الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ملاذ‭ ‬الخيال‭ ‬الايماني‭

بواسطة azzaman

ملاذ‭ ‬الخيال‭ ‬الايماني‭

عباس الحسيني

 

النزعة‭ ‬الصوفية،‭ ‬او‭ ‬التيار‭ ‬الصوفي‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬اعمق‭ ‬واجمل‭ ‬ابتكارات‭ ‬العقل‭ ‬المسلم،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الصوفية‭ ‬قد‭ ‬أخذت‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬منها‭ ‬،‭ ‬عن‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬ابي‭ ‬طالب‭ ‬،‭ ‬وما‭ ‬تبعه‭ ‬كالجنيد‭ ‬البغدادي‭ ‬ومحي‭ ‬الدين‭ ‬بن‭ ‬عربي،‭ ‬والسهروردي‭ ‬وابن‭ ‬الرومي،‭ ‬لان‭ ‬عليا‭ ‬لَبس‭ ‬الصوف‭ ‬وتمجد‭ ‬بفقره‭ ‬الى‭ ‬الله،‭ ‬وانه‭ ‬تهجد‭ ‬بشعر‭ ‬صوفي‭ ‬سابق،‭ ‬فانّ‭ ‬محي‭ ‬الدين‭ ‬بن‭ ‬عربي‭ ‬والشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬ابن‭ ‬الرومي،‭ ‬وكذلك‭ ‬الشاعر‭ ‬الساحر‭ ‬الشهيد‭ ‬ابو‭ ‬منصور‭ ‬الحلاج‭ ‬،‭ ‬قد‭ ‬نسجوا‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬المتقدمين‭  ‬فكرهم‭ ‬الصوفي‭ ‬شعريا‭ ‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬ممارسات‭ ‬الامام‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬ابي‭ ‬طالب‭ ‬العبادية‭ ‬صوفية،‭ ‬او‭ ‬حتى‭ ‬ذات‭ ‬نزعة‭ ‬صوفية،‭  ‬كان‭ ‬يؤثر‭ ‬الوعي‭ ‬الكامل‭ ‬وحضور‭ ‬التركيز‭ ‬التام‭ ‬في‭ ‬العبادات‭ ‬والتجليات،‭ ‬لكن‭ ‬طريقة‭ ‬الامام‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬ابي‭ ‬طالب‭ ‬في‭ ‬التأوه‭ ‬والتهجد‭ ‬والتوسل‭ ‬والتواضع‭ ‬واللبس‭ ‬والطعام‭ ‬فهمت‭ ‬على‭ ‬انها‭ ‬جذور‭ ‬أسست‭ ‬للصوفية‭ ‬زاد‭ ‬عليها‭ ‬ذكر‭ ‬الصوفيين‭ ‬لعلي‭ ‬وال‭ ‬بيته‭ ‬في‭ ‬حلقات‭ ‬الذكر‭ ‬

ومن‭ ‬شعره‭:‬

هي‭ ‬حالان‭ ‬ِ‭ ‬شدَّةٌ‭ ‬ورخــاءُ

وسجالان‭ : ‬نعمةٌ‭ ‬وبــلاءُ

والفتى‭ ‬الحاذقُ‭ ‬الأريبُ‭ ‬إذا‭ ‬ما

خانهُ‭ ‬الدَّهرُ‭ ‬لم‭ ‬يخنْهُ‭ ‬عــزاءُ

جذبت‭ ‬الصوفية‭ ‬المستشرقين‭ ‬وعموم‭ ‬الباحثين‭ ‬الغربيين‭ ‬،‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬على‭ ‬الوعي‭ ‬الباطن‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬الغوص‭ ‬في‭ ‬معترك‭ ‬البلاغات‭ ‬الجميلة‭ ‬للغة‭ ‬نثرا‭ ‬وشعرا،‭ ‬وأوجدت‭ ‬قدرة‭ ‬للطاقة‭ ‬الداخلية‭ ‬للإنسان،‭ ‬القدرة‭ ‬الشفاهية‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬المعاني‭ ‬لتوجيه‭ ‬منظومة‭ ‬الوعي‭ ‬الإنساني‭ ‬برمته،‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬دوائر‭ ‬غربية‭ ‬ارادت‭ ‬تبني‭ ‬الفكر‭ ‬الصوفي‭ ‬كممثل‭ ‬وحيد‭ ‬للإسلام‭ ‬لتنمية‭ ‬نزعة‭ ‬التسامح‭ ‬والسلام‭ ‬لدى‭ ‬الفرد‭ ‬المسلم‭ ‬،‭ ‬مع‭ ‬ان‭ ‬الصوفية‭ ‬تسبح‭ ‬في‭ ‬فضاءات‭ ‬كونية‭ ‬خارج‭ ‬الدين‭ ‬والمذهب‭ ‬والجغرافيا‭ ‬

اثرت‭ ‬الصوفية‭ ‬في‭ ‬الفنون‭ ‬الاخرى‭ ‬كالموسيقى‭ ‬والتشكيل‭ ‬والنحت‭ ‬والغناء‭ ‬،‭ ‬وأخذت‭ ‬معالم‭ ‬الأبنية‭ ‬في‭ ‬الأندلس‭ ‬وإشبيليا‭ ‬وبلد‭ ‬الوليد‭ ‬وبغداد‭ ‬والقاهرة‭ ‬أشكالا‭ ‬منحنية‭ ‬متشابكة‭ ‬لتبرز‭ ‬الترابط‭ ‬الروحي‭ ‬بين‭ ‬الأنوية‭ ‬والجوهر‭ ‬

ظهرت‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬متاثرة‭ ‬بالنزعة‭ ‬الصوفية‭ ‬وتأثر‭ ‬الموسيقار‭ ‬السنباطي‭ ‬بالمقامات‭ ‬التي‭ ‬جسدت‭ ‬السكينة‭ ‬واللوعة‭ ‬الباطنية‭ ‬للعاشق‭ ‬

عدت‭ ‬الصوفية‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬تاريخية‭ ‬بمثابة‭ ‬تطهير‭ ‬من‭ ‬الذنوب‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حدا‭ ‬بالخليفة‭ ‬العثماني‭ ‬سليمان‭ ‬القانوني،‭ ‬الى‭ ‬حبس‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬صومعة‭ ‬صوفية‭ ‬جنوب‭ ‬قونيا‭ ‬لتطهير‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬آلام‭ ‬جلد‭ ‬الذات‭ ‬

تقترب‭ ‬الصوفية‭ ‬من‭ ‬الرهبنة‭ ‬المسيحية‭ ‬والقبالة‭ ‬اليهودية‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬انها‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬الفطرة‭ ‬الانسانية‭ ‬ومنها‭ ‬قول‭ ‬الشاعر‭ ‬العبقري‭ ‬زهير‭ ‬بن‭ ‬ابي‭ ‬سلمى‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬الاسلام

ولا‭ ‬تكتمن‭ ‬الله‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬نفوسكم

ومهما‭ ‬يكتم،‭ ‬فالله‭ ‬يعلمُ‭ ‬

يؤخر‭ ‬فيوضع‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬فيدخر‭ ‬

ليوم‭ ‬حساب،‭ ‬او‭ ‬يعجل‭ ‬فينقمُ‭ ‬

‭- ‬والسؤال‭ ‬الاهم،‭ ‬لماذا‭ ‬حارب‭ ‬بن‭ ‬تيمية‭ ‬وكذلك‭ ‬الحركات‭ ‬المتطرفة‭ ‬الاخرى‭ ‬الصوفية‭ ‬؟؟‭ ‬

‭- ‬والجواب‭ ‬ان‭ ‬المنهج‭ ‬الصوفي‭ ‬بطبعه‭ ‬المسالم‭ ‬النقي‭ ‬،‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬أفكار‭ ‬الجهاد‭ ‬الفردي‭ ‬والتطهر‭ ‬الروحي،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الفرد‭ ‬أولًا‭ ‬،‭ ‬قبل‭ ‬الجماعة،‭ ‬ولا‭ ‬يولي‭ ‬نفس‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالمجال‭ ‬السياسي،‭ ‬باعتباره‭ ‬مجالًا‭ ‬فاسدًا‭ ‬ويُفسِد‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فيه،‭ ‬مفضلًا‭ ‬أن‭ ‬يبتعد‭ ‬عنه‭ ‬بالكلية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعتبره‭ ‬أصحاب‭ ‬المصالح‭ ‬السياسية‭ ‬منهجًا‭ ‬جيدًا،‭ ‬ليسير‭ ‬عليه‭ ‬المسلمون‭ ‬المتدينون‭ ‬بشكل‭ ‬عام

وهو‭ ‬نهج‭ ‬يتضارب‭ ‬مع‭ ‬الفكر‭ ‬السلفي‭ ‬الصدامي‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬المختلف‭ ‬عقائديا‭ ‬،‭ ‬ومع‭ ‬الغرب‭ ‬ومع‭ ‬الفكر‭ ‬الاخر‭ ‬

والصوفية‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬والعالم‭ ‬أوسع،‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تعترف‭ ‬بمذهب‭ ‬ويمارسها‭ ‬الجميع‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬وشيعة،‭ ‬كطريقة‭ ‬للتأمل‭ ‬والاقتراب‭ ‬من‭ ‬الصفاء‭ ‬الروحي‭ ‬للاقتراب‭ ‬من‭ ‬الله،‭ ‬كونه‭ ‬جوهر‭ ‬كل‭ ‬جوهر‭ ‬حسب‭ ‬معتقدات‭ ‬الصوفيين،‭ ‬كالرفاعية‭ ‬والجيلانية‭ ‬والجعفرية‭ ‬وغيرها‭ ‬

انا‭ ‬من‭ ‬اهوى‭ ‬ومن‭ ‬اهوى‭ ‬انا‭ ‬

اننا‭ ‬روحان‭ ‬حلا‭ ‬بدنا‭ ‬

كما‭ ‬يقول‭ ‬الحلاج‭ ‬

الاٍرهاب‭ ‬يستهدف‭ ‬الصوفيين‭ ‬ويعدهم‭ ‬كفره‭ ‬وخارجين‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬،‭ ‬والبلاء‭ ‬كله‭ ‬انبثق‭ ‬من‭ ‬الاخوان‭ ‬،‭ ‬الذين‭ ‬اعتمدوا‭ ‬جذور‭ ‬بن‭ ‬تيمية،‭ ‬ومنه‭ ‬انبثقت‭ ‬التعاليم‭ ‬السلفية‭ ‬التي‭ ‬مهدت‭ ‬لظهور‭ ‬اعتى‭ ‬التركيبات‭ ‬الشاذة‭ ‬والمتطرفة‭ ‬كالوهابية‭ ‬والسلفية‭ ‬والإخوانية‭ ‬والحركات‭ ‬الجهادية‭ ‬

بن‭ ‬تيمية‭ ‬وفِي‭ ‬مجمع‭ ‬فتاويه‭ ‬لا‭ ‬يفرق‭ ‬بين‭ ‬تارك‭ ‬الصلاة‭ ‬وبين‭ ‬القاتل‭ ‬والمتهتك‭ ‬،‭ ‬فاغلب‭ ‬عقوباته‭ ‬تذهب‭ ‬الى‭ ‬القتل‭ ‬والجلد‭ ‬والتعزير‭ ‬والرجم‭ ‬

بن‭ ‬تيميه‭ ‬الفقيه‭ ‬الكردي‭ ‬اليتيم‭ ‬،‭ ‬لا‭ ‬دخل‭ ‬لقوميته‭ ‬ونشأته‭ ‬في‭ ‬اتجاهه‭ ‬المركب‭ ‬من‭ ‬القسوة‭ ‬والنزعة‭ ‬لإفناء‭ ‬الذات‭ ‬البشرية‭ ‬،‭ ‬بن‭ ‬تيميه‭ ‬هو‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬آلاف‭ ‬الفقهاء‭ ‬الذين‭ ‬يعتمدون‭ ‬القسوة‭ ‬المفرطة‭ ‬وعدم‭ ‬احترام‭ ‬الذات‭ ‬الانسانية،‭ ‬لكن‭ ‬الكارثة‭ ‬التاريخية‭ ‬وقعت‭ ‬حين‭ ‬تبنت‭ ‬دولا‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬الدموي‭ ‬لتحمي‭ ‬حدودها‭ ‬وقتها‭ ‬من‭ ‬هجمات‭ ‬الروم‭ ‬والصليبيين‭ ‬

اخطر‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تأويله‭ ‬من‭ ‬فكر‭ ‬بن‭ ‬تيميه،‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬عرفت‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬بالحاكمية‭ ‬الإلهية‭ ‬وتنصيب‭ ‬المتطرف‭ ‬لنفسه،‭ ‬كوكيل‭ ‬مطلق‭ ‬عن‭ ‬السماء‭ ‬

اكثر‭ ‬من‭ ‬‮٣٥٠‬‭ ‬شهيد‭ ‬مصري‭ ‬برئ‭ ‬قضوا‭ ‬نحبهم‭ ‬في‭ ‬مسجد‭ ‬للطريقة‭ ‬الصوفية‭ ‬الجريرية‭ ‬في‭ ‬العريش‭ ‬في‭ ‬سيناء،‭ ‬لا‭ ‬لشئ‭ ‬الا‭ ‬لانهم‭ ‬صوفيون‭ ‬بسطاء‭ ‬يعوضون‭ ‬عّن‭ ‬فقرهم‭ ‬وعذاباتهم‭ ‬بالشعور‭ ‬الصوفي،‭ ‬ويقتربون‭ ‬من‭ ‬ربهم‭ ‬روحيا‭ ‬عبر‭ ‬خلاص‭ ‬أبدي‭ … ‬بالشعر‭ ‬والتراجيع

الرحمة‭ ‬لأرواح‭ ‬الأبرياء

الشاعر‭ ‬البغدادي‭ ‬

ابو‭ ‬منصور‭ ‬الحلاج‭ ‬

إذا‭ ‬هجرت‭ … ‬فمن‭ ‬لي‭ ‬

ومن‭ ‬يجمل‭ ‬كلي‭ ‬

ومن‭ ‬لروحي‭ ‬وراحي

‭ ‬يا‭ ‬أكثري‭ ‬وأقلي

أحبك‭ ‬البعض‭ ‬مني‭ ‬

وقد‭ ‬ذهبت‭ ‬بكلي‭ ‬

يا‭ ‬كل‭ ‬كلي

فكن‭ ‬كلك‭ ‬لي‭ ‬

فإن‭ ‬لم‭ ‬تكُ‭ ‬لي‭ ‬

فمن‭ ‬لي


مشاهدات 841
أضيف 2022/12/23 - 11:59 PM
آخر تحديث 2024/06/29 - 4:15 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 351 الشهر 11475 الكلي 9362012
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير