عندما يقول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون العائد لتوّه من مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة في دورته الثانية التي انعقدت في الأردن: أنّه لا بدّ من اشراك إيران في أي حل للمسألتين السورية واللبنانية، فإنّه من باب أولى أن يكون مقتنعاً تماماً بأنّ الدور الإيراني أساس لا بدّ منه أيضاً في العراق الذي بات ماكرون يحضر مؤتمراته.
والمسألة لا يمكن قراءتها بسذاجة وانفعال، كما لا يكفي قراءتها تحت الهواجس الوطنية التي تحد من إمكانات قراءة الصورة كاملة بامتداداتها من الأعداء والأصدقاء معاً. فلو تتبعنا مسار دور إيران منذ فترة الاعداد الأمريكي لإسقاط النظام السابق لوجدناه مساراً حيوياً قائماً بذاته، لم تمر أية خطوة سياسية او امنية او تعبوية للقوى العراقية، وهي شيعية وكردية حصرا في ذلك الوقت إلا من خلال الرؤية والدعم والحضور الإيراني. والسياسيون الذين عاصروا الاحداث قبل أكثر من عشرين عاماً يعرفون ذلك بالتفصيل. وفي الواقع انّ ما كانت تقوم به ايران هو بعلم الجانب الأمريكي، وفي ذلك تفاصيل بالأسماء يمكن الرجوع اليها في الحوارات التي أجرتها صحيفة الحياة اللندنية على مراحل مع اللاعب الأساس في تشكيلة المعارضة العراقية السابقة الراحل الدكتور احمد الجلبي ، الذي كان يسعى الى تشكيل حكومة عراقية مؤقتة في كردستان العراق في الشهور القليلة التي سبقت الغزو الأمريكي، وهو خيار تدعمه ايران ، لكن واشنطن كانت لها رؤية أخرى، رأينا بعضا من تفاصيلها بهد الاحتلال . بمعنى آخر، انَّ المطبخ السياسي والاستخباراتي الإيراني كان يعمل الى جانب المطابخ الامريكية، ولعله كان يتوفق عليها بحكم الامتدادات والنفوذ داخل الأحزاب الشيعية والكردية معاً ، فضلاً عن عامل الجغرافيا الحاسم في الحضور الفعلي في الميدان دائماً.
ماكرون يعرف من خلال كلامه أمس مديات التأثير الإيراني في اللعبة السياسية في المحور الإقليمي كله بما فيه العراق، وهو من خلال ذلك يرسم الدور الفرنسي.
لكن كلامه يقوم على تناقض كبير، ذلك انَّ مطالبته بتغيير قادة لبنان من اجل اصلاح البلد، وقسم منهم متلاحم الولاء والتبعية مع النظام في طهران، انّما هي دعوة من لا يستطيع أن يغير شيئاً من واقع يتجذر يوماً بعد آخر، وفي ضوئه يجري رسم الخرائط الإقليمية الجديدة، التي لا يتوقف ترسيمها إلا إذا وقعت حروب كبرى جديدة، وهي غير مضمونة النتائج أيضاً.
بالنتيجة لا يملك ماكرون حلولاً للازمات الا من خلال الباب الإيراني.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية