الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مظفّر النوّاب الكلمة المنغمة .. كتاب جديد

بواسطة azzaman

مظفّر النوّاب الكلمة المنغمة .. كتاب جديد

حمدي العطار

بعد ان ودعنا الجمعة الشاعر المبدع مظفر النواب نتوقف اليوم لعرض كتاب لحاكم الحداد  عن الشاعر الراحل  بعنوان ( مظفر النواب الكلمة النغمة – حياة وابداع).

يعد الشاعر مظفر النواب شخصية مثيرة للجدل فضلا عما قدمه من قصائد واشعار جريئة ، فهو شاعر يعيش في وجدان الشعب العراقي، ويعد جزءا من تاريخ  اليسار السياسي العراقي، كان العراق مزروعا في قلب مظفر النواب اينما ذهب، تجربة مظفر النواب مشبعة بالحساسية ، وقصائده تتجاوز حدود التصوير الشعري الجمالي الى شطحات إبداعية نادرة يتم تداولها بين الناس كامثال وحكم ، بل حتى السب والشتم في قصائد مظفر النواب لها معاني أخرى عميقة وتثير السخرية والضحك وكان الجمهور يطلب اعادتها من الشاعر دائما.

التجربة النوابية

الكتاب الذي بين ايدينا للكاتب (حاكم الحداد) بعنوان "مظفر النواب الكلمة المنغمة – حياة وابداع" وهو من منشورات مركز كهلاويز الثقافي – السليمانية سنة الاصدار 2020 ويقع الكتاب في 161 صفحة .

ويطلق مؤلف الكتاب عن تجربة مظفر النواب (بالتجربة النوابية) التي تمتاز بسمات عديدة اهمها (الحداثة والإصالة) فهو يعطي توصيف لهذه التجربة النوابية "لم يكن الشعر الشعبي، سوى اهات وبكاء وتوجع بنمطية واحدة ذات بناء كلاسيكي متزمت. ولكن – مظفر النواب-  حين جاء احدث ثورة حقيقة فيه، ثورة تجسدت في الشكل والمضمون والروح واللغة والصورة، فاصبحت طفرة نوعية كبرى، جعلت الاخرين ينظرون اليه بتقدير ومحبة واعجاب، وهم يرددون اشعاره التي اخذ الناس يغنونها كل بطريقته الخاصة، حتى قبل ان يلحنها الملحنون ويغنيها المغنون، لأنها كانت تجربة ثرة، صادقة، واصيلة نابعة من احساس ووجدان انساني حقيقي" وحينما يصف المؤلف خصاص الشعر شكلا ومضمونا للتجربة النوابية يقول " بفضل هذه الشاعرية وهذا العطاء الانساني الجميل وهو ما اهله ن يكون شامخا جراء هذه الحياة الخصبة المتنافرة والتي تواشجت مع اشعاره..لهذا سيظل مظفر النواب محتفظا بسحره والى الابد"

بيت عريق بالثقافة

تناول الكتاب محاور عديدة ،توزعت على عشرة عناوين رئيسة وهي (البدايات والتأثيرات، الشاعر واللغة – والغناء- والرسم- والحب – والسياسة- والبطل السياسي – والموروث الشعبي- والصورة الشعرية – والثورة- والشاعر والغربة ) ويبين في العنوان الاول  بإن طفولة مظفر النواب – كما يذكر الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد- كان نشأته في بيت عريق بالثقافة،اذ كانت والدته مثلا تجيد اللغة الانجليزية والفرنسية والفارسية اضافة الى العربية،"  لذلك اورثته هذه الام حب الموسيقى والرقة والوسامة..وان بصمات  الام واضحة جدا عليه، وعلى الاخص في قصائده التي يغلب عليها الحس الانثوي.أي الوقوف خلف قناع الأنثى. ولكن ذلك لن يلغي الدور الكبير للجد، وزرعه الذي بذر بذوره في روح الحفيد أذ كان جده لأبيه يكتب الشعر، وقد نقل هذا الاحساس الى حفيده عن طريق عدة..ترى هل كان جده الشاعر والذي اشيع انه من مهراجات الهند المعروفين والذي هاجر الى العراق ليكون قريبا من العتبات المقدسة كان يتوسم في حفيده هذه الموهبة ..ان قصائد ديوان (الريل وحمد) بما تضمنته من رؤيا فضائية معبرة ومحملة بالوجد والناضجة بذلك التدفق الموسيقي.. انها قصائد من نمط التواصل الشعري المتجدد الذي يطلق عليه مصطلح الحداثة :- " جن كذلتك.. والشمسوالهوه هلهولة شلايل بريسم.. ولبريسم اله سوله واذري ذهب يا مشط يلخلكك..اطوله بطول الشعر والهوى البارد ينيم الكطة" وكان للمكان تأثر كبير على ابداعات مظفر النواب المتعددة ، بيتهم الاول في الكاظمية – كان كالقلعة لضخامته – كما يصفه "باقر ياسين" كان اهل الدار يرشون ماء الورد على المواكب التي تدخل البيت تردد بصوت هادر الاهازيج والردات والترنيمات والاشعار والتراتيل الحزينة..أما بيتهم الثاني (فكان يقع على شاطئ نهر دجلة قريبا من جسر الشهداء، وهو بيت يحتوي على اكثر من عشرين غرفة وكان للنهر وتموجات مياهه الغرينية ومناظر زوارق صيادي الاسماك وطيور النوارس المحلقة الصاخبة باستمرار، اضافة الى ذلك الامتداد الروحي الهائل لزرقة السماء  التي تحيط بهذا المكان المليء بالقباب والمآذن والشناشيل..اهميته الكبيرة في روح الشاعر ولا شك ان ذهنيته المتفتحة، كانت تختزن هذه المناظر الخلابة الساحرة والتي كانت تمده بالراحة والقوة ايضا."ص13

اللغة والغناء

(الشاعر واللغة) في هذا العنوان يتناول المؤلف  اهمية اللهجة الشعبية لدى مظفر النواب فيرى المؤلف بإن"اللغة هي السلاح الاكثر اهمية للشاعر.. لأنها وحدها القادرة على تفجير أفق شاعريته من خلال القول الشعري المستند، الى بلاغات وجماليات اللغة.. وهي جوهر التحديث في الشعر..ويكتب النواب – كما يقول الشاعر علي الشيباني- ( قصائده الجديدة بلغة اقرب للفصحى النظيفة – المتداولة ) والتي استطاع  ان يظفر بها من خلال سياحاته في فضاءات اللغة وبحوره الشاسعة، من خلال سفره الدائم وتجواله الحميم في شتى ارجاء الوطن/ من شماله الى جنوبه، مرورا بسهولة وبواديه واهواره وتلك المعايشة الصادقة والحميمية التي قضاها مع سكان هذه المناطق، الامر الذي جعله يلتقط ادق واجمل الالفاظ واكثرها خصوصية واشعاعا، لتوظيفها بالتالي في احلى واجمل القصائد التي ابدعها"ص33

اما في عنوان (الشاعر والغناء) فيقول مظفر النواب (ما بين عامي 1955و1956 ذهبت الى اهوار العمارة والتقيت هناك بمغنيين في المنطقة هم غرير جويسم  و سيد فالح وقد ذهلت فعلا للغنى الموجود  في غنائهم  وتكشف لي منهم عالم مهمل، ولكن عالم مملوء بالجمال من الصعب  ان تجد عالما بديلا عنه"ص46

وكان للسجن مفعوله على مظفر النواب ،  ففي عام 1961 كان مظفر النواب موقوفا في موقف السراي الضيق في غرفة ضيقة مخصصة للسياسيين يقول فاضل العزاوي "في مثل هذا الجو الخانق للانفاس يبدأ في الليل مظفر النواب بالغناء الذي يكون قد تناول قبل ذلك فنجان من القهوة مخلوطا بقليل من الزيت، يعده صديقه سعد الحديثي المولع بالشعر الشعبي (مرينه بيكم حمد واحنا بقطار الليل واسمعنه دك اكهوه وشمينه ريحة هيل يا ريل صيح بقهر ياريل صيحت عشك يا ريل هودر هواهم ولك حدر السنابل كطه انه ارد الوك لحمد ما الوكن لغيره يجفلني برد اصبح وتلجلج الديره)

كانت اغاني مظفر النواب تمنح احتشادنا في تلك الغرفة  الضيقة طابع الحفل وتنسي المعتقلين وطأة الزمن"

الاقصوصة الشعرية  والقصيدة  الغنائية

يبني مظفر النواب عماراته الشعرية على الايقاع الموسيقي لتصل الى اذن المتلقي كقصيدة غنائية، كما يستخدم النواب الاقصوصة الشعرية (الحوار بين الشخصيات) على الاخص في القصائد السياسية التي تعبر عن تجارب الشاعر القاسية وما عاشه من محن مؤلمة.

الشاعر والرسم والحب

يقول دافنشي "الرسم شعر يرى ولا يسمع وان الشعر رسم يسمع ولا يرى" ويؤكد المؤلف (حاكم الحداد)  على العلاقة الوثيقة ما بين(الفن الادبي والفن البصري) "-ويمكن للرسام ان يرسم افكاره بالالوان، في حين الشاعر يرسم افكاره بالكلمات، وهذا يعني ان الاثنين(الرسام والشاعر) يرسمان افكارهما رسما وان اختلفت التفصيلات"ص58 ?  كما تداخل الرسم بالشعر عند النواب، كتداخل الموسيقى بالغناء "كان مظفر النواب يزاوج بين مخيلته الشعرية ومخيلته البصرية باتقان تام" وكما يذكر عقيل عبد الكريم حبش الجنابي ( ان مظفر النواب كانت لديه غرفة خاصة به، داخل سجن الحلة، يدرس فيها فنون الرسم وآداب اللغة العربية)

اما تحت عنوان (الشاعر والحب) فإن كل العشاق في العراق يحفظون ويرددون قصائد ديوان (للريل وحمد) على حبيباتهم  - يا ريل باول زغرنة لعبنه طفيرة وهودر هواهم ولك .. حدر السنابل كطة-  كما هناك قصيدة (جنح غنيدة) "يغنيده أمس، يا حلوة الحلوات صار العمر طوفة طين وغنية ولكينة الدرب والسماك وقمر الدين نتختل وره النسوان والشياب وندك المحلة الحلوة باب بباب يا اول جرس ارعن كتل فرحة وكاحتنه كبرنه سنين يا أول جرس.. انتلني..انتلي لغنيدة أمس، للضحكة، ردلي جناحي| رجعني وتغيب الشمس خضرة على محجر الجوارين والمح عمتي من بعيد، وتضمني بعبايته واحس بالبيتعمة الشمس ماتت، وانته مارديت - عمة الشمس ماتت ،واني ما رديت رديلي الفرح، رديت"ص 72 ولعل المعنى العميق للتعبير عن الحب في شعر مظفر النواب هو (الخيط)

"روحي ولا تكلها اشبيج..وانت الماي مكطوعة مثل خيط السمج روحي"

*الشاعر والسياسة والموروث الشعبي

لعبت السياسة والانتماء مظفر النواب الى الحزب الشيوعي دورا مهما لتحديد مسار التجربة الشعرية ، فيرى المؤلف بإن مظفر النواب كان من (المشاكين) وواحدا من الوطنيين الاشداء..وان السلطات تهابه وتحسب حسابه"ص90 وتعد قصائده السياسية في ديوان (للريل وحمد) ومنها (قصيدة سفن غيلان- ومضايف هيل- وعشاير سعود- جد ازيرج- ابن ديرتنه حمد- حسن الشموس) ولقصيدة البنفسج حكاية سياسية اخرى فهي قد اثارت جدل طويل ، فالشاعر كتبها كقصيدة غزلية  وهي ذات بناء قصصي  "وهو يتألق في صياغة الشعر التي يقودها في دروب عملية السرد القصصي... ولكن السياسة لم تترك هذا النجاح الجماهيري الذي حققته فاستغلها البعض واشاعوا عنها بإنها تتغنى بالحزب الشيوعي العراقي..ولكن شقيق الشاعر (حسام النواب) قال " لم اسمع اخي مظفر يتحدث في اي موضوع سياسي. تصور ان الناس يقولون ان مظفر يقصد بقصيدة (البنفسج) التي غناها المطرب (ياس خضر) بإنها عن الحزب الشيوعي ! وعندما سألته ضحك كثيرا وقال: ان هذا عبارة عن صراعات احزاب، وقال لم يقصد اطلاقا ما روج له البعض من اعضاء الحزب الشيوعي، وأنها قصيدة غزلية صرف؟"ص94 "يا طعم يا ليلة من ليل البنفسج يا حلم يامامش ابمامش طبع البكلبي من اطباعك ذهب ترخص، واغليك، واحبك اني متعود عليك هواي يا سولة سكتي يا طواريك من الظلمة تجيني جانت اثيابي على غربة كبل جيتك ومستاحش من اعيوني وعلى المامش علمتني جلمة الهجران زارتني كبل حبك" وقد نشرت هذه القصيدة وهي تحمل اسم (على كد البريسم) ولكن الاغنية نزلت بأسم (البنفسج)، اما البطل السياسي عند الشاعر فكانت في قصيدة (صويحب) – صويحب من يموت المنجل ايداعي)-وكذلك قصيدة (عشاير سعود) وهو الفلاح الذي قتلته السلطات عام 1961 – يا سعود احنه عيب انهاب..يا بيرغ الشرجية خله الدم..يجي طوفان، كلنه أنخوض عبرية- وهناك قصائد اخرى ذات طابع سياسي وثوري مثل قصيدة (حصاد) و(سفن غيلان)و(الفتاة المغتصبة) ومثلما يقول (عبد الله الشاهر) "أن الانزياح في نص الشاعر ميزة كبيرة، ودليل على قدرته وشموليته في ان يرتب فضاءات ذاته من خلال نصه الشعري ليحمله الى الاخرين دافعا محرضا وقد يكون ثائرا"ص109

يرى المؤلف ان مظفر النواب (كتب شعره بلهجة هجينة..يختلط في مفرداتها الجنوبي بالبغدادي والدليمي بالبصري) اما الصور الشعرية في قصائد النواب فهي (صور جديدة واصيلة ..مستمدة من الذائقة الشعبية المتطورة والمنفتحة على اختها الفصيحة ) مثل قصيدة (زرازير البراري):عيونك زرازير البراري بكل مرحها بكل نشط جناحه بعالي السحر والروح مني عوسجة بر ما وصل ليها النده ولا جاسها بكطرة المطر وصفولي عنك يالنباعي تفيض واتعنيت ليلة وية الكمر وصفولي عنك كل ساعة يفيض منك عطر يلحسنك نهر تنزل بصدري ويه النفس وبدمي غصبن تنعجن واشهك واصعدك للسمة بحسرات ويعتنه حزن حن..بويه حن"ص 130اما علاقة النواب بالثورة فنجدها في قصيدة (الفلاح)

الشاعر والغربة

في نهاية الكتاب نصل الى عنوان الشاعر والغربة ، ويرى المؤلف ان مظفر النواب كانت الغربة بالنسبة له هي (المرارة التي تتغلغل في الروح، والتي لا تزيلها كل حلاوات الدنيا، أنها تظل الشعور القاتل الذي يراود المرء، وهو يعيش بعيدا عن وطنه..وان الشاعر العراقي المحترق بشذرات نشيده الوطني الذي تربى عليه لا يستطيع ان يخون تربته التي تربى عليها، اولى هذه الاغترابات عن الوطن في العام 1963 حين اضطر الشاعر الى الهرب من العراق عندما اشتد الصراع السياسي بين اقوميين والشيوعيين..وكان هروبه الى ايران ..

 

وكان يروم الذهاب الى الاتحاد السوفيتي ولكن القي عليه القبض واخضع لتعذيب جسدي ونفسي شديد على ايدي جهاز السافاك ..ولكن الشاعر لم ينكسر او يداهمه الخمول والنكوص مما اصابه من ظلم كبير في تلك لغربة القاتلة والتي اشار الى بشاعتها في الوتريات الليلية الحركة الثانية "يجي يوم يرجع للبلاد يجي يوم الدرب يمشي بكيفه ويوصلنه يجي يوم الفرقة نوزعها ملبس يجي يوم"ص150

مظفر النواب  حينما كان في دمشق وجهت له دعوة لاستضافته من قبل حافظ اسد فابدى شكره لتلك الالتفاته، ألا انه اعتذر من قبول الدعوة الرسمية" لذلك بقي عزيز النفس كريما ابيا،ومثلما رفض هذه الدعوة نراه وهو يرفض ذلك الشيك المفتوح الذي قدم له، لقاء ان ينال من العراق، لكنه رفض باباء مثلما يخبرنا شقيقه (حسام النواب)

الخاتمة

مهما كتب وقيل بحق الشاعر (مظفر النواب) فهو لا يعطيه مكانته في قلوب العراقيين ويعد قليلا! لأن مظفر النواب ليس (ظاهرة) ادبية وثورية نادرة الوجود.كتاب مظفر النواب الكلمة المنغمة – حياة وإبداع – كتاب يستحق الدراسة والتأمل لما تضمنه من معلومات جديدة عن حياة الشاعر وابرز المحطات الابداعية والعاطفية والثورية.


مشاهدات 722
أضيف 2022/05/23 - 4:31 PM
آخر تحديث 2024/07/15 - 4:34 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 94 الشهر 8083 الكلي 9370155
الوقت الآن
الجمعة 2024/7/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير