قاتل الكرد الثلاثة في باريس عنصري أم إرهابي أم مريض نفسياً ؟
قاسم حسين صالح
الواقــعة
قام سائق قطار فرنسي متقاعد (69 سنة) في 24 / 12 /2022 بقتل ثلاثة في مركز ثقافي كردي بدافع كراهيته للمهاجرين ،وقد تم اعتقاله ونقله الى مصحة نفسية تابعة للشرطة وأعلنت ( ان الطبيب الذي فحص المشتبه به خلص الى ان الوضع الصحي للشخص المعني لا يتوافق مع اجراء الاحتجاز).
وأوضحت المدعية العامة في باريس أن القاتل اعترف بأنه يكنّ( كراهية للأجانب) ،وصفتها بأنها (كراهية مرضية).وكشف التحقيق ان القاتل سبق ان ادين عام 2017 لحمله سلاحًا غير مرخّص حكم عليه بالسجن ستة أشهر مع وقف اتنفيذ، كما وجهت له في كانون الأول/ديسمبر 2021 تهمة ارتكاب أعمال عنف بالأسلحة مع سبق الإصرار وبدافع عنصري، واعترف أن كراهيته للأجانب اصبحت (حالة مرضية) منذ حادثة السطو على بيته في 2016.
وعن الواقعة، كشف التحقيق انه حمل مسدسه وتوجه صباحا الى ضاحية (سان دوني) لكنه عاد الى بيته لقلة الموجودين فيها من الأجانب ،فتوجه قبيل الظهر الى شارع (دينيغيان) بوسط باريس حيث يوجد مركز ثقافي كردي فدخله وقتل ثلاثة( القيادية في الحركة النسائية الكردية في فرنسا أمينة كارا، وفنان- موسيقار ملاحق في تركيا بسبب فنه، ولاجئ سياسي كردي،وأصابة ثلاثة آخرين)،موضحا أنه غاضب من الأكراد لأنهم أخذوا دواعش أسرى أثناء قتالهم ضد (تنظيم الدولة الإسلامية) بدلا من قتلهم.
وافاد الكشف الطبي النفسي ان القاتل يعاني من الأكتئاب و( يميل الى الأنتحار) فيما صرح والد القاتل ،وعمره (90) سنة، بأن ابنه (لم يقل شيئا عندما غادر المنزل صباح يوم الحادث ،وانه يميل الى الصمت و(منغلق). لقد اثارت هذه الواقعة جدلا ما اذا كان القاتل مريضا نفسيا، وما اذا كان عمله هذا يعدّ ارهابيا ام عنصريا، فيما أكد باحثون ان العنصرية لا تعدّ تطرفا..ويأتي هذا المقال لحل هذا الاشكال..علميا.
التحليل
يتضمن الحدث ثلاثة مصطلحات (الأرهاب والعنصرية والمرض النفسي) وفي ادناه ما يقوله العلم عنها.
الأرهاب
يعني الأرهاب (Terrorism) الاستخدام غير المشروع للعنف او التهديد يستهدف فيه الفاعل تغليب رأيه السياسي او فرض سيطرته على المجتمع او الدولة .
العنصرية
تعرّف العنصرية (Racism) باللغة الانكليزية (Prejudice, Discrimination, or Hatred at someone because of their race ).
فيما تعني بلغات أخرى:التمييز بين الشعوب، الناس، الأفراد.. القائم على الأفضلية والدونية ،الناجمة عن افكار ومعتقدات يراها صاحبها صحيحة مع انها خاطئة.
المرض النفسي
يعني المرض " الأضطراب" النفسي (Psychological Disorder) تعرّض الشخص للأصابة بحالة نفسية تؤثر سلبيا فيه وفي علاقاته مع الآخرين، تتراوح بين تعكر المزاج ، والقلق، والعصاب، والأكتئاب، الى الذهان والشيزوفرينيا..وصولا الى الأنتحار.
القاتل عنصري وليس أرهابيا
مؤكد ان القاتل ليس أرهابيا، لأن هدفه ليس سياسيا ،ولأنه ليس منتميا الى تنظيم يستهدف المجتمع او الدولة، وقد اتفقت على ذلك الشرطة الفرنسية وقضاة التحقيق ومعظم المحللين باسثناء عدد من المهاجرين.والأشكالية ليست هنا بل في (العنصرية)..فمع ان القاتل اعترف بأنه (عنصري) وأنه يكره (المهاجرين الأجانب) الى فرنسا لأنهم في تقديره" يتسببون في فوضى وياخذون حق المواطن" ، فأن باحثين ومحللين انكروا ان العنصرية ليست تطرفا.ولهم نقول:
ان العنصرية..تعصّب والتعصب تطّرف،وأن حاملها (معتنقها) يكون مصابا بـ(الحول العقلي) ،وهو مصطلح جديد نحتناه في علم النفس العربي، يرى المصاب به كل ما هو ايجابي وجميل في جماعته التي ينتمي اليها وأنها هي الأفضل، ويرى كل ما هو سلبي وقبيح في الجماعة الأخرى وانها دونها مكانة واعتبارا.والأشكالية ،ان العنصري يرى ان معتقداته وأفكاره صحيحة تماما ولا يمكنك اقناعه بانها خاطئة ،فحاله هنا حال المصاب بحول العين الذي يرى الواحد أثنين.
ونضيف للباحثين والمحللين الذين نفوا ان تكون العنصرية تطرفا..ان العنصرية بكل اشكالها تمثل احد انواع التعصب، وان جميع انواع التعصب( ديني ،عرقي، طائفي..) تعدّ تطرفا ،وجميعها تتحكم فيها نفس الآلية السيكولوجية ،نصوغها بما يشبه النظرية،خلاصتها:
ان الكراهية تشحن المتطرف (عنصري، ديني،طائفي...)
بحقد لا يستطيع تحمله فيدفعه الى تفريغه(بأنتقام)
يريحه نفسيا،ويخرجه من حالة الأنطواء والعزلة ولوم الذات.
هل القاتل..مريض نفسيا؟
يعدّ ما قام به قاتل الكرد الثلاثة في باريس..سلوكا شاذا بالمعايير الاحصائية والاجتماعية والصحة النفسية. وتشخيصنا السيكولوجي لحالته انه مصاب بـ( عصاب العنصرية). ويعني العصاب (Neurosis) في مفهومنا السيكولوجي، سلوكا حياتيا يعوزه التكيف واللاواقعية في تقييم المحيط الذي يعيش فيه ،والميل الى الأستمرار على هذا السلوك برغم ما يسببه من متاعب لصاحبه الذي يميل الى الأنطواء والعزلة عن الناس والقلق المصحوب بالأكتئاب والوساوس القهرية. ولهذا فأن العنصري خطر جدا على المجتمع لأن العنصري المتشدد يدخل ضمن صنف السوشيوباث او الشخصية المضادة للمجتمع التي تقتل ولا تشعر بالذنب ولدينا علىذلك دليلان:
الأول: ان قاتل الكرد الثلاثة صرّح بالنص: ((أنا نادم لأنني لم اقتل عددا أكبر من الأكراد).
والثاني: في تسعينات القرن الماضي(زمن الحصار على العراق) كلفت باجراء دراسة عن عصابة تقوم بسرقة سيارات السوبر وقتل اصحابها. وكان رئيس العصابة شابا في نهاية العشرينيات محتجزا لوحده في زنزانة بسجن (أبو غريب) كان قد قتل ستة،فسالته:
{ لنفترض انهم البسوك فجر الغد البدلة الحمراء واخذوك الى الأعدام، فعلى ماذا ستندم؟
أجاب:
{ اندم أنني ما قتلت أكثر!
توصية لشرطة فرنسا
استنادا الى تحليلنا العلمي هذا، فان على المصحة النفسية المرتبطة بالشرطة الفرنسية ان تغير رأيها في تشخيصها النفسي للقاتل، مع التنويه بأن ما قام به لا يعفيه من العقوبة الجزائية، لأنه ليس مصابا بذهان يفقده وعيه كما في حالة المصاب بالشيزوفرينييا الذي يقتل أعز ناسه،بمن فيهم..أمه!
{ مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية