( لاي- فاي ) الزمان (14)
صفحات عن البرنامج النووي الإيراني (2)
عبد الرضا سلمان حساني
روليت الأحداث
ويستمر بَرم روليت الأحداث بأرقامه وألوانه والتنبؤات
بكرُةٍ تدور لتنزل وتؤشّر بالنهاية على رقم رابح واحد بلونه ومكانه. وبشكل مماثل، يتعالى الحديث عن المخاوف والخطوط الحمراء وما قبلها وبعدها بشأن ملف موضوع المقال وما تتناوله مواجيز وتفاصيل الأنباء حوله.
لقد أشرنا في الجزء (1) من هذا المقال الى بعض من الخلفيّات التاريخيّة للبرنامج النووي الإيراني وعرض وصفي لتكنولوجيا فصل نظيري اليورانيوم بإستخدام أجهزة الطرد المركزي والتي وصلت الى الجيل ( آي آر-6) في منشأة ناتانز في إصفهان. لقد أُعدّ الجزء ( 1) قبل يوم 2021/4/11 والذي حدث فيه هجوم ناتانز الذي إستهدف مصادر القدرة الكهربائيّة التي تغذي المنظومات العاملة تحت سطح الأرض بعمق يمكن أن يصل الى 90 متراً.إنّ القدرة النوويّةللدول، ومنها إيران، غالباً ماترتبط بمواضيع
سياسيّة وأقتصاديّة حسّاسة وربّما تصل الى نتائج الإنتخابات الرئاسيّة ومابعدها من مواقف. فبالنسبة لإيران، فقد حاولت الإدارة الأمريكيّة وحلفاؤها عن طريق المفاوضات وفرض العقوبات، دفع الخط الأحمر (الإندفاع وإمتلاك الكميّة الهامّة) الى الخلف أو إبطاء البرنامج أو تأخيره وبالأخص درجة التخصيب بصفتها العامل الحرج كما سبق وصفه في الجزء(1).
ومن جهة أخرى، كانت هناك خيارات للوصول الى بعض مواقع البرنامج وضربها بقنابل محمولة بالطائرات أو الإكتفاء بالحرب السبرانيّة كما قامت إسرائيل بعدواناتها الشرّيرة من قبل على منشآت سلميّة عربيّة.
خيارات أمريكيّة
يتحدّث الخببير المختص لورنس هيوسك عن الخيارات العسكريّة الأمريكيّة في مواجهة البرنامج النووي الإيراني وضرب منشآته لايقاف أو إرجاع الخطوط الحمراء الى الوراء من حيث الإندفاع في فترة الحصول على الكميّة الهامّة بدرجة التخصيب المستخدمة في الأسلحة.
حين يكون الخيار هو مهاجمة أي موقع أو هدف بواسطة الطائرات، فهذا يستوجب أوّلاً تعطيل المنظومات المضادة للطائرات عن طريق الهجوم السبراني. وكما يقال بأنّ إسرائيل قد قامت بعدوان سبراني بتاريخ 2007/9/6 على مفاعل نووي في شمال سورية بحجة أنّه بُني لأغراض وبمساعدات كورية شمالية. بدأت العمليّة التي سُمّيت
ترجمتها :عمليّة البستان )، بتعطيل المنظومات المضادة للطائرات والتي يقول الخبير المختص عنها بأنّها تشبه مضمون فلم (المهمّة المستحيلة) وفعل توم كروز بالكلميرا وهو يمسك بجناح الطائرة وهي تسير بسرعتها على ارتفاع 25 ألف قدم.
أماّ الحالة مع المنشأة الايرانيّة فتختلف لأنّها تحت سطح الأرض بعمق 90 متراً وإنّ القنبلة المهاجمة التي تمتلكها اسرائيل ذات قابليّة إختراق سطح الأرض أو الجبل الكونكريتي بعمق 6-8 أمتار فقط وإنّ إيران لديها عدّة مواقع نوويّة في برنامجها. أمّا حسابات المسافات المقطوعة، فعلى الطائرات أن تقطع مسافات فعليّة طويلة وأن تصيب أهداف متعددة في نفس الوقت.
أمّا أميركا فقد طوّرت قنبلتين تقليديّتين خارقتين تزن كل واحدة منهما 14 طنّاً وتمّ صرف مبلغ 160 مليون دولار فقط لتحوير طائرتين قاصفتين من نوع B52 لحملهما وهما الوحيدتان في العالم حين صمّمتا. أمّا المواصفات الأخرى لهذه القنبلة الخارقة فهي امتلاكها لقوة انفجاريّة مقدارها 11 طنّاً من مادة (تي ان تي ) شديدة الإنفجار وطول 6 أمتار تقريباً وقطرها 0.8 متراً.
وبسبب تعدّد المواقع الإيرانيّة وإنّ قنبلة تقليــــــــديّة واحدة لاتكفي لتعطيل موقع ما، تجدّدت خيارات أخرى مع إلغاء فكرة مهاجمة منشأة نوويّة بسلاح نووي وربّما يكون هذا ضرب من الغباء. وتأسيـــــــساً على ذلك، يرى محللون بأنّ الخيار العسكري غير نافع ســــــــيّما وإنّ ايران لديها المعرفة الـــــــــنوويّة والخطط والموارد في إعادة بناء مايدمّر في خيار عسكري وربّما تشــــــــيّد في مواقع جديدة يصــــــــعب معرفتها.
الحرب السبرانيّة
هي استخدام الحاسوب وشبكات الحاسوب والبرامجيّات لتنفيذ عمليّات تعطي نتائجاً نهائيّة كما في حال استخدام الأسلحة الهجوميّة الأخرى. انّ هذا النوع من الحروب قادمة لامحال، على الرغم من عدم اكتمال قواعد المعلومات عنها؛ كمعرفة ماهيّتها والمصدر الآتية منه وطرق مجابهتها أو تجنّبها.
وبشكل مبسّط فهي عمليّة تسميم المعلومات في برامج الحاسوب بإستخدام ڤايروسات والحصان الطروادي (تضليل الحاسوب) وديدان البرامجيّات التي تنسخ برنامج ما ثم تدخلهالى حاسوب أو شبكة دون الحاجة لذلك فيحرف البرمجيّات عن إعطاء نتائج أو انجاز عمليّة مفيدة في الشبكة.
إنّها عمليّات تسلّل الى شبكات الحاسوب وتحويل أدائها الى هراء في هراء ويمكن أن تطول أيّ حقل في خدمات الدول والمجتمع ولذلك تُعتبر التهدي القادم للأمن الوطني لدول العالم بأسرة وهناك العشرات من الكتب المؤلّفةوالمئات من الأحداث والشواهد المنشورة والممتدة من الحسابات المصرفيّة الشخصيّة وأسواق البورصة في المصارف الى حركة القطارات والمنشآت التكنولوجيّة المتقدّمة وغيرها.
في الحرب السبرانيّة، يكون التعرّف السريع على مصدر ها ومن المهاجم ضرباً من المستحيل لأنّها لاتحمل عنواناً للرد وغير ذلك.
في الحرب السبرانيّة عادة، تهاجم منظومات حاسوب صغيرة سريعة العطب موصولة بالشبكة وهي المسؤولة عن السيطرة وإكتساب البيانات. تُستخدم هذه الحواسيب الصغيرة عادة في تشغيل اشارات المرور الضوئيّة ومنظومات انتاج الماء ومعاملة المياه الثقيلة وشغيل المصاعد ومنظومات التدفئة والتبريد في البنايات ومفاتيح القطارات وسكك الحديد والتحكّم بمرور النقل الجوّي وتشغيل جميع أنواع المنظومات الصناعيّة وهي قابلة للتطوير والإستخدام كسلاح وهو نمط من برامجيّات التشفير والتسميم والتضليل والذي أصبح تحت عنوان (ستُكسنت) أي ملتصق بالشبكة (حسب تفسيري) لتعطيل أدائها.(ستُكسنت) هو دودة برامجيّة أو ڤايروس حاسوبي شديد الفاعلية، تستخدماه أميركا وإسرائيل ضد المواقع النوويّة الإيرانيّة بإسم الألعاب الأولمپيّة، مصمّم لدخول شبكات الحاسوب بمختلف الفعّاليّات بضمنها القابليّة على داخل المفاعلات النوويّةوإظهار مقاييس القراءات أثناء التشغيل بقيم مضلّلة وليست الحقيقيّة (إظهار منظومات متشلولة متوقفة وكأنّها طبيعيّة عاملة).
لقد صُمّم هذا الڤايروس في منتصف العام 2008 وأُطلق الى الإنترنت، (عن طريق الخطأ) وتمّ التعرّف عن وجوده في الشبكة العنكبوتيّة عن طريق الصدفة في شهر آيار (مايو) من العام 2010 من قبل مستخدمين غير حكوميين للإنترنت.
وثمّة حقيقة يتداولها المحلللون ومفادها، ان الهجوم السبراني الفعّال على المنشآت النوويّة الإيرانيّة وغيرها يمكن أن يؤخّر تقدّم عملها لفترة تصل الى 2-4 سنوات. وهناك بعض الفرضيّات التي تطرح الكيفيّة التي زُرعت بها هذه الأجزاء في الحواسيب العاملة في المنشآت النوويّة والتي يمكن أن تصل الى عناصر تعمل في شركات البيع، تزرعها بشكل سرّي أو وضع مايسمّى بعِصيّ الذاكرة في البرامجيّات. تعمل وسائل الخرق السبرانيّة كمرشد لاسلكي مطمور في داخل الحاسوب يظهر فجأة ليعلن عن مكان وجوده الذي وصل اليه ويسأل عن الشيء المطلوب منه فعله في الشبكة العاملة في المنشأة والأدوات المشغّلة لمنظوماتها.
وبعد رسم خارطة متــــــــكاملة لمواقع هذه الحواسيب الصغـــــــــــيرة ، ومنها منشأة ناتانز النوويّة الإيرانيّة، يمكن إطلاق برنامج ستكــــــــسنت وكأنّه (صواريخ ) سبرانيّة لتعطيل شبكة السيطرة والتشغيل وبضـــــــمنها سرعة دوران أجهزة الطرد المركزي التي يمكن أن تنخفض الى دورتين في الدقيقة، مثلاً، بعد ان كانت هائلة السرعة.
سطور الختام
لقد بات واضحاً أنّه ليس من السهل التنبؤ ببعض المواقف وكأنّها بحار بلا سواحل، وكما الحال في نزول كرة الروليت على الرقم الرابح بعد دوران سريع!