تحليل الخطاب بمنطق سوء الظن
لطيف القصاب
تفسير القول على غير مقصد قائله أسلوب معروف، ومقدور عليه من معظم الناس. فبوسع كلّ من أوتي نصيباً ولو بسيطاً من المعرفة أن يُتقنه بجهد يسير ابتداءً برجل الشارع البسيط ، والمعنى المتقدم هو تطبيق حَرفي للجملة الدارجة عند العراقيين : (حب واحجي واكره واحجي) ... ومع أن أكثرنا قد ينأى بنفسه عن انتهاج هذا الأسلوب لدواع نفسية أو روادع اجتماعية غير أن هناك من يرى فيه فرصة سانحة للظهور أمام الملأ بمظهر المفسّر العارف بأسرار الكلام متغاضياً بقصد، أو بغير قصد عن التفكير بعواقب سلوكه المساعدة في استشراء ظاهرة التجهيل، أو التدجيل...
أي عبارة يطلقها إنسان حتى البريئة منها يمكن أن تتحول إلى موضوع للتأويل السّيّئ إذا ما تصدّى لها أحد هؤلاء المفسرين المهوسون بحب الظهور أو ( الطّشّة)...
عبارة كقول أحدهم : " أتعهد أمام شعبي الكريم ..." ، هذه العبارة على بساطتها وبراءتها الظاهرة يمكن أن تكون ساحة رحبة لما ذكرناه من سوء التأويل فيُؤتى لها بتفسيرات عجيبة وغريبة لم تكن لتخطر على بال قائلها قط؛ إذ يمكن اعتبار كلمة " شعبي" دليلا على تسلط قائلها، وما يضمره قلبه من الرغبة في التجبّر، وامتلاك رقاب الناس كما يرى (فلان) الذي يستهزئ من عبارة ( أتعهد أمام شعبي )، ويعلل سخريته من قائلها بما نصه: إنه " يتحدث عن أربعين مليون إنسان يفترض أنهم مصدر السلطات بموجب دستور 2005 بصيغة التملك"!
لقد فات هذا المفسّر (العظيم) المتأثر بالثقافة الانكليزية - كما يبدو- أن اللغة العربية تخلو من صيغة التملك على نحو ما يوجد في اللغة الانكليزية ، وإنما يُستفاد معنى التملّك في العربية من إضافة الأسماء (الخاصّة) إلى ضمائر الجر كأن تقول: ( كتابي ، ودفتري ...الخ) ؛ لأنك تملك الكتاب والدفتر بالفعل، لكن معنى التملّك (عربيا) لا يمكن تصوره على الإطلاق في الأسماء (العامّة) مثل :( ربّي، وشعبّي...الخ )، فكما أنّك لا تملك ربّك حينما تقول "ربّي" فإنك لا تملك شعبك حينما تقول "شعبي"، لاسيما إذا كانت كلمة "شعبي" مسبوقة بعبارة "أتعهد أمام" ومتبوعة بكلمة " الكريم" ...
سددنا الله، وإياكم وجعلنا من مصاديق المقولة الكريمة : " مَنْ عَلِم أنّ كلامه مِنْ عَمَلِه قلّ كلامه إلّا في ما يعنيه"...