الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
غزلٌ‭ ‬بغدادي

بواسطة azzaman

غزلٌ‭ ‬بغدادي

حسن النواب

اسمك‭ ‬يا‭ ‬بغداد‭ ‬الذي‭ ‬أرددهُ‭ ‬متغزلاً‭ ‬بسحرك‭ ‬يوم‭ ‬أصبحتُ‭ ‬مجنونا‭ ‬بك،‭ ‬يتساقط‭ ‬من‭ ‬فمهِ‭ ‬رطباً‭ ‬جنيَّاً‭ ‬ويسيلُ‭ ‬من‭ ‬عينيهِ‭ ‬عرق‭ ‬جبين‭ ‬الفقراء‭ ‬وحليب‭ ‬الأمهات،‭ ‬أيتها‭ ‬الفاتنة‭ ‬المجبولة‭ ‬من‭ ‬نفحات‭ ‬نور‭ ‬الله‭ ‬وغبار‭ ‬سومري‭ ‬مضيء‭ ‬تلوذ‭ ‬تحت‭ ‬جناحيه‭ ‬جميع‭ ‬المدن‭ ‬الأنثوية،‭ ‬لا‭ ‬أطيار‭ ‬أجمل‭ ‬فضة‭ ‬من‭ ‬نوارسك‭ ‬التي‭ ‬تحلق‭ ‬من‭ ‬عينيك‭ ‬الماسيتين‭ ‬فوق‭ ‬جسر‭ ‬دجلة،‭ ‬ولا‭ ‬عنادل‭ ‬تشدو‭ ‬أجمل‭ ‬من‭ ‬بلابلك‭ ‬على‭ ‬شجرة‭ ‬تين‭ ‬ترضع‭ ‬عسلاً‭ ‬من‭ ‬الفرات،‭ ‬أيتها‭ ‬الأنثى‭ ‬التي‭ ‬شغف‭ ‬في‭ ‬رقتها‭ ‬وعذوبتها‭ ‬أمراء‭ ‬وشعراء‭ ‬وسلاطين‭ ‬وفرسان‭ ‬صعاليك‭ ‬وعتَّالون‭ ‬وعابرو‭ ‬سبيل،‭ ‬في‭ ‬بحَّةِ‭ ‬صوتك‭ ‬يذوب‭ ‬صوت‭ ‬الكمان‭ ‬وفي‭ ‬شدوك‭ ‬تصدح‭ ‬مقامات‭ ‬عراقية‭ ‬حتى‭ ‬تفيق‭ ‬الموتى‭ ‬من‭ ‬سباتهم‭ ‬العميق،‭ ‬أيتها‭ ‬المزدانة‭ ‬بالشظايا‭ ‬والنخيل‭ ‬والشمع‭ ‬الملكي‭ ‬والرماد‭ ‬المقدس‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬الكحل‭ ‬المثير‭ ‬لأجفان‭ ‬الحلوات،‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬في‭ ‬أصقاع‭ ‬الدنيا‭ ‬تشبه‭ ‬رونقك‭ ‬وسحرك‭ ‬وهدوئك‭ ‬وغضبك‭ ‬وجنونك‭ ‬ورقتك‭ ‬وحربك‭ ‬وشعرك‭ ‬الذي‭ ‬يعرّشُ‭ ‬كغابات‭ ‬من‭ ‬السندس‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬دجلة‭. ‬هذا‭ ‬الغنج‭ ‬لا‭ ‬يليق‭ ‬إلاَّ‭ ‬بك؛‭ ‬أيتها‭ ‬الحلوة‭ ‬كشمس‭ ‬تستحم‭ ‬بالسحاب،‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬خطاك‭ ‬تتدفَّقُ‭ ‬قصائد‭ ‬الشعراء‭ ‬والجنود‭ ‬الراحلين‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬حروبك‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬خبت‭ ‬نيرانها‭ ‬في‭ ‬مواقد‭ ‬الحُسَّاد‭ ‬والغزاة،‭ ‬يا‭ ‬لغز‭ ‬السحرة‭ ‬والعرافين‭ ‬في‭ ‬مفاتن‭ ‬خدودك‭ ‬التي‭ ‬تشبه‭ ‬حقولا‭ ‬من‭ ‬التفاح،‭ ‬ويا‭ ‬لرنين‭ ‬خلاخلك‭ ‬البغدادية‭ ‬وأنتِ‭ ‬ترقصين‭ “‬الهجع‭” ‬في‭ ‬السهوب‭ ‬المشتعلة‭ ‬بالغناء‭ ‬والحنين،‭ ‬على‭ ‬جبينك‭ ‬ركع‭ ‬الأتقياء‭ ‬للصلاة،‭ ‬وبين‭ ‬أحضانك‭ ‬يلوذُ‭ ‬الملوك،‭ ‬ومن‭ ‬مجاهيل‭ ‬صدرك‭ ‬شهقت‭ ‬قباب‭ ‬الذهب‭ ‬ومنائر‭ ‬النداء،‭ ‬أيتها‭ ‬المنسوجة‭ ‬من‭ ‬حرير‭ ‬الفردوس‭ ‬والمرصعة‭ ‬بثمار‭ ‬شجرة‭ ‬الطوبى،‭ ‬حين‭ ‬تفتحين‭ ‬ذراعيك‭ ‬تنهمر‭ ‬الأنهار‭ ‬والحقول‭ ‬والبساتين‭ ‬والخيول‭ ‬وحور‭ ‬العين،‭ ‬وكلما‭ ‬شدَّتْ‭ ‬النار‭ ‬أوزارها‭ ‬على‭ ‬جسدك‭ ‬البتول،‭ ‬أمطرتْ‭ ‬السماوات‭ ‬جرار‭ ‬العبرات‭ ‬من‭ ‬عيون‭ ‬الملائكة،‭ ‬فاتنةٌ‭ ‬أنتِ‭ ‬مثل‭ ‬جنَّة‭ ‬الصالحين،‭ ‬وباسلة‭ ‬مثل‭ ‬فرس‭ ‬ما‭ ‬تعبتْ‭ ‬من‭ ‬الصهيل‭ ‬والقتال‭ ‬ومن‭ ‬الجري‭ ‬بدروب‭ ‬الجمر‭ ‬والنبال،‭ ‬حزنك‭ ‬الشفيف‭ ‬يشبهُ‭ ‬نايات‭ ‬عذارى‭ ‬لم‭ ‬تدشَّن‭ ‬الشفاه‭ ‬نفخ‭ ‬ريح‭ ‬الخماسين‭ ‬في‭ ‬جوفها،‭ ‬ولم‭ ‬تتراقص‭ ‬أصابع‭ ‬السماء‭ ‬على‭ ‬ثقوبها‭ ‬الوامضة‭ ‬بالنجوم،‭ ‬أيتها‭ ‬الأغنية‭ ‬الثائرة‭ ‬في‭ ‬مهجة‭ ‬الروح،‭ ‬كل‭ ‬فجر‭ ‬تستيقظ‭ ‬مفاتن‭ ‬روحك‭ ‬ملتاعة‭ ‬بحب‭ ‬الحياة،‭ ‬مفاتنك‭ ‬تغازل‭ ‬نصب‭ ‬الحرية،‭ ‬وجدارية‭ ‬لفائق‭ ‬حسن،‭ ‬وشارع‭ ‬الرشيد،‭ ‬وقصيدة‭ ‬للجواهري،‭ ‬ونصب‭ ‬السياب‭ ‬على‭ ‬العشار،‭ ‬و‭ ‬شناشيل‭ ‬مقهى‭ ‬البرلمان،‭ ‬وحمام‭ ‬الحضرة‭ ‬في‭ ‬مرقد‭ ‬مقدَّس،‭ ‬أيتها‭ ‬المدينة‭ ‬البتول‭ ‬التي‭ ‬تاهتْ‭ ‬عربات‭ ‬الغزاة‭ ‬عند‭ ‬قدميك‭ ‬المضمَّختين‭ ‬بالحناء‭ ‬ورائحة‭ ‬البخور،‭ ‬ضفائرك‭ ‬سرب‭ ‬شموع‭ ‬متوهجة‭ ‬في‭ ‬غدير،‭ ‬وعبراتك‭ ‬ليرات‭ ‬ذهب‭ ‬في‭ ‬غابات‭ ‬مظلمة،‭ ‬أيتها‭ ‬الطاهرة‭ ‬مثل‭ ‬كفن‭ ‬نبي،‭ ‬والناصعة‭ ‬كقمر‭ ‬في‭ ‬سماوات‭ ‬صيف،‭ ‬لا‭ ‬غير‭ ‬حضنك‭ ‬الذي‭ ‬يسع‭ ‬الأرض‭ ‬بمشارقها‭ ‬ومغاربها‭ ‬من‭ ‬يأوينا،‭ ‬نحنُ‭ ‬الذين‭ ‬شرَّدنا‭ ‬أبناء‭ ‬الحرام‭ ‬و‭ ‬حطَّمت‭ ‬أحلامنا‭ ‬الخطوب‭ ‬والحروب‭ ‬والمجاعات،‭ ‬مشتاقون‭ ‬يا‭ ‬بغداد‭ ‬بجنون‭ ‬الملتاع‭ ‬لعناقك‭ ‬حدَّ‭ ‬أنَّ‭ ‬الوجد‭ ‬الذي‭ ‬يتلظَّى‭ ‬في‭ ‬مجاهيل‭ ‬صدورنا‭ ‬صار‭ ‬ينضج‭ ‬الرغيف‭ ‬كما‭ ‬ينضج‭ ‬في‭ ‬تنور،‭ ‬أيتها‭ ‬الأميرة‭ ‬الرابضة‭ ‬في‭ ‬هودج‭ ‬من‭ ‬الاستبرق‭ ‬وعلى‭ ‬أكتاف‭ ‬أبنائك‭ ‬السومريين‭ ‬لما‭ ‬يزل‭ ‬محمولاً‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين،‭ ‬أبناؤك‭ ‬الذين‭ ‬ينهبون‭ ‬دروب‭ ‬العوسج‭ ‬بخطاهم‭ ‬ولا‭ ‬يأبهون،‭ ‬ويستنشقون‭ ‬رائحة‭ ‬البارود‭ ‬ويغنون،‭ ‬بغداد‭ ‬لنْ‭ ‬يتعبنا‭ ‬حبك،‭ ‬ولنْ‭ ‬نكلّ‭ ‬أو‭ ‬نسأم‭ ‬من‭ ‬الجنون‭ ‬فيك‭ ‬وتبقى‭ ‬عروقنا‭ ‬وشهقاتنا‭ ‬تعشقك‭ ‬حتى‭ ‬يوم‭ ‬يبعثون؛‭ ‬أو‭ ‬نعود‭ ‬رفاة‭ ‬لندفن‭ ‬في‭ ‬مقابرك‭ ‬المقدَّسة‭. ‬بغداد‭ ‬سورة‭ ‬الشوق‭ ‬التي‭ ‬نلهج‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شهقة‭ ‬نحنُ‭ ‬الغرباء‭ ‬في‭ ‬مهاجرنا‭ ‬البعيدة‭.‬


مشاهدات 711
أضيف 2022/12/20 - 3:27 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 8:27 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 351 الشهر 11475 الكلي 9362012
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير