الباسطرمة .. حملها الأتراك إلينا فأبدعنا في صناعتها

بغداد - نوفل الراوي

شعوب العالم تتباهى ؛ بل تتبارى فيما بينها في سبيل تأكيد هويتها  ، واعلان حضورها في مجالات الأبداع كلها .. وتعمل في دأب ونهم مستمرين كي تتضح بصماتها للقاصي والداني أيمانا منها بأن هذه البصمة تعبر عن أصالتها ورغبتها العارمة في التفاعل مع بقية المجتمعات

وأذا كانت أطباق الطعام أحد تلك الوسائل التي نوهنا عنها ؛ فأن (الباسطرمة ) الموصلية تبقى واحدة من أبرز الأكلات التي شاع صيتها محليا بل تعدى حدود البلاد ووصلت أوربا والولايات المتحدة والعديد من الدول العربية

وعلى الرغم من الحقيقة التأريخية التي تقول أن الباسطرمة قد وصلتنا لأول مرة من خلال الحملات العسكرية التي شنها العثمانيون على البلدان في منطقتنا العربية اذ كان الجند الأتراك يحملونها و يعملوا على تجفيفها كي لا تفسد ثم يتناولونها كوجبة غذائية رئيسة مهما مر عليها الوقت

أقول على الرغم من ان الباسطرمة كانت دخيلة على الأكل العراقي كما ذكرت ؛ ألا ان الموصليون منذ تلك الحقبة استطاعوا اكتساب تلك المهارات وعملوا على صناعة الباسطرمة داخل بيوتهم في باديء الأمر لتكون طعاما دسما يناسب فصل الشتاء المعروف بانخفاض دراجات الحرارة فيه الى ما دون الصفر المئوي مما يتطلب الأمر مثل هذه الاطعمة التي تمد الاجسام بالطاقة اللازمة لمواجهة ايام البرد ولا سيما ان الباسطرمة مصنوعة من اللحوم الخالصة .

وعلى مدار العقود صنعت الجدات والأمهات الباسطرمة داخل بيوتهن ، ومع مرور الأيام شاعت هذه الصناعة الشعبية في غالبية المنازل.

توارث صنعة

الا ان هناك بيوتات وأسماء  كانت الأكثر شهرة في صناعة الباسطرمة مثل الحاج يونس وبيت أسوفي وغيرهما

يقول ا حد ابرز الذين توارثوا هذه الصنعة وهم عائلة الحاج يونس الشكرجي ان جده امتهن صناعتها منذ افتتح اول محل متخصص في منطقة الميدان عام 1949 ثم نقل عمله الى الجانب الأيسر من المدينة      و يمكن القول ان صناعة الباسطرمة حرفة شعبية كبقية الحرف التي عرفتها مدننا لكن ما يميز شذا المنتج عن سواه هي جودة اللحم و ( خلطة ) التوابل التي تدعك مع اللحم قبل ان تعبأ في أكياس مصنوعة من ( السنديل) وتعلق في الهواء حيث لا تؤكل مقلية الا بعد اكتمال جفافافها

ويكمل : صارت الباسطرمة تصنع باستخدام الالات

الميكانيكية بعد ما كانت تتم بوساطة الالة اليدوية وهذا ما جعل الجهد المبذول أيسر فضلا عن انتاج كميات كبيرة بوقت  قصير .. و بأختصار فأن الباسطرمة تعد بعد اختيار لحوم بمواصفات يتفنن بها أرباب العمل ثم تخلط جيدا بالتوابل الخاصة بها لتعبأ في اكياس ( السندويل ) لتنقل الى الأسواق

اما عن أسعارها فقد يصل سعر الكيلو غرام الواحد الى 16000 دينار فأكثر قليلا .. وربما تجد أسعارا أقل من هذه بكثير لكن ( أسطوات ) العمل يحذرون من تناول تلك المواد كونها مصنعة من لحوم مستوردة مجهولة المنشأ و لا أحد يتكهن متى جهزت و كيف وصلتنا على عكس اللحوم المحلية المعروفة بجودتها و لذة طعمها مؤكدين ان كميات لا حصر تدخل يوميا السوق المحلية..

و يضيف ...  الذي يفرحنا ان الباسطرمة الموصلية صارت مطلوبة في أماكن عدة من العالم حيث دخلت المدن العالمية من خلال العراقيين الذين سافروا الى هناك و افتتحوا محال تجارية هناك و مطاعم تقدم الباسطرمة التي تلاقي قبولا  واسعا  هناك. كما ان منتوجنا غزى قلب اوربا والولايات المتحدة ودول اسيوية مثل الهند و الباكستان وايران زيادة على الدول العربية .. هذا امر يسعدنا كوننا استطعنا نفرض صنف غذائي محلي وجعلناه وجبة او طعاما دوليا .