التفكير التصميمي لقضايا الأمن القومي
سيف الدين زمان الدراجي
(التعليم هو ليس تعلم الحقائق، ولكن تدريب العقل على التفكير) اينشتاين.
مع التطور الحاصل في آليات التفكير و المعالجة واتخاذ القرارات لا سيما تلك التي تتعلق بالجانب الأمني لقضايا لها أبعاد تأثير وطنية وإقليمية ودولية، برزت الحاجة إلى التعرف على طرق حديثة يمكن من خلالها تحقيق فهم أوسع للتحديات وكيفية اختيار الأفضل من الحلول لمواجهتها.
تم طرح مفهوم التفكير التصميمي Design thinking بواسطة البروفسور " لاري لايفر" في العام 2011 في محاضرة له بعنوان " الرقص مع الغموض " حيث إشار فيها إلى أن التفكير التصميمي هو عملية تكرارية نسعى من خلالها إلى فهم التحديات وتقييم ?الافتراضات وأعادة تعريف المشكلات في محاولة لتحديد الاستراتيجيات والحلول البديلة التي قد لا تظهر أو لا تكون واضحة من الوهلة الأولى، كما أنه يوفر منهجاً قائماً على التفكير الجمعي لحل المشكلات.
يعد التفكير التصميمي طريقة تفكير وعمل في الوقت ذاته، حيث يدور حول الاهتمام العميق بتطوير فهم أوسع لسلوك الدولة أو المنظومة المجتمعية أو الفرد المستهدف بدراسة ماهية دور الطرف المقابل والبناء على ما يُتوقع منه من مواقف وقرارات وردود أفعال تجاه قضايا معينة، ?حيث يساعدنا التفكير التصميمي على مواجهة التحديات ومعالجة المشكلات من خلال إعادة صياغة المشكلة بطرق تتمحور حول الإنسان وبلورة العديد من الأفكار في حلقات العصف الذهنية و اعتماد منهج عملي في النماذج الأولية والاختيار لاتخاذ القرارات المناسبة.
قرارات حيوية
يلعب التفكير التصميمي دوراً في تطوير عمليات صنع القرار فضلاً عن جودة القرارات المتخذة. كما انه يقدم مساعدة أساسية لصناع القرار عندما يتعين عليهم اتخاذ قرارات حيوية لتحقيق المصالح وتقليل المخاطر.
وعلى الرغم من أهمية التعريف بالخطوات التي أشارت إليها العديد من الدراسات والبحوث المتخصصة في القيادة وعملية صنع القرار الا أن المقال لا يسع لذكر الخطوات بالتفصيل، و من أجل تعزيز فهم أوسع لمفهوم التفكير التصميمي لابد من استعراض الخطوط العامة في عملية صنع القرار. (كما إني أعد القارئ الكريم بتخصيص مقال آخر بشكل تفصيلي عن عملية صنع القرار) والتي تتمثل بـ: تحديد المشكلة، وجمع المعلومات، و تحديد البدائل وتقييمها، واختيار الأفضل من بين مجموعة متنوعة من البدائل لتنفيذ القرار واتخاذ الإجراءات، وأخيرا تقييم الإجراءات.
فيما يمر التفكير التصميمي بمراحل عديدة تتمثل بـ:
التقمص: وهو أن تضع نفسك موضع الطرف الذي تود استهدافه من خلال محاولة تخيل انطباعاته، وكلما كان هناك خيال أوسع كلما كانت النتائج أفضل مع محاولة دراسة ذلك في بيئة مشابهة للبيئة التي يعيش فيها الطرف المستهدف اقتصادياً وسياسياً وأمنياً ودبلوماسياً.
التعريف : تلعب عملية جمع المعلومات دوراً هاماً في العديد من الطرق وأساليب مواجهة التحديات، لذا من الضروري تصفية المعلومات التي تم جمعها عن التحديات وتصنيفها، حتى يمكن تحديد المشكلات وإيجاد الحلول.
التفكير الإبداعي: وهو تعزيز دور العصف الذهني بعد تحديد التحدي أو المشكلة. حيث من المهم تنوع الأفكار في هذه المرحلة مهما كانت بسيطة أو غير قابل للتنفيذ، وهنا لابد من الإشارة الى أن التقدير كمي وليس نوعي فحسب، هدفه الخروج بأكبر عدد ممكن من الافكار.
التصنيف: في هذه المرحلة يتم تصنيف الأفكار إلى أفكار ممكنة وقابلة للتطبيق مع مراعاة قياس العواقب والتأثيرات.النمذجة: بعد اختيار الحل ( الفكرة) لابد من دراسة كيفية تطبيقها و ترجمتها لتحقيق هدفها المنشود في مواجهة التحدي وتذليل الصعوبات وحل المشكلات.
بيئة مشابهة
التجربة والاختبار: يتم تجربة الحل في بيئة مشابهة، حيث يتم إطلاق بالونات الاختبار لملاحظة ردود الافعال وعواقب او تأثيرات الخيار الذي تم اعتماده. بعد ذلك يتم تقييم الموقف و اتخاذ القرار المناسب بعد أن يتم أيضا اتباع الخطوات الواجب اتباعها في عملية صنع القرار. وعلى الرغم من وجود تشابه بين سلسلة خطوات التفكير التصميمي وعملية صنع القرار إلا إنهما أسلوبين وشقين مختلفين يكمل أحدهما الآخر ويتشاركان ليقدما فهما أوسعاً للتحديات والمشكلات سيما ما يتعلق منها بقضايا الأمن القومي.
تشير الدراسات إلى أن هناك ضرورة لأن يشترك العقل الجمعي للكوادر المتخصصة من قبل المؤسسات ذات العلاقة لمناقشة التقييم والقيام بخطوات تخدم مصالح البلد العليا وتعزز مرتكزات أمنها القومي. كما أن هناك ضرورة للتنبأ ودراسة الظروف والمعطيات التي قد تدفع دول أخرى إلى السعي إلى تحقيق مصالحها وتعزيز مرتكزات أمنها القومي من خلال خطوات التفكير التصميمي التي يفترض أن تضع الدولة أو المؤسسات ذات العلاقة نفسها موضع الدولة أو المؤسسة في الطرف الآخر، لفهم سلوكها الذي ينبع من سلوك أفرادها وقيادتها لإتخاذ القرار المناسب.
{ باحث في شؤون السياسة الخارجية والأمن القومي