الباحث اللبناني محمد مور الدين لـ (الزمان): لأنقرة دور في محيطها الإقليمي والحرب الأوكرانية بداية توازن عالمي جديد
التقارب التركي الخليجي خطوة لتعزيز الإستقرار والتعاون
أورنيلا سكر
تجري (الزمان) مقابلة خاصة مع الباحث اللبناني محمد نورالدين حول زيارة الرئيس التركي الى الامارات التي تشكل منعطفاً جديدا في السياسة الخارجية التركية تجاه دول الخليجية، فما هي حدود ودوافع هذا التقارب؟
فيما يلي نص الحوار:
{ كيف تنظر إلى التقارب التركي –الخليجي، أهميته ودوره وحدوده؟
- شهدت تركيا في السنوات الخمس الأخيرة تراجعا في ادائها الاقتصادي على جميع الأصعدة فتراجع سعر صرف الليرة من 7 و 8 ليرات مقابل الدولار الواحد إلى ان لامس اليوم الـ 26 ليرة.وارتفعت نسبة التضخم إلى اكثر من مئة في المئة واتسع العجز في ميزان المدفوعات وانهارت القيمة الشرائية للمواطن.وبعدما انهزم حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية عام 2019 في المدن الكبرى ولا سيما في اسطنبول وانقرة،قرع جرس الإنذار عميقا في الطريق إلى الانتخابات الرئاسية المصيرية في ربيع 2023.
فبادرت تركيا إلى المصالحة مع بعض الدول جريا وراء جمع المال وإحياء الاقتصاد.
فقامت بتطبيع العلاقات اولا مع اسرائيل علّ تل أبيب تضغط على الولايات المتحدة لتخفف ضغوطها عن الإقتصاد التركي.ومن ثم كانت المصالحة مع الإمارات والسعودية.وبعدما نجح إردوغان في الفوز بالانتخابات الرئاسية كان لا بد من البحث الأكثر جدية لتصحيح الوضع الإقتصادي.فاتجه غربا إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي واتخذ خطوات تعتبر تحديا لروسيا حين وافق على انضمام السويد وأيد فكرة انضمام اوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي وفي ذلك استرضاء للاستثمارات الغربية والأوروبية فيما كانت التوجه الاخر إلى دول الخليج الغنية.ونجح إردوغان خلال زياراته إلى السعودية وقطر والإمارات في توقيع اتفاقيات بعشرات المليارات من الدولارات سواء على شكل استثمارات خليجية في مشاريع تركية او عبر ضخ المال الطازج ودائع في البنوك التركية.
ولا يمكن الحكم على الانعكاسات الايجابية لهذه الاتفاقيات إلا بعد مرور بعض الوقت.ذلك ان بعض الخبراء الاقتصاديين الأتراك لا يزالون ينظرون بشك إلى قدرة المال الطازج بمفرده على إنقاذ الوضع الاقتصادي.ويرون انه بدون إصلاحات داخلية وبنيوية في الصرف والمساءلة والمحاسبة قد تذهب هذه الأموال هباء منثورا خصوصا ان ربط الساسة الأتراك المال بالحسابات الانتخابية لا يزال قائما مع قدوم استحقاق الانتخابات البلدية في ربيع العام المقبل.وبالتالي فإن جولة إردوغان الخليجية مهمة لإنعاش الاقتصاد التركي شرط تزامنه مع إجراءات إصلاحية على أسس علمية في الداخل التركي.
وعلى الرغم من البعد الاقتصادي والمالي الأهم في جولة إردوغان فإنها لا تعدم البعد السياسي خصوصا أن تركيا بدات تعود تدريجيا إلى سياسة "تقليل الأعداء" مع العديد من الدول ولا سيما الدول الخليجية والأطلسية ومصر وربما اليونان.وفي ظل التأثير التركي في القوقاز فإن الدور الجديد لأنقرة سيكون أكثر اتساعا وتأثيرا في محيطه الإقليمي من البلقان إلى القوقاز وآسيا الوسطى والخليج وشرق المتوسط وشمال أفريقيا.وبقدر ما تتجسد الحركة التركية بالتعاون مع الدول الخليجية ومصر بخطوات عملية يمكن ذلك ان يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة العربية.غير أن ذلك مرتبط أيضا بالرغبة للتوصل إلى حلول لمشكلات معقدة وخطيرة مثل الوضع في سوريا حيث لا تزال تركيا تمانع في المصالحة الفعلية مع دمشق كما إن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية لم يقابلها عمليا عودة فعلية للعرب إلى سوريا التي تحتاج إلى ان يرفع عنها العرب الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها وكان بعض العرب وتركيا والغرب مسؤولين مباشرين عنها.
توازن عالمي
{ ما هي الهوية الجديدة التي تنتهجها الدول المحورية اليوم؟
- لعبت الحرب الأوكرانية بين روسيا واوكرانيا والغرب دورا مهما في بداية رسم توازن عالمي خارج نفوذ القطب الواحد.وتصدرت الصين وروسيا هذه المحاولة الجديدة.ومع ذلك فإن الدول الإقليمية الكبرى مثل الهند والبرازيل والسعودية وتركيا وإيران شكلت لها محاولة كسر الأحادية القطبية فرصة للتقدم والقيام بأدوار تتجاوز نسبيا أدوارها في محيطها الإقليمي لتمارس ادوارا على المستوى العالمي.وهذا بدا واضحا في الدور التركي في الحرب الأوكرانية ومحاولة قيامها بأدوار وسيطة.كما في وقوف إيران إلى جانب روسيا ودعمها في اكثر من صعيد. وتعمل السعودية من بين دول أخرى على ممارسة ادوار مماثلة تتعدى الأدوار الإقليمية.وأعتقد أن هذه الأدوار "المحورية" تختلف فيها الصفات من دولة إلى اخرى.فالبعض منها غلّب القوة الخشنة على ما عداها فيما أعطت دول اخرى الجانب المالي الأهمية وخلطت اخرى القوتين معا.في النهاية إن السلوك العادل والمحترم لسيادة الآخر يبقى الأساس في علاقات مستقرة ومستدامة.
{ كيف يمكن ان ينعكس التقارب التركي- العربي على مناطق الصراع التي تشهد حروبا بالوكالة؟
- لا شك ان لتركيا وبعض الدول الخليجية مثل السعودية والإمارات كما مصر، ادوار بالغة الأهمية في محيطاتها الإقليمية.سواء في المشرق العربي او القرن الإفريقي او منطقة الخليج عموما.ويفترض أن يؤدي التقارب التركي – العربي دورا مساعدا لإرساء الاستقرار والسلام بين الدول المتخاصمة أو داخل الدول التي تشهد حروبا بالوكالة بامتياز مثل سوريا.ومع ذلك وفي ضوء التجارب السابقة، فليس بعد من الواضح ما إذا كان ذلك سيحصل ام لا مع الأمل في ان تغليب المصالح الوطنية لكل دولة على حساب أية اطماع اخرى ولا سيما في سوريا.وفي كل ذلك يجب ألا تكون اسرائيل جزءا من المصالحات بل إبقائها دائما في خانة العدو الذي يشكل سرطانا يتوجب استئصاله من جذوره.
سياسات مستقلة
{ كيف يؤثر التقارب العربي – التركي على المخططات الغربية في المنطقة؟
- بالطبع هذا سؤال بالغ الأهمية.وترتبط الإجابة عليه بمدى انتهاج الدول المحورية ولا سيما تركيا والسعودية وايران سياسات "مستقلة" بهذه الدرجة او تلك عن ارتباطات بعضها مع العالم الغربي وبمدى انتقال محور الثقل الاقتصادي والعسكري من منطقة إلى أخرى.وفي جميع الاحوال فإن محاولات الغرب حشد قوته في مواجهة روسيا ستجعله يحاول أيضا ألا تفلت القوى الإقليمية التي كانت معه وخصوصا السعودية وتركيا من قبضته.كما من المبكر الحديث عن رغبة بعض هذه القوى الإقليمية فك ارتباطها عن مركز القوة الغربي.
{ كيف يؤثر هذا التقارب على مستقبل الاسلام السياسي؟
- يجب التذكير بأن احد أبرز أسباب الخلافات والتوترات بين تركيا من جهة وكل من مصر والسعودية والإمارات تحديدا هو اعتراض الدول الأخيرة على محاولات تركيا استخدام جماعة الإخوان المسلمين مطية لتعزيز نفوذها في المنطقة العربية.الآن مع التقارب الذي يحصل يفترض ان تتخلى تركيا عن دعمها لهذه الجماعات خصوصا انها هي التي تريد المصالحة من اجل المال مع كل من السعودية والإمارات وبالتالي فإن أسهم الاسلام السياسي،المرتبط بالتوجه الإخواني، والتي تراجعت كثيرا في السنوات الأخيرة قد تكون في طريقها للإنطفاء.مع ذلك فيجب انتظار ما إذا كانت المصالحات التركية مع هذه الدول تحمل كواليس غير معلنة بهذا الاتجاه او ذاك.