التفاصيل عند باسم عبدالحميد حمودي.. سرديات الحدث بكتاب الهامش في التأريخ العراقي
محمود خيون
كثيرة هي الوقائع التي نشرت بشأن حوادث مهمة وتأريخية مرت في حقب ماضية تحدث اصحابها عن قصص وروايات كان لابطالها ودورهم الخطير في تسجيل وتغيير معالم كثيرة من التاريخ ونشأته منذ قرون عديدة..ولم تقف تلك السرديات الاجتماعية عند حد معين من حدود الحكاية والتعمق في تفصيلاتها الغير مملة والتي تحمل بين طياتها حقب وتواريخ لاحداث غيرت من مجرى التأريخ ورسمت أبعادا واسعة الآفاق في حتمية القدر الذي عصف في حينها ودارت دوائره لتطيح بأسماء كان لها الدور الكبير في رسم معالم الحياة وتسجيل مفردات جديدة في قاموسها السياسي والاجتماعي والفقهي...
وفي كناب( في تفاصيل الحدث الهامش في التأريخ العراقي ) للباحث الكبير باسم عبد الحميد حمودي نقف مبهورين عند حقائق جديدة ومهمة في علم التأريخ وتفصيلاته وتشعباته...وهذا الشيء اكده الباحث في مقدمة الكتاب بالقول
( يقوم علم التأريخ بشكل أساسي على إيراد الوقائع التأريخية وتحليلها على أساس النظرية أو المذهب الفكري الذي ينتهي له المؤرخ..ومن الطبيعي إلا يصلح هذا الرأي لكل مؤرخ على مختلف العصور، فقد تداخلت الأساطير والخرافات والمبالغات في كتابات المؤرخين الأوائل الذين اعتاد الكثير منهم نقل قوام( المادة ) التأريخية عن سواه أو من أفواه الاخباريين دون تمحيص...ويضيف الباحث حمودي وهذا الأمر دفع الذين تلوهم إلى الاحتكام للشك والمقارنة بين الروايات المتعددة عن قضية واحدة للوصول الى( الحقيقة) ...
ومن هنا يفسر لنا الباحث اهمية توخي الدقة والحيطة في نقل الوقائع أية وقائع سياسية كانت أم إجتماعية قد يتخللها قاسم مشترك في الرؤية والسردية وبناء الفكرة التسلسلية في كتابة الواقعة والتمحيص في نشر ماهو حقيقي ويميل للواقع أكثر ويبتعد عن تحليلات خارجية قد ينتابها الشك والريبة في الوصف والدقة... وهذا ما يؤكده الباحث الكبير باسم حمودي بالقول( ان قيام المدارس التأريخية الكلاسيكية في أوربا كان يتم اما على أساس المدرسة الحولية أو الماركسية أو تأريخ يونك إضافة للاستبصارات التي تتم وفق المدرسة الاقتصادية التأريخية أو أساس الجغرافية توجه التأريخ، ثم دخول المدرسة التحليلية المعتمدة على علم النفس إضافة إلى وجود مدارس النوع التأريخي.. مثل تأريخ الفيزياء وتأريخ الملابس وتأريخ كرة القدم وتأريخ السينما...الخ في البلاد العربية الإسلامية قام علم التأريخ على الأخبار أولا..حيث دون المؤرخون تأريخ الأمم السالفة المصحوبة بالخرافات والمبالغات في إيراد كثير من الوقائع كالوارد في كتاب( وقائع الدهور) مثالا...ويشير الباحث حمودي..لقد صدرت عبر سنوات الحكمين الملكي والجمهوري الكثير من المذكرات الخاصة بالساسة والعسكريين العراقيين حول وقائع تأسيس العراق الحديث إضافة لدراسات معتبرة مثل تأريخ الوزارات لعبد الرزاق الحسني والتأريخ الإجتماعي للدكتور علي الوردي ومشكلة الموصل للدكتور فاضل حسين على سبيل المثال. لكن الهامش غير المدون أو غير المتفق عليه مازال مطروحا والأسئلة تتوالى هنا...