الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المتوسطة الغربية .. رائدة التعليم في التفوّق والنجاح

بواسطة azzaman

مدارس تربوية تراثية

المتوسطة الغربية .. رائدة التعليم في التفوّق والنجاح

صلاح عبد الرزاق

 

بعد تأسيس الثانوية المركزية رسمياً عام 1927 كانت تضم متوسطة وإعدادية معاً . وفي عام 1929 ارتؤي فصل الدراسة إلى مدرستين: الأولى للدراسة المتوسطة وسميت بالمتوسطة الغربية للبنين. والثانية هي الإعدادية المركزية للبنين. وبقيت لوحة واجهتها القديمة بالاسم القديم (الثانوية المركزية 1927) وما تزال. بدأت عند التأسيس بصف واحد فقط هو الصف الأول المتوسط حسب ما جاء في تقرير وزارة المعارف للعام 1929 1930-.

تأسست المتوسطة الغربية في محلة العاقولية التي تقع خلف تمثال الرصافي ، قرب ساحة الأمين في شارع الرشيد. واندثرت بنايتها عند فتح شارع الخلفاء. وكان عدد سكان المحلة قبل مائة عام يبلغ (1237) نسمة بينما الان لا يتعدى الخمس عائلات فقط. وهي محلة كانت محط سكن كثير من الشخصيات مثل نازك الملائكة بنت المؤرخ الشاعر صادق الملائكة. كما سكنها المؤرخ محمود شكري الآلوسي ، والمصور الموصلي امري سليم (1928 - 2008)

محلات مجاورة

 وسبق أن احتضنت العاقولية مدرستين أخريين : الأولى (مدرسة التفيض) التي تأسست عام 1910 (حاليا مدرسة الرشيد).  والثانية هي (مدرسة 6 كانون الابتدائية المختلطة) عام 1956. وطلاب المدرستين ليسوا من سكان العاقولية بل يأتونها من محلات مجاورة وبعيدة.  

كانت الغربية المتوسطة تأسست عام 1929 مجاورة لمدرسة التفيض في العاقولية ثم في العام الدراسي 1931-1932 انتقلت إلى بنايتها الحالية في منطقة (الكرنتينة) في باب المعظم. وكانت في شمالها (ثكنة الخيالة العسكرية) ومخازن كمرك شمالي بغداد آنذاك. وإلى غرب المدرسة كانت هناك (حديقة المعرض) التي كانت من أجمل حدائق بغداد بعد (بارك السعدون). ومن الشرق (كلية الهندسة) ، ومن الجنوب (كلية الملكة عالية) فيما بعد.

وكان يفصلها عن كلية الهندسة الشارع المؤدي الى (الوزيرية) ؛ وعن (ثكنة الخيالة ) الشارع الذي يربط بين هذا الشارع والآخر الذي يؤدي الى شارع (الإمام الأعظم). وقد ضمت بنايتها الجميلة الكثير من الصفوف وغرف الإدارة والمختبرات والمرسم والمكتبة والساحات والمرافق الأخرى

وفي المدرسة 25 غرفة دراسية و5 مختبرات ومرسم ومكتبة ومصلى وقاعة وكانت المدرسة تصدر مجلة سنوية بأسم “صوت الغربية “ وصدر اول عدد سنة 1954 باللغتين العربية والانكليزية يسهم في تحريرها طلاب واساتذة المدرسة كما كانت تصدر نشرات عديدة طوال مسيرتها الطويلة .(3)

وللمدرسة ملاك تدريسي كبير يصل احيانا الى (50) مدرسا . وللمدير معاونان ، وكان من مدرسيها الاساتذة الشاعر ياسين طه حافظ وموسى ابراهيم الكرباسي وعبد المجيد فارس وهادي رشيد كبة

ارتبطت المدرسة بديوان بوزارة التربية ، مديرية التعليم الثانوي ، وبقيت هكذا حتى عام 1947 ، ثم انفصلت عن وزارة التربية وألحقت بالمديرية العامة لتربية بغداد الرصافة الأولى. وفي الوقت نفسه كانت مرتبطة بدار المعلمين العالية (كلية التربية) كمدرسة يطبق فيها طلاب الكلية الزوائل يُعيّنون في المدرسة كمدرسين مما يرفع من المستوى العلمي لطلاب المدرسة.

في بداية الخمسينيات دخل العنصر النسوي للتدريس في المتوسطة الغربية. ولم تعد حكراً على الرجال فقط ، واستمر هذا التقليد حتى الوقت الحاضر.

المنهج الدراسي

تذكر سجلات المدرسة الدروس الآتية لكل المراحل:

التربية الدينية ,اللغة العربية , اللغة الإنكليزية , التاريخ, الجغرافية , التربية الوطنية , الحساب ,الهندسة , الجبر , المثلثات , الرياضيات العامة ,العلوم العامة , علم الأحياء , الكيمياء , الفيزياء , الصحة , أحوال العراق , الاقتصاد , الاقتصاد المنزلي وتربية الطفل, التربية الرياضية , التربية الفنية.

في العام الدراسي 1980 - 1981 أدخلت تجربة تدريس اللغات الأجنبية الأخرى، فكانت اللغة الفرنسية هي اللغة الأساسية بدلاً من الإنكليزية ، حيث اعتبرت دراستها اختيارية. ولكن بعد تطبيق هذا القرار ظهر أن الاستغناء عن اللغة الإنكليزية غير ممكن لأنها اللغة العالمية الأولى . ولذلك تمت العودة إلى تدريس اللغتين الإنكليزية والفرنسية كلغتين أساسيتين. وكان تدريس اللغات يتم باستخدام مختبر الصوت، وفي السنتين الأخيرتين أدخلت مادة الحاسوب إلى المنهج الدراسي.

تمتاز المتوسطة الغربية بسمعة علمية طيبة في الأوساط الشعبية والرسمية ولذلك ارتأت وزارة التربية اعتبار المدرسة من مدارس الجذب الجيد. وأنها أفضل من تنطبق عليها ضوابط وشروط مدارس المتميزين ، وأن الزخم الهائل والاقبال الشديد على المدرسة ليس بسبب السمعة وشروط القبول الصارمة بل لمستوى تدريسها الرصين إضافة لتاريخها الرائع.

وكان لكل مدرس قاعة خاصة به يأتي إليها الطلاب وليس صفوفاً ثابتة. وقد أثبت هذا النظام نجاحه ولكن هذا النظام لا يطبق في الوقت الحاضر لكوته يُتعب الطلاب بتنقلهم من قاعة إلى قاعة ما يخلق فوضى في الممرات وفي ساحة المدرسة. الأمر الذي دعا إدارة المدرسة العودة إلى أسلوب الصف الثابت والرحلة الخاصة لكل طالب.

النشاطات اللاصفية

وكانت المدرسة تقوم بسفرات مدرسية ورحلات داخل العراق وخارجه منها سفرة إلى ألمانيا عام 1963 وإلى إيران عام 1967. وفي عام 1936 قامت إدارة الغربية المتوسطة بتنظيم سفرة مدرسية إلى الأردن وشملت زيارة مدينة القدس الشريف ضمت عدداً من الأساتذة والطلاب. وتم توثيق تلك السفرة بالصور التي بقيت شاهداً على تلك النشاطات خارج الحدود العراقية. كانت ((الغربية المتوسطة )) تصدر- ومنذ سنة 1954 - مجلتها الموسومة : “صوت الغربية “ كانت مجلة غنية بالمواد وثقت لنا جوانبا كثيرة من تاريخ هذه المتوسطة العراقية البغدادية العتيدة .كما اشتهرت بالنشاطات الأدبية مثل الخطابة والشعر والنشرات الجدارية في شتى المواضيع وطالما حظيت المدرسة باهتمام المسؤولين خاصة وزارة التربية. إذا حظيت بزيارات تاريخية للزعيم عيد الكريم قاسم وعبد السلام عارف ، وأحمد حسن البكر لمتابعة مستوى ولديه الدراسي محمد وعبد السلام. ومن مدراء المدرسة الاساتذة هاشم الالوسي 1929-1932 وطه مكي 1932-1934 وعبد الغني الجرجفجي 1934-1937 وصادق الخوجة 1937-1939 ويوسف زينل 1939-1940 وكمال صدقي 1940-1941 وجمال الدين الالوسي 1941-1942 وحسن كبة 1942-1943 وعبد الحميد الجرجفجي 1943-1944 ونوري الواعظ 1944-1945 واحمد يعقوب الشمسي 1945-1950 ومحي الدين العلاف 1950-1953 وعبد الكريم العطار 1953-1958 وعبد الكريم شاكر 1958-1959 وصالح علش 1959-1960 واحمد الخالدي 1960-1963 ومحمد حسين الرحيم (وكالة )1965-1966 وتوفيق الله ويردي 1963-1973 وعبد الجبار المفتي 1973-1983 وخزعل محمد رحيم التكريتي 1983 ..

كان مدير الغربية المتوسطة في بغداد الاستاذ عبد الكريم العطار الذي تولى ادارة المتوسطة العتيدة هذه بين سنتي 1953-1958 ومعه نخبة من المدرسين والمدرسات ومن المدرسات وهن: بهيجة الحسني ووداد كساب ووداد عطا وايفيت علكة واديبة وسعاد ، ومن المدرسين: محمد علي مصطفى وعبد الجبار مصطفى ويعقوب يوسف وابراهيم يوسف المنصور ويوسف هيلانتو والفنان التشكيلي الكبير ناجي الراوي (4)

شهادات من طلابها

أولاً شهادة السيد مجيد القيسي

التحقت بالمدرسة الغربية المتوسطة عام 1642. وقد تميزت (الغربية) بنظام تعليمي خاص لتدريس المواد. فهو يقوم على مبدأ الصف المتخصص. فهناك صف للغة العربية وآخر للتأريخ وهكذا... حيث يتنقل الطلبة بين الصفوف المختلفة للقاء المدرسين ولأخذ حصتهم من الدروس ، أو لحضور الحصص العملية في مختبرات الكيمياء والأحياء والفيزياء ، أو الانتشار في الساحات لممارسة دروس الرياضة. تعد الغربية المتوسطة من المدارس النموذجية من حيث فلسفتها التربوية والتعليمية والإدارية. فالمناهج وطرق التدريس قامت على مبدأ التفاعل الحيوي المباشر بين المدرس والتلميذ من أجل إشراكه في عملية التعلم ؛ وليكون طرفا فاعلا فيها. وكانت وسائل الإيضاح حاضرة في معظم الدروس. وكان هذا الأسلوب محفزا رئيسا لإغراء التلاميذ ؛ وبخاصة المجتهدين ؛ في اعداد التقارير وإلقائها امام زملائهم. فكان المرء يرى هؤلاء التلاميذ وهم يهرعون الى (المكتبة العامة) القريبة من المدرسة لمطالعة الكتب والنظر في المراجع وإعداد التقارير والواجبات المدرسية.

أما المدرسون فكان معظمهم من خريجي (دار المعلمين العالية) الشهيرة ؛ وخصوصا أولئك الذين حصلوا على تدريبهم العملي فيها. وكانت (وزارة المعارف) تختار الطلبة الخريجين المتميزين من بين هؤلاء للعمل فيها وعلى ملاكها الثابت. كما دأبت على جذب المدرسين المتميزين من كافة الأقطار العربية ؛ وبخاصة مصر وسوريا وفلسطين ولبنان

يضيف القيسي : كان الجو الاجتماعي والتربوي العام يحتضن المدرسين من كافة الإثنيات والطوائف والمذاهب. فتجد المسلم الى جانب المسيحي واليهودي والصابئي. كما تجد العربي الى جانب الكردي والتركماني والسرياني. وجميعهم إخوة يعيشون كأسرة واحدة متعاونة ومتحابة. وكانت (المدرسة) تستقبل الطلاب من كافة أنحاء بغداد ؛ وبالأخص من المحلات القريبة.أما نظام الإدارة المدرسية فكان يقوم على قواعد الجد والالتزام بالمعايير التربوية المعهودة. الى جانب روح التسامح والعدل. وكانت الإدارة والمدرسون يعاملون التلاميذ كإخوانهم الأصغر او مثل أبنائهم تماما. وكانت ظاهرة (المثل او القدوة الحسنة) هي السائدة بين معظم التلاميذ. فمن المظاهر المألوفة ان تجد هؤلاء التلاميذ وهم يحيطون بأساتذتهم بعد انتهاء الحصص الدراسية : يناقشونهم او يتبادلون معهم الأفكار حول الدروس ؛ او ما يخص الشأن العام. ومما ساعد على ترسخ تلك النظم التعليمية والتربوية الجادة أن الجو الاجتماعي العام كان ملائماً ومؤاتياً. فلم تكن هناك وسائل للهو والترفيه او لإضاعة الوقت. كما لم يكن أمام التلميذ سوى متابعة الدروس ومطالعة كتب الأدب والتأريخ ودواوين الشعر. بينما اتجه البعض الآخر لقراءة كتب العلوم ومتابعة الاكتشافات والاختراعات. في حين انخرط آخرون في مزاولة الفنون التشكيلية والموسيقى والتمثيل والرياضة. فلم يكن غريبا ان يجد المرء نسبة لا يستهان بها من التلاميذ وهم يقرضون الشعر او يكتبون القصة او يمارسون الخطابة في المناسبات. ولعلي أذكر بهذه المناسبة بعضا من هؤلاء التلاميذ المعروفين الذين كانوا يمارسون تلك الفعاليات المدرسية.

ويمضي القيسي في سرد ذكرياته عن مدرسته فيقول: كان هناك الزملاء والأصدقاء ( خليل القصب) شقيق الفنان الفطري الكبير (شهاب أحمد القصب) والذي هاجر الى أميركا ؛ و(ياسين طه حافظ) الذي اصبح فيما بعد شاعرا معروفا وغيرهما. وكان من أبرز فعاليات ثلتنا هذه الانخراط في المطاردات الشعرية او إيقاع بعضهم البعض في (مطبات) إعراب (آيات قرآنية) صعبة او أبيات عويصة من الشعر. وكان هناك أيضا ( كريم محمد) الذي اصبح خطاطا معروفا. ويقع مكتبه في ساحة الرصافي. وهناك (نزار سليم) الفنان التشكيلي المعروف والذي تدرب في مرسم الأستاذ (حافظ الدروبي) في المدرسة مع زميله (جمال رسول الزبيدي) ( شقيق الظريف فخري الزبيدي). ولم ننس أيضا الكاتب والأديب (حارث طه الراوي). وهناك كذلك (حسن الناظمي) و(عبد الرحمن بهجت) الملقب بعباس واللذان ساهما في النشاط التمثيلي المدرسي .

وأتذكر أيضا (طارق محي الدين عبد الرحمن) الفارع القامة والذي وصل الى رتبة عالية في الشرطة. وكان من بين مجموعتنا الشخصية المحبوبة (يوسف سعيد) الملقب (بالحجي) والحقوقي (راغب فخري) الذي شغل مركز الادعاء العسكري العام. ومن المصادفات الجميلة أننا انتقلنا سويا الى الإعدادية المركزية حيث عملت على إنشاء (جمعية الصناعات الكيميائية) ؛ فانتخبت رئيسا لها وأنتخب (حجي يوسف) سكرتيرا) و(راغب فخري) أمينا للصندوق. وبرز بين طلبة المدرسة (صفاء محمد علي) الذي وصل الى رتبة لواء في الجيش العراقي الباسل. وكان لولب (المدرسة الغربية) في نشاطه الاجتماعي وفي ظرفه ومقالبه البريئة.ولن أنسى الفنان ( حقي  حسقيل يوسف) عازف الكمان الذي نشأ في محلة الخشالات. كما لم ننس ايضاً الشاعر الشعبي المرموق (عبد القادر محمد) والملقب بالأسود لسمرة بشرته والذي زج به شعره في بعض (المطبات) غير المحسوبة !. وأذكر جيدا انه في أحدى المناسبات المدرسية أخرج قصيدته التي دونها على شريط ورقي طويل وأخذ يقرأ منه شعرا يصف فيه المدرسين مشيراً الى بعض خصالهم وعاداتهم الحميدة ؛ ولكن بأسلوب هزلي فكه. وقد أشاع جواً من المرح والبهجة بين المدرسين والتلاميذ. لكن (الشيطان) اعتاد على تسميم مثل تلك الأجواء المرحة. فحين وصل (عبد القادر) الى أستاذ الرياضيات المتميز علماً وخلقاً وأدباً (گدعون شهرباني) ؛ وكان من إخوتنا اليهود ؛ قال فيه:

شهرباني ديرْ بالكْ

جُرْ عدِلْ ويّا الگبالكْ

ويْ بقىَ أشكُنْ إبدالكْ ..!؟.

وهنا تكهرب الجو.... فانسحبتْ الإدارة وانفض الاحتفال. وسيق (عبد القادر) الى (الإدارة) حيث تم فصله لمدة أسبوعين ...لولا طيبة (الأستاذ) ودماثة خلقه ؛ حيث تنازل عن حقه... فقلصت العقوبة الى ثلاثة أيام. وهكذا كانت الحياة المدرسية تسير بين حزم ... وعدل ورحمة.

ولم يسلم (كاتب هذه السطور) من قبضة ذلك الحزم وأشواك تلك الرحمة. فقد دفعني فضولي وحبي للرسم ان قمت يومها برسم مدرس اللغة الإنكليزية الأستاذ الطيب ( سمعان) وذلك أثناء الدرس... فإذا به يراقبني خلسة ؛ ليمسك بي متلبسا بالجرم المشهود. وبعد انتهاء الدرس اصطحبني معه وعلى وجهه ابتسامة أثارت حيرتي وخوفي!. فإذا بي امام المدير الأستاذ (عبد الحميد). فوقفت أمامه مطرق الرأس... حياء وأسفا. ولم انج من العقاب إلا بتنازل الأستاذ الطيب القلب وبشفاعة بعض المدرسين وفي مقدمتهم الأستاذ (حافظ الدروبي).

أما الملاك التدريسي فكان من أفضل وأقدر من أنجبهم العراق والأقطار العربية. وقد أبدأ بمدرسي اللغة العربية الذين يشكلون قلب المدرسة النابض. وكان أن أكرمت المدرسة بثلاثة مدرسين مصريين من خريجي كلية (دار العلوم) في (جامعة الأزهر) في مصر. وهم الأساتذة (بدوي أحمد طبانة) (١٩١٤- ٢٠٠٠) الذي صار فيما بعد استاذا في الجامعة نفسها ؛ و(محمود ابو الفتوح) و(محمود إبراهيم) الذين تميزوا برفعة الأخلاق وسمو النفس وغزارة العلم. فقد حببوا الينا اللغة العربية: من قواعد وأنشاء وتعبير وخطابة وأدب وشعر.

كما درسنا (العربية) الأستاذ المتمكن (ناصر الحاني) (١٩١٧- ١٩٦٨) الذي انتقل فيما بعد الى السلك الدبلوماسي. والأستاذ القدير (خليل الخشالي) الذي كان قريبا من التلاميذ وخصوصا المجتهدين. ثم يأتي مدرسو اللغة الإنكليزية الذين كانوا أشبه بباقة ورود لكل منها عطرها المتميز. وهم الأساتذة (عزيز شلال عزيز) و(يرفانت ارستاكيس) و(بديل حمو) و(سمعان ...). وكانت لكل منهم شخصيته المتميزة.

وقد أعجب التلاميذ أيما إعجاب بطيبة الأستاذ (عبد الحميد عبد الكريم) وبوقاره وكياسته. فقد كان مدرسا للدين. وكان لدماثة خلقه سمحاً ومنفتحاً ؛ حتى أنه لم يطالب يوما ما غير المسلمين بمغادرة الصف. فكانوا أحرارا في الاختيار. وتتلخص طريقته في التدريس بأن يطلب من التلميذ الجالس في مقدمة الصف أن يقرأ آيتين او ثلاث آيات من المصحف. ثم يبدأ بتفسيرها باقتدار. وبعد أن ينتهي منها ينتقل الى التلميذ الذي يليه ... وهكذا. ولم يخل هذا الدرس من المفارقات والمفاجآت الطريفة. وكان التلاميذ يلجؤون الى خلق شتى الذرائع للتخلص من تلاوة السور الصعبة. ولعل من اكثرها شيوعا قولهم للمدرس ؛ وبلغة الهمس: (أستاذ...آني معذور)..!؟. (٥)

 

ثانياً: شهادة الدكتور إبراهيم العلاف

كان إبراهيم العلاف  (١٩٤٥- ) من الطلاب المتميزين الأوائل ، وبعد تخرجه من كلية التربية (١٩٦٤-١٩٦٧) صار مدرساً متدرباً في الغربية المتوسطة ، يقول: مدرسة الغربية المتوسطة كانت من المدارس الوطنية المهمة وهذه المدرسة لاتزال قائمة في ذاكرة الكثيرين ممن درسوا فيها وانا كنتُ من الذين طبقوا فيها سنة 1967 وكانت لا تسمح بأن يطبق فيها الا للمتميزين من الطلبة وكنتُ انا الاول على دفعتي وطالب في قسم الشرف.

كانت فيها اذاعة داخلية وفرق رياضية وانضباط تام ونظافة. وكان مدرسوها من اكثر المدرسين علماً وقيافة ، والطالب الذي يغيب بدون سبب لابد وان يجلب ولي امره في اليوم التالي . وتجري متابعة الطلبة من قبل اساتذة متخصصين بعلم النفس وعلم التربية من كلية التربية - جامعة بغداد. كانت المدرسة بمثابة مدرسة تطبيقات لكلية التربية وتستخدم كمختبر للمشاهدة في السنة الثالثة من الكلية وللتطبيق في السنة الرابعة وكانت نسبة النجاح للطلبة في الامتحانات العامة لا تقل عن 100 % . (٦)

وللمدرسة تاريخ وطني ومشاركة فاعلة في الانتفاضات حتى ان عددا من طلابها جلدوا بسبب مواقفهم الوطنية من ثورة مايس سنة 1941 ضد الانكليز والسلطة الحاكمة كما فصلوا من الدراسة في عهد وزارة جميل المدفعي اثر فشل ثورة 1941 ووقوع العراق تحت الاحتلال البريطاني الثاني 1941 -1958 . ومن طريف ما نذكره عن المتوسطة الغربية انه في سنة من السنوات كان الاوائل السبعة في الامتحان الوزاري للدراسة المتوسطة في العراق كانوا من الغربية المتوسطة.

 

زيارتي للغربية المتوسطة

في ١٣ آذار ٢٠٢٣ زرت مدرسة الغربية المتوسطة الكائنة في باب المعظم. استقبلني مدير المدرسة الأستاذ محسن ناهض محسن الذي لديه خبرة ثلاثين عاماً في العملية التدريسية والتربوية في المدرسة. وهو خريج كلية الآداب قسم اللغة العربية في جامعة بغداد عام ١٩٨٧.

تحدث الأستاذ محسن حول تاريخ المدرسة فقال:

-تأسست المدرسة عام ١٩٢٩ في مدرسة دينية (تابعة حالياً للوقف السني) استأجرتها وزارة المعارف من وزارة الأوقاف السابقة ، وما تزال البناية مستأجرة. منذ تأسيسها والغربية المتوسطة تضم ثلاثة مراحل: الأول والثاني والثالث المتوسط. ولكل مرحلة عدة شُعَب.

- تدريس اللغة الفرنسية اختياري للطلاب .

- المدرسة مسجلة من الأبنية التراثية في منظمة اليونسكو.

- القبول يجري في التنافس على المعدل العام للناجحين من امتحانات البكالوريا للمرحلة الابتدائية وعادة ما يكون بين ٩٤ – ١٠٠٪ . وتبلغ نسبة النجاح ١٠٠٪ في الصف الثالث المتوسط.

- في المدرسة (٢٠) قاعة صف ، يتم استخدام (١٤) قاعة فقط ، وعدد الطلاب (٥٠٤) طلاب.

- توجد مختبرات للفيزياء والكيمياء والأحياء والحاسوب.

- عدد الكادر التدريسي يبلغ (٣٠) منهم (٢٥) مدرّسة ، وخمسة مدرسين.

- أغلب طلاب المدرسة من أبناء المسؤولين والنواب والتجار.

 

وصف المبنى

شُيّد المبنى من الطابوق والجص ، ويضم عدد من الصفوف بشكل مجموعات ، تطل أبوابها على الساحة.

والمبنى من طابقين ، وقد أضيفت إليه أقسام في مراحل أخرى لاستيعاب نمو عدد الطلاب.

واستخدمت فيه العقود المقوسة في الممرات ومدخل الدرج. السقوف من حديد الشيلمان والطابوق العقادة. والأرضيات من الكاشي الموزائيك. يوجد في الطابق الأرضي رواق (طارمة) ورواق في الطابق العلوي يشكل ممراً للوصول إلى الصفوف . الشبابيك من الخشب  وهي عالية الارتفاع، محمية بقضبان من الحديد. كما توجد سقيفة من الحديد وألواح الچينكو في موقف السيارات. أبواب الصفوف من الخشب المحفور بنقوش هندسية بشكل مربعات ومستطيلات، ومطلية باللون الرصاصي أو البني القهوائي. تعلو الأبواب شبابيك للإنارة ذات أواح زجاجية صغيرة.  الصفوف بارتفاع حوالي أربعة أمتار شأنها شأن الأبنية البغدادية التقليدية. الجدران الخارجية مطلية باللون الأخضر الفيروزي ، وقسم آخر باللون البنفسجي فلا يظهر الطابوق الأصلي ، إضافة إلى تشويه المبنى

في باب المعظم كان هناك جسر مشاة فوق الساحة (الفلكة) القديمة. للجسر أربع فروع لكل منها سلم خاص به، تتجمع الفروع في طرفي الجسر كي يتمكن العابر من الانتقال من الجهات الأربعة للساحة. في الجهة الشمالية هناك جسر لكلية الهندسة (كلية التمريض حالياً) ، يقابله جسر للغربية المتوسطة . وفي الجهة الجنوبية هناك جسر قرب كلية البنات ، وأخر يوصل لمواقف الباصات ذات الطابقين التي كانت تنطلق من الباب المعظم باتجاه المحلات السكنية لبغداد. وقد أزيل الجسر في ما بعد وصار العبور مشياً على الأرض. وتم إنشاء جسر للسيارات يربط بين الشورجة والوزيرية .

 

من أبرز طلاب الغربية المتوسطة

-الرئيس السابق عبد السلام عارف (١٩٢١- ١٩٦٦)

- السيد مسعود البارزاني (١٩٤٦ - )  وأخيه إدريس البارزاني (١٩٤٤- ١٩٨٧)

- الدكتور طارق الهاشمي (١٩٤٢- )

- وزير الخارجية الأسبق صبحي عبد الحميد (١٩٢٤- ٢٠١٠)

- السيد فالح فيصل الفياض (١٩٥٦- ) وأخوه النائب علي فيصل الفياض (١٩٦٣ - )

- يعرب فهمي سعيد (١٩٣٥- ؟) ابن العقيد فهمي سعيد أحد العقداء الأربعة في انقلاب ١٩٤١ .

- الفنان كنعان وصفي (١٩٣٢- ٢٠٠٠)

- المؤرخ حسين أمين (١٩٢٥- ٢٠١٣)

- الوزير جاسم كاظم العزاوي

- الدكتور لؤي يونس بحري

 

خاتمة

المبنى بحاجة إلى إعمار كلي وترميم تام بأيدي عمال مهرة ومهندسين في تأهيل الأبنية التراثية. والبناء الحالي لا يصلح مدرسة في وضعه الحالي. وأقترح بعد ترميمه تحويله إلى مركز ثقافي أو فني تقام فيه النشاطات الثقافية والفنية والأدبية. ويمكن تحوله إلى متحف تربوي يعرض مسيرة التعليم في العراق خلال القرن الماضي ، ويضم مقتنيات عن الأدوات المدرسية ووسائل الإيضاح ، ومكاتب الإدارات والرحلات وملابس المدرسين والطلاب في العقود الزمنية السابقة. كما يضم معرضاً لصور المدارس القديمة ، والمجلات والنشريات التي أصدرتها ، وما نشر من كتب ودراسات عن التعليم في العراق في العهود العثمانية والملكية والجمهورية. كما تُعرض صور وزراء المعارف والتربية ومدراء مديريات بغداد الستة. وكذلك صور أبرز الشخصيات التي درست في المتوسطة الغربية أو الإعدادية المركزية وغيرها من المدارس القديمة مثل مدرسة التفيض والمدرسة الحيدرية والمدرسة الجعفرية وغيرها.

 

الهوامش

١- عبد الجبار العتابي (محلة العاقولية .. اختفت من الواقع وحضرت في كتب التاريخ) ، موقع الشبكة في ٢٧ حزيران ٢٠١٨

٢- مجيد القيسي ، موقع إيلاف في ٣ نيسان ٢٠١٤.

٣- إبراهيم العلاف (الغربية المتوسطة في بغداد: تاريخ تربوي حافل بالمنجزات) ، مجلة الكاردينيا في ٢٨ أيلول ٢٠١٧.

٤- سعد صاحب (المتوسطة الغربية خرّجت الزعماء والوزراء والسياسيين ) في جريدة (تراث) في ٧ شباط ٢٠١٢

٥- مجيد القيسي ، موقع إيلاف في ٣ نيسان ٢٠١٤.

٦- إبراهيم العلاف (الغربية المتوسطة في بغداد: تاريخ تربوي حافل بالمنجزات) ، مجلة الكاردينيا في ٢٨ أيلول ٢٠١٧.

٧-


مشاهدات 1067
أضيف 2023/11/25 - 12:53 AM
آخر تحديث 2024/12/05 - 4:39 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 85 الشهر 1842 الكلي 10057937
الوقت الآن
الخميس 2024/12/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير