من منتسبي الوزارة وبعض شركات وزارة الصناعة والمعادن أو التصنيع العسكري حينها»، لافتاً إلى أن ذلك الوزير «دهش أكثر عندما أبلغ أن أولئك العاملين أنفسهم باتوا يرتدون أفخر البدلات وأغلى ربطات العنق والأحذية ويستنكفون النزول إلى مواقع العمل في الوحدات التوليدية (السايت) خشية اتساخها أو تلوثها»!!!

زمرة متقاعدين

وسأل أبو كريم جماعته من زمرة المتقاعدين، عما إذا كانوا يعلمون عن الكيفية التي كانت تتم بها صيانة المحطات التوليدية بعد 2003 وإلى وقت قريب، وأكمل قبل سماع ردهم أن ذلك «يتم من خلال شركات وهمية أو مقاولين يستعينون في الغالب بمنتسبي المحطة المراد صيانتها نفسها أو سواها من المحطات بعد أن يأخذوا إجازات من عملهم الرسمي للعمل مع المقاول أو الشركة مقابل أجور مجزية لاسيما أن تلك العقود مليونية»، متابعاً أن عمليات لحام مراجل الوحدات الكهربائية باتت «تتم من قبل لحامين من الشيخ عمر في حين أنها كانت لا تتم قبل 2003 إلا من قبل لحامين متخصصين مجازين من المعهد المتخصص التابع لوزارة الصناعة».

واستطرد الرجل، أن الأدهى والأمر يكمن في «سوء التخطيط وفساد التعاقدات الداخلية والخارجية الذي يزكم الأنوف وجلب وحدات غازية من دون توافر الغاز اللازم لتشغيلها وتعمد عدم استثمار الغاز المحلي وهدره بنحو عجيب، فضلاً عن المشكلة المزمنة مع وزارة النفط بشأن تجهيز الوحدات التوليدية بحاجتها من الوقود برغم أن البلد يجهز بلداناً أخرى بحاجتها منه!! ناهيكم عن التدخلات الناجمة عن المحاصصة والأمور الحزبية التي أتت بأشخاص غير مناسبين لشغل مناصب مهمة فضلاً عن الإنفلات الوظيفي»، مستدركاً أما التوزيع والتجاوزات «فحدث ولا حرج» بحسب تعبيره.

الخصخصة هي الحل

وبشأن الحل الذي يراه أبو كريم، بعد تلك الصورة السوداوية التي رسمها.. أطرق الرجل وقال «لا حل إلا بالخصخصة»، فصاح رفاقه «أعوذ بالله قل غيرها يا رجل».. فضحك أبو كريم، وقال لهم «تصوروا حالكم لو لم يتم تخصيص قطاع الاتصالات الهاتفية وبقي الأمر مقتصراً على الدولة»، لافتاً إلى أن وجود شركات الاتصالات الخاصة وتنافسها «أسهم في توفير خدمات اتصالات مستمرة ومقبولة ومعقولة إلى حد كبير، مثلما أسهم وجود أصحاب المولدات.

 في تخفف وطأة أزمة الكهرباء على الناس برغم سلبياتهم».

 

واستبعد أبو كريم، وجود «أي حل قريب لأزمة الكهرباء في ظل الأوضاع الحالية»، عازياً السبب إلى «الفساد المتغول والهيكل الإداري الحالي الذي يدير المنظومة الكهربائية الوطنية والتداخلات الكثيرة في عملها بسبب طبيعة النظام القائم في البلد حالياً والفوضى التي تضرب أطنابها في المحافظات»، بحسب رأيه.

ثقب أسود

وتابع الرجل، أن الكهرباء عبارة عن «صندوق أسود لا يفك طلاسمه إلا ثلة قليلة من الراسخين في شؤون القطاع وشجونه وأنه بوضعه الحالي بات كالثقب الأسود الذي يبتلع كل ما يضخ فيه من أموال ومعدات وجهود»، مدللاً على كلامه بأن صدام حسين نفسه، بما عرف عنه من صرامة ودكتاتورية «لم يتمكن من سبر أغوار قطاع الكهرباء تماما»!!!

هنا تعجبت جماعته من ذلك وتساءلوا «هل يعقل ذلك يا رجل»؟! فتابع أبو كريم مدللاً على كلامه، ذات لقاء موسع للملاك المتقدم لقطاع الكهرباء «سأل صدام جملة أسئلة تضمنت بعض المقترحات لمعالجة أزمة الكهرباء»، لافتاً إلى أن وزير التجارة حينها، د.محمد مهدي صالح، الذي حضر اللقاء مع مجموعة من الوزراء الآخرين، وكان يجلس بجوار صدام، كشف ذات لقاء جمعه بوزير الصناعة والمعادن، الراحل الكبير عدنان العاني، خلال افتتاح معمل السيراميك في الرمادي، عن أن صدام «همس في إذنه قبل أن يستمع لإجابة المعنيين في قطاع الكهرباء على أسئلته ومقترحاته، قائلاً ما مفاده سيماطلون ويغرقونا في تفاصيل ضبابية ولن نخرج منهم بعقاد نافع!!! وهو ما كان».

ورأى أبو كريم، أن وزارة الكهرباء بوضعها الحالي «لن تتمكن من إدارة المنظومة الوطنية التي تضم قطاعات التوليد والنقل والتوزيع بكل تعقيداتها ومشاكلها واتساع نطاقها مهما فعلت وتلقت من دعم مالي وغيره؟!»، عازياً ذلك إلى جملة أسباب منها «هيكلية وإدارية وتنظيمية فضلاً عن أخرى خارجية تتعلق بطبيعة النظام القائم على المحاصصة وهيمنة الأحزاب والعشائر وقوى اللا دولةعلى مقدرات البلد».

وبشأن الحل الذي يراه، يرى الرجل أنه يكمن في «توزيع البلد إلى أربعة أو خمسة قطاعات والتعاقد مع شركات عالمية رصينة منتجة للوحدات التوليدية حصراً، وهي معروفة للقاصي والداني، لاسيما الأميركية والألمانية والبريطانية واليابانية والروسية والصينية، لتتولى قطاع الكهرباء فيها بالتعاون مع شركات أو جهات محلية من القطاع الخاص بموجب عقود ملزمة تتولى بموجبها توفير الكهرباء المستمرة والمستقرة والكافية للناس ومختلف قطاعات العمل والإنتاج خلال مدة زمنية محددة لا تتجاوز العامين بأي حال من الأحوال وحل وزارة الكهرباء الحالية على أن تتولى الدولة الإشراف على القطاع على غرار ما هو معمول به مع شركات الاتصالات لتريح وتستريح»، لافتاً إلى أن من شأن ذلك أيضاً أن «يشجع على الاستثمار الحقيقي للغاز العراقي وعدم الاعتماد على الخارج في تأمينه فضلاً عن توفير مليارات الدولارات لخزينة الدولة وربما استثمار حقيقي للطاقة الشمسية وطاقة الرياح في توليد الكهرباء».

وقبل أن يفيق جماعة أبو كريم من الصدمة، يتابع قائلاً ترى «هل تعلم السفيرة الأمريكية كيف يدار قطاع الكهرباء في بلدها؟»، ويستطرد أن أمريكا «موزعة إلى عدة قطاعات تتولى تأمين الكهرباء لها على مدار الساعة شركات متخصصة». 

هنا أطرق المتقاعدون من أصحاب أبو كريم رؤوسهم واستغفروا الله العلي العظيم، قبل أن يبدوا تأييدهم لما طرحه صاحبهم من حل وجدوا أنه يشكل «آخر الدواء»، عسى ولعل أن يسهم في تخليص الناس من لعنة الكهرباء التي باتت كابوساً مزمناً يؤرق مضاجع العراقيين لاسيما في ظل درجات حرارة تقارب نصف درجة الغليان، وبرودة تنخر العظام.


مشاهدات 658
الكاتب باسل الخطيب
أضيف 2023/12/27 - 4:40 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 7:00 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 321 الشهر 11445 الكلي 9361982
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير