ذكر الموت في قصيدة
عندما نقرأ ترجمة الشاعر العباسي أبو العلاء المعرّي، نجده قد نال من الدنيا أشدّ صعابها وابتلاءاتها ومِحَنِها، وقد ذكر هذا في شعره الذي يفيض لوعةً وحزنًا لما لاقاه في حياته، فقد أُصيب بمرض الجُدري وهو في الثالثة من عمره، مما تمخّضت هذه الإصابة بفقد بصر إحدى عينيه في عامه الرابع، فعاش ببصرِ عينٍ واحدة حتى بلغ الرابعة عشرة من العمر، حينها أوجعته الحياة ثانيةً بموت أبيه ورحيله إلى دار الخلود، ففقد بصر عينه الأخرى وتلى هذين الفقدين، فقد أمه أيضًا، عندها طلّق الدنيا واعتزل الناس وكرِه النساء ولزم بيته وأطلق على نفسه لقب: (رهين المحبسين) أي محبس العمى ومحبس البيت، وقال في دنياه التي أوجعته كثيرًا:
تَعَبٌ كُلُّهَا الْحَيَاةُ فَمَا أَعْـ
ـجَبُ إِلَّا مِنْ رَاغِبٍ فِي ازْدِيَادِ
إِنَّ حُزْنًا فِي سَاعَةِ الْمَوْتِ أَضْعَا
فُ سُرُورٍ فِي سَاعَةِ الْمِيلَادِ
لذا يمكننا الآن أن نعلّل سبب ذكر الشاعر المعرّي الموت في مطلع قصيدته المعنونة: «غيرُ مُجدٍ في مِلَّتي واعتقادي». وجاء ذكره للموت بمفردات مختلفة، وهي: (القبر واللحد والدفن) وذلك لمروره بأزمات نفسية وضروف عصيبة ضاقها منذ طفولته آلمته وعانى منها كثيرًا، وبيّن الشاعر شيء منها في البيتين الشعريين أعلاه، وهما من القصيدة نفسها التي ذكر فيها الموت.
حسين سامي الجعفري - كربلاء