هل مات نوري السعيد باشا العراق منتحرا أو مقتولا؟ وما دور العقيد وصفي طاهر في الأمر؟! )لقد كتب الكثير من المؤلفات عن قضية مصرع الباشا نوري السعيد وامتلأت المكتبات بعشرات الكتب التي تحمل اسمه ونهاية حكمه وسقوط العرش الملكي ومقتل العائلة الملكية بجميع أفرادها...وبهذا الصدد يضيف الباحث الكبير باسم حمودي في كتابه فصلا تحت عنوان( وفاة نوري السعيد في روايات متعددة ) أن متابعة أحداث التأريخ العراقي الحديث الدموية تثير الحزن والأسى الذي لا دخل للمتابع به، فنحن إزاء صحائف مطوية نكشف فيها عند تمحيصها حقائق جديدة تثير النقاش والتساؤل ومنها ما يتعلق بالموضوع الذي نطرحه للنقاش والبحث وهو هل قتل نوري السعيد باشا العراق ورئيس الوزراء الاتحادي بيد جنود الانقلابين بقيادة العقيد وصفي طاهر كبير مرافقيه سابقا؟ أم انه انتحر بطلقات مسدس كان يحمله؟لقد هرب نوري السعيد صبيحة 14 تموز من البيت الذي تملكه زوجته السيدة نعيمة العسكري قبل أن يهاجم ويقبض عليه فما الذي جرى؟! ..وتحت عنوان( هل ترك عبد الكريم السعيد لمصيره وحيدا؟! يقول الباحث أن هذا السؤال يخالف معظم المصادر التأريخية التي أكدت أن رجال الانقلاب كانوا يبحثون عن نوري السعيد لتصفيته مع الأسرة المالكة بعد أن بات ليلة 14- 15 دون أن يعثر الانقلابيون عليه وقد دعت اذاعة بغداد إلى القبض عليه وخصصت الحكومة الجديدة جائزة مالية كبرى تسلم لمن يدل عليه..
ومن هنا يتبين للقاريء والدارس أن نهاية الباشا نوري السعيد ظلت إلى يومنا هذا تحكمها الأقاويل والأحاديث والقصص والسرديات الفردية والجماعية..ونوري سعيد الذي كان يتجول حافيا في أزقة البتاويين يريد اللجوء إلى من يعينه على صد رجال الانقلاب، كثرت الحكايات عن كيفية قتله أو انتحاره.انتحاره المسدس كان يحمله في جيبه..لكن الباحث باسم عبد الحميد حمودي وضح في كتابه الاخير في ( تفاصل الحدث الهامش في التاريخ العراقي ) عن مجموعة أخبار منقولة عن أشخاص ومنهم أطباء في الطب العدلي الذين اكدوا بانه وصلت إلى الطب العدلي ثلاث جثث الاولى لنوري السعيد والثانية لصباح نوري السعيد والثالثة لسيدة كبيرة السن مغطاة بشرشف أبيض اللون ماعدا الوجه ،اضافة الى رواية أخرى أفاد بها العقيد الركن المتقاعد قاسم حمودي عبد الله الذي يشير إلى نقل جثة نوري السعيد سالمة إلى وزارة الدفاع وتلك الرواية وردت في كتاب( الذاكرة التأريخية لثورة 14 تموز ) وهناك الكثير من الروايات والانباء التي تناقلها الناس عن مصير الباشا نوري السعيد ومنها رواية الدكتورة سانحة امين زكي والسويدي وعصمت السعيد هارولد بيلي ومير بصري وغيرهم...بينما يدركنا المؤرخ عبد الرزاق الحسني في مطلع موسوعته ( تأريخ الوزارات العراقية) أن نوري السعيد انتحر في 15 تموز بعد زوال نظام الحكم الملكي ومحاولة قتله دون أن يزيد ...
ومما تقدم فأن هناك الكثير من الحقائق والشهادات الموثقة باسماء شخصيات عاصروا حكم الباشا تؤكد صحة ما ورد من وقائع وتفصيلات في كتاب( في تفاصيل الحدث الهامش في التأريخ العراقي ) للباحث الكبير باسم حمودي والتي احتواها كاتبه الموسوم والقيم بكل فصوله.