(الزمان) الدولية في حوار مكاشفة مع رئيس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم لويس ساكو:
المسيحيون العراقيون مسالمون وليس في سلوكياتهم حمل السلاح
صادق الطائي
وصل صباح يوم الخميس 15 حزيران الجاري الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم، برفقة معاونه المطران باسيليوس يلدو إلى العاصمة البريطانيّة لندن، للقاء المسؤولين وإلقاء بعض المحاضرات وزيارة أبناء الرعيّة الكلدانيّة في المملكة المتحدة.
وكان في استقبالهم في مطار لندن الأب اندراوس توما مسؤول إرساليّة مار يوسف الكلدانيّة وأعضاء المجلس الخورني ومعهم مسؤول منظمة FACE جون فوكس.
وقد التقيت البطريرك صباح اليوم الثاني لوصوله في بهو فندق دبل تري- هيلتون في غرب العاصمة البريطانية وحاورته ونحن نحتسي كوبين من الشاي . وكان هذا الحوار:
{ في البدء، أهلا وسهلا بك في لندن … الجالية العراقية بكل اطيافها فرحين بقدوم شخصية مميزة مثل غبطتكم، لأن الكاردينال لويس روفائيل ساكو بات رمزا عراقيا في المحافل العالمية. دعنا نبدء حديثنا من إختيار قداسة البابا فرنسيس لحضرتكم كاردينالا للكنيسة الكلدانية. حيث أصبح وجودكم اليوم في مجمع الكرادلة في الفاتيكان رسميا في الهيئة التي تنتخب بابا الفاتيكان. كيف أثر هذا القرار على الوضع المسيحي بالعراق؟ والكل يعلم أن في العراق واحدة من اعرق الكنائس في التاريخ المسيحي.
- شكرا لحضرتك على اللقاء. ترقيتي من قداسة البابا لرتبة الكاردينالية هي في الواقع ترقية للعراق، والتفاتة فريدة من طرفه نحو العراق، وهذا الامر يعكس اهتمامه بالعراق وهو يمر بهذا الوضع الصعب. وأيضا هي خطوة تعكس ضرورة إشراك الكنيسة الكلدانية في مقر اتخاذ القرار الكنسي في الفاتيكان، وهي مثل ما تفضلت كنيسة عريقة لها تاريخها، ومؤسساتها وفكرها وطقوسها التى تمتاز بغناها الروحي التصوفي، وقد أغنت الكنيسة الكاثوليكية الجامعة.
الحقيقة أنا تفاجأت بالقرار البابوي، إذ علمت من الاعلام بأمر ترقيتي الى رتبة الكاردينالية، فقد إتصل بي صديق ايطالي يعمل صحفيا في روما وأبلغني هاتفيا بالخبر قائلا؛ «إن قداسة البابا أعلن ترقيتك الى رتبة كاردينال، وإن اسمك جاء على رأس قائمة ضمت اربعة عشر كاردينالا من جميع انحاء العالم تمت ترقيتهم بالامر البابوي، وانت كنت عميد هذه القائمة». الحقيقة أنا فرحت بالخبر، لأن هذ الامر يمثل دعما للمسيحيين في العراق، وبشكل خاص الذين عانوا كثيرا منذ سقوط النظام الى اليوم.
أنا عملت على دعم مواقف العراق في المحافل العالمية، ذهبت الى مجلس الامن في الامم المتحدة وتحدثت عن معاناة العراقيين إبان الحرب على تنظيم داعش الارهابي، لكن مع الاسف احيانا المواقف لا تقيم بما تستحق. أنا قلت امام العالم أجمع لايجوز تعميم ربط فكر تنظيم داعش الارهابي بالاسلام، لان هذا الفكر الشاذ لا يمثل الاسلام والمسلمين. وتحدثت في البرلمان الاوروبي، وقابلت ملوك ورؤساء العديد من دول العالم، وشرحت أزمة العراق إبان حربه على الارهاب.
انا اقول دائما: انا افكر بالعراق؛ فإذا كان العراق بخير وبسلام وأمان، سنكون نحن بخير وسلام وأمان، لأننا كمسيحيين جزء من العراق، وسوف نعيش مثل باقي العراقيين. فنحن لم ننفصل عنه يوما، نحن مكون أساسي في النسيج العراقي ونريد أن نبقى كذلك، لكن الاخرين لا يتفهمون هذا الشيء. أنه نمط تفكير ضيق، وكأننا نشهد بعد سقوط النظام ثقافة جديدة ليست عراقية. ونحن لم نتعود على المحاصصة والطائفية والفساد …الخ.
حال المسيحيين في العراق اليوم
{ غبطتكم دائما تنصح المسيحيين في العراق بالتمسك بارضهم والتمسك بوجودهم. بعد كل هذه المعاناة، بعد كل هذا القتل الذي عاشوه، أصبح هنالك اليوم هجرة للمسيحيين العراقيين بسبب الازمات التي مروا بها. كيف ترى الصورة بعد كل هذه المحن ؟
- انا أشدد على بقاء المسيحيين على ارضهم، وأن يتواصلوا مع اخوتهم في الوطن، لأن الشر ليس له مستقبل، وإن الخير وإن كان بطيئا إلا إنه سيدوم. إن الهجرة تعني إنك ستترك كل هذا التراث وهذا الارث وهذا التاريخ وهذه الحضارة خلفك لتبني شيئا جديدا. هذا نوع من الانسلاخ. حتى لو بقينا أقلية فذلك لايهم لاننا نمتلك الارض والشعور وعندنا اللغة. إن مشكلة البلد أن الدولة لا زالت هشة، يعني لا توجد دولة قوية، دولة قانون، دولة مساواة، دولة عدالة، دولة مواطنة، دولة خدمات. كأننا نعيش في دويلات مع الاسف، هذه الميليشيات صارت احيانا اقوى من الدولة نفسها. أليس كذلك؟.
هذا النوع من التجاوز على الدولة سيخلق قلقا عند المواطن الذي سيعاني من الخوف من المستقبل، وبالتالي سيفكر وسيقول مع نفسه: انا في بلدي لكني لست محترما، ولا ضمان لي، ولا أمان أو مستقبل لأولادي، إذن الافضل لي أن اهاجر.
الوضع الان على المستوى الامني تحسن كثيرا، لكن ما زال هناك عجز في الخدمات، وتدهور في الجانب الصحي والتعليمي، والفساد مستشرٍ حتى في أبسط مفاصل الدولة. بالرغم من إن السيد رئيس الوزراء الحالي عنده نزوع نحو وضع الحلول للازمات التي يعيشها العراقي لانه يراقب ويتابع كل الاشياء، لكن وكما يقول المثل المعروف (يد واحدة لا تصفق). { غبطة البطريرك دعنا نتحدث بتركيز على موضوع مهم. دعنا نسميه الجرح المسيحي في مناطقهم التاريخية، وهي سهل نينوى والمناطق المحيطة به. الان وبعد مرور خمس سنوات على تحرير هذه المناطق من سيطرة تنظم (داعش) الارهابي، ما زال هنالك اعداد كبيرة من المهجرين المسيحيين لايستطيعون العودة الى قراهم. فبيوتهم وكنائسهم ما تزال مدمرة. كيف ترى ذلك؟
- راجعنا المسؤولين كثيرا، وتحدثنا معهم كثيرا حول هذا الشأن. مع تسنم كل رئيس وزراء جديد مهام منصبه كنا نزوره ونتحدث معه منذ ايام حيدر العبادي، وعادل عبد المهدي، ومن ثم الكاظمي، وحتى الرئيس الحالي محمد شياع السوداني، وطالبنا أن يكون هنالك حل حقيقي للمناطق المسيحية، لاننا نعتقد أن وضعهم مختلف، وعاداتهم الاجتماعية وثقافتهم مختلفة. وقد قلت مرارا للمسؤولين أن مجتمعات قرى ومدن المسيحبين تعرف الاختلاط، وإن البنات والسيدات لا يرتدين الحجاب، وهم اليوم غير مطمئنين لتواجد الميليشيات في مناطقهم، حتى إن كانت هذه الميليشيات ذات صبغة او صفة مسيحية نحن نرفض ذلك.
من البداية انا رفضت أن يكون هناك ميليشيا مسيحية. لان هذا الامر يتقاطع مع اخلاق المسيحيين. والمسيحي الذي يريد أن يدافع عن بلده العراق، وهذا واجب وطني شريف بكل تأكيد، لينخرط في الجيش او الشرطة الاتحادية. ولا يوجد داعٍ لخلق ميليشيا اسمها مسيحي، لكنها بالنتيجة لم تقدم أي شيء للمسيحيين، بل بالعكس انتفعت عبر وجودها وادعائها تمثيل المسيحيين.
دعني اعطيك مثالا حتى لا يكون كلامي مجردا ونظريا، او كأني أحمل عداءً لهذا الطرف او ذاك. أنا رجل دين ولا أعادي احدا، لكني لا أقبل الظلم والعدوان، وهذا ما حدث مع مئة وعشرين عائلة من المهجرين الساكنين في كرفانات في مجمع (مريم العذراء) في منطقة زيونة في بغداد. المستثمر أخذ الارض وهدم المجمع وطرد هذه العوائل المنكوبة. أين سيذهب هؤلاء؟. لم يتحرك أحد لانقاذهم ، ولا عملوا اي شيء لهم. انا الوحيد ذهبت بنفسي، واطلعت على مشكلتهم، ولأني لا استطيع ايجاد حل للكل، اخترت أفقر العوائل ممن لا يملكون اصدقاء او اقارب يمكن أن يلجئوا لهم، وكانوا عشرين عائلة أمرت باسكانهم في بيوت الكنيسة وفي الكنائس ببغداد مجانا، كما رتبت ايجار بعض الشقق السكنية لبعض العوائل، اما الاخرين الذين يتحدثون باسم المسيحيين فليس لديهم أدنى فكرة عن المشكلة. فماذا يعني أنهم يمثلون المسيحيين؟ اذا لم يكن يعرف كيف يساعدهم في محنتهم، او يدافع عن حقوقهم، وعن تمثيلهم، فهل هذا سياسي مسيحي ويسعى لابتلاع حصة المسيحيين في الكوتا. الحقيقة أنا أفضل أن تلغي الكوتا، وأن يكون هناك شيء اسمه الوطن والمواطنة، النواب يدافعون عن كل المواطنين بغض النظر عما إذا كانوا شيعة، سنة، مسلمين، مسيحيين، اكرادا او عربا. لان عضو البرلمان يجب أن يمثل كل عراقي.
الصراع مع بابليون
{ دعنا نتحدث بوضوح اكثر. هنالك صراع متجدد بين رأس الكنيسة الكلدانية في العراق، وبين كتائب بابيلون التي يترأسها ريان الكلداني. فهو يوجه اتهامته لرأس الكنيسة، وحضرتكم رددتم عليه عدة مرات. هذا الصراع يبدو في جزء منه صراعا سياسيا. والنتيجة هنالك نوع من الاستحواذ على مقررات، أو مصير المسيحيين في العراق، هل ترى حضرتك ما يحصل صراعا سياسيا. وكيف يمكن ان يوضع حل لهذه الازمة المتجددة؟
- بصراحة هو ليس صراعا سياسيا بالنسبة لنا، انا كرجل دين أدافع عن القيم الانسانية والقيم الدينية، وإن ايذاء الناس ليس من الاخلاق، لا المسيحية ولا الاسلامية. رجل الدين يجب أن يكون صوته صارخا حتى لو كان بالبرية. هناك محاولة للاستيلاء على كل مقدرات المسيحيين. وهذا الامر نحن نرفضه، وهنالك ايضا محاولة للتدخل في الشأن الكنسي. وهذا الشخص ليس له علاقة بالامر سواء أتقاعدت أو بقيت في منصبي، هذا الامر يعود لي شخصيا ويعود للكنيسة. وهنالك أيضا المزاعم العارية عن الصحة والاتهامات التي وجهت لنا بأننا بعنا كنائس قديمة واملاك المسيحيين، هذا الامر أيضا لا يخصه. هنالك فرق بين عمل ديوان الوقف المسيحي الذي هو مؤسسة حكومية وللبرلمان الحق في مراقبة ادائها، وبين اوقاف الكنيسة وممتلكاتها. نحن كوقف كنسي لدينا اربع عشرة كنيسة، وكل كنيسة تمتلك بعض العقارات مثل المحلات من أجل توفير الموارد لخدمة الكنائس، وهذا الامر يعود لنا حصريا وبالقانون.
هناك معايير دقيقة للبيع والشراء ويسمونه «استبدال» ? فكيف يمكن أن ابيع انا او غيري من دون أن يكون هنالك رخص رسمية . كل ما هناك تم بيع ملكين مملوكين لرهبان تابعين لي ، وقد عملت لهم وكالات اصولية وتمت المعاملات بشكل قانوني، وانا لا استلم ولا أسلم، لكني رئيسهم الديني، باعوا هذين الملكين وبنوا ديرا في عينكاوه للرهبان، وهذا الامر تم بموافقات حكومية أصولية، ما دخلنا في كل الضجة التي افتعلوها حول هذا الامر؟ . وهنالك اشاعات اخرى افتعلوها بجلبهم شخصا لا اعرفه إدعى إنه سلمني مليار ونصف دينار !! أين سلمني هذا المبلغ الكبير؟ كيف أخذ رشوة وانا في هذا المنصب الروحي؟ .
{ غبطة البطريرك؛ حضرتك دائما تصرح وتقول نحن ليس لدينا «شيخ في اشارة واضحة لمن يطلق عليه تسمية «الشيخ ريان الكلداني هل ترون ان تجربة كتائب بابيلون تتشبه بتجربة الميليشيات المسيحية اللبنانية؟
- نحن ليس لدينا شيخ، وليس لدينا هذه السلوكيات الميليشياوية، وإن المسيحيين في العراق كانوا دائما مسالمين ولا يحملون السلاح. هذه الالقاب القادمة من الثقافة العشائرية غير موجودة عند المسيحيين. نحن ليس لدينا فصل عشائري، وليس لدينا عشيرة، الكل افرد ينتمون لعوائلهم وكنائسهم، فهم اولاد الكنيسة. ونحن دائما موالاتنا للحكومة وللبلد، واذا تعرضنا لمشكلة او اعتداء، فاننا نلجأ للقانون لينصفنا وليس لدينا شيوخ عشائر.
وحتى شيوخ العشائر عندهم ثقافتهم وعندهم عطائهم، وعندهم تاريخهم. اما أن يخرج لنا شخص ما فجأة ويدعي إنه الشيخ فلان، فهذا أمر غريب ومرفوض. وكذلك والحمد لله بقية الاحزاب المسيحية لم تدع انها مليشيا، هنالك اسباب وظروف توفرت للعمل السياسي، وهم من حقهم ان يعملوا وفق هذه الشروط، وانا ادافع عنهم وعن حقوقهم جميعا، لانهم موجودون في الساحة ويدافعون عن المكون المسيحي وعن العراقيين. وقد يكون هنالك تنافس بين احزاب المكون، لكن هذا الشخص يريد أن يستحوذ على كل ما اسمه مسيحي، ليس فقط من الجانب الاجتماعي او السياسي، بل ايضا من الجانب الكنسي، وهذا أمر غير مقبول.نحن كنيسة حرة، نحن مؤسسة دينية روحية لها قيمها واخلاقها وروحيتها، ولا يوجد أحد يقدر أن يصادر ارادتها او يتدخل في شؤونها.
{ غبطة البطريرك ؛ بصراحة هل ترى تشابها بين تجربة بابيلون والميليشيات المسيحية اللبنانية؟
- لا ، ابدا هذا شيء مختلف جدا عن التجربة اللبنانية، اولا اللبنانيون مثقفون جدا، ومهما حصل او يحصل في لبنان فلا خوف على لبنان. ثانيا المسيحيون والمسلمون في لبنان باتوا واعين، واصبحوا يعرفون أهمية التعايش بسلام، هنالك صراعات واصطفافات لكنها بين الطبقة السياسية، هذا صراع سياسي من أجل السلطة، لكن لا توجد توترات فئوية او مذهبية او دينية في لبنان، حتى في سياسات حزب الله لم يكن هنالك اعتداء على المسيحيين، انه صراع من اجل المصالح السياسية. اما في تجربة بابيلون فهناك استلاب، او مصادرة لارادة المكون المسيحي.
في كل شيء تشعر بخطر وجودهم، فوجودهم بسهل نينوى غير مبرر، والناس لاتستطيع العودة لمدنها وقراها التي هجروا منها، لانهم لا يثقون بالمليشيات.
زيارة البابا فرنسيس
{ طيب دعنا نخرج من هذا الموضوع المزعج غبطة البطريرك، وحدثني قليلا عن قداسة البابا فرنسيس على ضوء معرفتك به، فالبابا فرنسيس شخصية مختلفة كثيرا عمن سبقوه في الجلوس على الكرسي البابوي. هو شخصية قادمة من امريكا اللاتينية، من مجتمعات فقيرة وشعوب متعبة، لذلك يرى الكثيرون أن البابا فرنسيس متعاطف مع هذه الشعوب، وأنه أكثر احساسا بآلام المظلومين، كيف تعلق على الموضوع؟
- اولا قداسة البابا فرنسيس قادم من اميركا اللاتينية، وهو متأثر ايضا بفكر اللاهوت والتحرير، وهو يرى إن نمط السلوكيات الكلاسيكية قد انتهى. وان الكنيسة اليوم بحاجة الى لغة جديدة ومصطلحات جديدة، واشكال جديدة للتعبير عن الايمان، وايضا عن المجتمع وعن الثقافة. الموروث القديم التقليدي يجب أن يتم تجاوزه، وأن اللغة قد تغيرت ونمط تفكير الناس قد تغير، وللاجابة عن تساؤلات الناس وتلبية احتياجاتهم الروحية لا يجوز ان نستعمل اللغة القديمة والانماط القديمة من التفكير.
الحقيقة هو شخص يفاجئ الاخر بتحرره وبقربه من الناس وببساطته وبمصداقيته. وقد شعرنا بذلك أثناء زيارته للعراق، الناس أحبوه كثيرا بسبب مصداقيته وبساطته، وتواضعه، وخطابه الشامل. فهو ليس لديه أي شكل من أشكال التطرف وبشكل خاص في الحوارات مع المنظمات والشخصيات الاسلامية، إذ فتح باب الحوار مع المسلمين على مصراعيه من خلال الصداقة.
- انا كنت معه بالقاهرة عندما زارها في المرة الاولى والثانية . والتقى بشيخ الازهر الدكتور احمد الطيب. وقد شاهدت بعيني التوتر باديا على الشيخ الطيب في بداية اللقاء، لكن خطوة البابا فرنسيس نحوه واحتضانه له وتقبيله بصدق أذابت جليد التوتر وجعلت جو اللقاء يرفل بروحية وإطمئنان، وبعد ذلك أصدرا الوثيقة الانسانية المعروفة. فهو يؤكد دائما على الاخوة مع التنوع، ويقول نحن عائلة وحدة لكننا متنوعين، ويجب أن نحترم بعضنا ونقبل بعضنا ونتعاون ونتضامن.
{ حضرتك كنت مرافقا لقداسة البابا في أغلب تحركاته في زيارة العراق. حدثنا عن كواليس الزيارة؟
- انا ساهمت كتيرا في تحقيق وانجاز هذه الزيارة، وسعيت بقوة لانجاحها،وقد كانت زيارة تاريخية بحق. وقد كتب البعض عنها قائلا؛ ماهذا العراق الجميل؟
خلال ثلاثة أيام تحول الى فردوس، جنة، لا احقاد، لا ارهاب، لاخبر سيء. كل الامور مفرحة، المسلمون فرحون أكثر من المسيحيين.
أنا كنت مع قداسة البابا في السيارة وهي تخترق شوارع بغداد وهي تغص بالمسلمين والمسيحيين وهم يحملون الشموع مرحبين بالضيف الكبير. كان على الحكومة أن تستثمر هذه المخرجات حتى تعمل شي جديد.
{ هل حضرت لقاء البابا فرنسيس مع سماحة السيد السيستاني؟ حدثني عن اللقاء؟
- نعم، كنا ثلاثة اشخاص. واللقاء كان جميلاً وروحانياً جدا. الحقيقة إني كنت صاحب الدور الجوهري في انجاح هذا اللقاء وهذا الحوار، إذ كانت المعطيات توحي بأنه صعب الحصول ، وعندما وصلنا لم يكن هنالك حماس كبير، لان سماحة السيد السيستاني أطال الله عمره رجل كبير في السن ومتعب صحيا فهو رجل في الثانية والتسعين من عمره، لكني اشتغلت على الموضوع وقلت انها فرصة ذهبية للقاء تاريخي بين قداسة البابا وسماحة المرجع الاعلى .
{ كيف كانوا يتحاورون، باي لغة كان يحكي البابا ، وبأي لغة تكلم السيد السيستاني ؟
- البابا كان يتكلم اللغة الايطالية والسيد السيستاني كان يتكلم العربية وهنالك مترجم بين الاثنين. كان اللقاء جميلاً جدا واخوياً . وقال فيه السيد السيستاني: «انا ادافع عن الانسان كل انسان. هذه هي حقيقة الديانة، انك تدافع عن كل انسان خلقه الله، والبشرين عيال الله». نحن نقول ابناء الله وبنات الله، والمسلمين يسمونهم عيال الله. كما تكلم السيد السيستاني عن حقوق الانسان، وأشار الى إنه يرفض استقبال السياسيين لانهم فاسدون. فأجابه الحبر الاعظم ان هذا الامر ليس في العراق فقط، الفاسدون من السياسيين في كل العالم يبحثون عما يدخل جيبوهم اولا. وأكد السيد السيستاني على أننا نسيج واحد نحن جزء منكم، وانتم جزء منا يعني اخوة.
وكان المفترض أن يستغرق اللقاء ربع ساعة فقط لكنه أستمر خمسون دقيقة. كان بصراحة لقاء تحسه من القلب الى القلب، كانك في فسحة او رحبة روحية، لأنه كان لقاءً بين إثنين من نوع خاص من الشخصيات المتجردة والزاهدة.
زقاق الكلدان
{ غبطة البطريرك سمعنا كثيرا عن كنيسة كلدانية في القدس. وفيها رجال دين تابعين لحضرتك. وفي نفس الوقت هنالك اشاعات تتكرر عن قيامك بزيارة اسرائيل، كيف توضح هذه الصورة، وكيف تجيب على الاشاعات بشكل قاطع ونهائي؟
- هذا محض افتراء غير معقول. اولا انا من حقي أن أزور رعايا الكنيسة الكلدانية في أي مكان في العالم. وهنالك بالفعل كنيسة كلدانية بالقدس تقع في شارع صغير يسمونه زقاق الكلدان. عندما جاء البابا في زيارة الى الاردن كنت موجودا برفقته في عام 2014 و كان من حقي أن اذهب معه في زيارته لفلسطين لاني كنت مدعوا لهذه الزيارة ، لكني رفضت أن ازور اسرائيل احتراما لمشاعر الفلسطينيين. وايضا بحكم الموقف العراقي الرافض للتطبيع مع اسرائيل . انا لم أزر اسرائيل في حياتي، وانا امتلك الشجاعة لاقول لو كنت قمت بذلك، لكن من يطلقون الاشاعات يتبعون مقولة (اكذب اكذب حتى يصدقك الاخرون). انا لم إزر القدس احتراما للشعب الفلسطيني الذي قضى حوالي خمسة وسعبين عاما خارج ارضه. وانا كرجل دين من واجبي أن أتضامن مع هذا الشعب المظلوم.
{ غبطة البطريرك: نريد أن نختم هذا الحوار الشيق بالحديث عن برنامج زيارتك للمملكة المتحدة، ماهي النشاطات التي ستقومون بها؟
- انا كرئيس للكنيسة الكلدانية، من واجبي أن ازور كل الرعايا الكلدان الموجودن في مختلف انحاء العالم. وقد زرت الولايات المتحدة واستراليا واوروبا والشرق الاوسط مرتين. والتقيت بالجاليات هناك وايضا قابلت بعض المسؤولين. كما تعلم كان هنالك يوم أمس دعوة عشاء حضرها لفيف من ابناء الجالية العراقية في لندن، وقد تأثرت برؤيتهم كثيرا وهم نخبة مشرفة في المملكة المتحدة، وقد تكلمت معهم وطلبت منهم ان لا ينقطعوا عن جذورهم، وأن يمدوا جسور الصلة مع وطنهم الام .
وسوف أزور بعض المسؤولين الكنسيين في الكنيسة الكاثوليكية البريطانية، وهناك احتمالية ترتيب زيارة لجلالة الملك تشارلز. فهو شخصية لطيفة ومحبة للخير وساعد المهجرين من العراقيين في محنتهم الانسانية إبان الحرب على الارهاب عدة مرات عندما كان وليا للعهد .
{ غبطة الكاردينال لويس روفائيل ساكو، اللقاء معك لا يمل ، أتمنى أن لا أكون قد أثقلت على حضرتك، وقد تشرفت بلقائك.
- واتمنى أن ألتقيك في مرات قادمة.